كتب : علاء العيسى ـ العراق
يرى (( جاك لاكان )) أن كل الأشياء الموجودة في العالم الإنساني تنتظم وتتركب حول الظل المتجول لأنا الطفل ؛ ولهذا تكون ذواتنا منقسمة بين النظام الخيالي والنظام الرمزي . وهذا يعني أن كل الصور والمشاعر والذوات التي نلتقيها أو نصادفها في طفولتنا سيكون لها انعكاسات على حياتنا المستقبلية . وهذا ما لمسته عند قراءتي لقصائد الشاعر عبدالسادة البصري .
إن التفاعل مع قصائد الشاعر التي ضمنها مجموعته الشعرية ( غرقى ويقتلنا الظمأ ) لقصد تأويل الصور المتخيلة فيها عن المدينة ( الساكنة في الشاعر والمسكونة به ) يأسر القارئ ولا يمكنه الإفلات منها ، فكل شيء في هذه المدينة مختلف ابتداء من فضائها الذي يختلف عن بقية الفضاءات : ( صوب مدن فضاؤها / من أغان وعصافير ) ، وموجوداتها التي تضج بالحياة والشعور .. فالشارع يسمع ويرى :
( أوقفني الشارع بضع دقائق / ليسألني : / هل يمكن أن تحملني برهة ) ، والشمس تصافح أغصان السدرة ، وتخوت المقاهي تشاطر الفقراء أمانيهم المتلاشية :
( في المقهى .. / نركن أوجاعنا جانبا / ونقلب الكلمات .. / تشاطرنا التخوت الأماني / ترحل أمانينا بعيدا / مع دخان الأراكيل / لنعود نرددها / حكايا ومواويل ) .
وبرغم الأوجاع وعواء الذئاب ومرض الإيجار المزمن وظلمة الليل التي لفت مدينته ، بل قل معشوقته ، يبقى قارئ قصائد عبدالسادة البصري يشم رائحة الهيل وورد الرازقي والحناء وخبز التنور ، ويسمع زقزقات العصافير وصياح الديكة ، فحتى الموت فيها حياة ، فهؤلاء ( الموتى / الأحياء ) يستقبلون نعش صاحبهم محمود عبدالوهاب : ( عند الصباح / فتحت مقبرة الحسن البصري أبوابها / كان السياب / والبريكان / وعبدالخالق محمود … بانتظارك حتما / إذ سمعنا همسات / وأقدامنا تجوس بين القبور ) .
لقد رسم لنا الفتى الجنوبي بقصائده لوحة تشكيلية رائعة لمدينته التي لا زالت وبالرغم من كل المحن والأوجاع وحشرجات الأسى نابضة بالحياة والحب والخير والجمال والطيبة والتسامح :
( يا أمي الأرض مليئة بالأفاعي / والعقارب تدخل حتى أفكارنا / ولا نمتلك غير الطيبة / والتسامح علاجا لأنفسنا ) ،
( في خارطة الحب / ظلت أجمل ما يرسمون / مدينتي ) .
ظتحية خاصة لألق حروفك صديقنا الشاعر عبدالسادة البصري ودمت متألقا.