كتب : م.م.حيدر علي الاسدي – العراق
لم تجلب الدراما في شهر رمضان ما هو جديد في موسمها للعام الحالي ، بل كررت نفسها واجترت الموضوعات المتداولة ، فلم تات الدراما بجديد يذكر لا على مستوى طرح الموضوعات في النصوص ولا على مستوى المعالجات الاخراجية ولا حتى القيمة الاخراجية والانتاجية ، اذ شهدت الاعمال التي قدمت خلال هذا العام جدلاً واسعاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي ، من المختصين وغير المختصين ، مما اربك الحسابات وجعل العديد يعيد الحسابات بامكانية انتاج اعمالاً درامية على مستوى تصل الى مراحل (البناء المجتمعي) من خلالها او توثيق مراحل مهمة من حياة الشعوب ، او تقديم ثيم توعوية ورسائل واضحة في خلال تلك الاعمال مع الحفاظ على القيمة (الفنية) والجمالية لتلك الاعمال ، فلدينا حتى تلك الاعمال التي تحاول البناء والتوجيه وخلق الوعي تقع في فخ المباشرة والسطحية ، مما تكون محط سخرية وتهكم وانتقاد المشاهد (الذكي) الذي ما عاد تنطلي عليه الحيل التمثيلية والادائية ، فهذا جيل التكنولوجيا واليوتيوب ومواقع السينما والدراما الالكترونية المنتشرة، جيل يشاهد اعمالا عالمية بالجملة ويتطلع للتطورات الحاصلة في مجالات الانتاج الفني ويمني النفس باعمال مشابهة عربيا او عراقيا ، في الاعمال العراقية لهذا العام وجدنا تكرار الفقر في الانتاج وعملية الاستعجال الواضحة في تقديم الاعمال الدرامية ، واستمرار العمل (بالكروبات التمثيلية) واقتصار الادواء على (ابناء بغداد) وكان الفن وانتاجه حكرا على مركزية العاصمة (وتبغدد الثقافة والفن) كما يطلق عليها البعض، ولان الفنان العراقي يعيش عوز واضح وفراغ فني منذ سنوات فانه مضطر لقبول اي الاعمال التي تدر عليه مبالغ مالية (على الرغم من قلتها) لذلك شاهدنا ممثلين بادوار لا تليق بهم ابداً ، كما في ادواء سامي قفطان وفاطمة الربيعي في عمل ( غائب في بلاد العجائب) وحتى كاظم القريشي في هذا العمل لم يكن يتوائم مع هكذا ادوار التي ربما تليق بشخصية (اياد راضي مثلا) (فمن شخصية ابو طبر الى غائب؟!) ، وعمل غائب في بلاد العجائب رغم قربه من المشاهد كونه يطرح مواضيع مجتمعية قريبة من حياة الناس الا ان هناك الكثير من الهنات والزلات الاخراجية والادائية حصلت في هذا العمل وكأن المخرج لم يكن موفقاً في اختيار الممثلين للشخصيات ، كما في دور الفنان (حسن هادي) وفاطمة الربيعي وكاظم القريشي وسامي قفطان ، رغم ذلك الانتاجية المقبولة بعض الشيء من قناة ام بي سي عراق جعلت هذا العمل مقبولاً بعض الشيء لان حواراته لم تكن متكلفة ابداً وبدت اقرب للواقعية بالحياة ، وربما الابرز من بين الاعمال تلك هو عمل (بنج عام) من تأليف الصديق الكوميديان البصري المميز (احمد وحيد) وهو عمله الدرامي الاول ككاتب للدراما ، واخرجه امبراطور ولاية بطيخ المخرج والفنان الصديق علي فاضل ، هذا العمل طرح موضوعات جريئة كان المشاهد يتوق لمشاهدة هكذا دراما ، عبر قصص اغلبها حقيقية من واقعنا العراقي ، ورغم بعض الزلات الاخراجية والادائية الصغيرة ولكن هذا لا يقلل من العمل المبهر بصراحة والذي برز به نجوم ولاية بطيخ بصورة ابداعية مغايرة عن النمط المتعارف عليه فكل الجمهور يعرف اموري، اثير ، غسان ، اشتي، رهام بافضل حالاتهم الكوميدية الا انهم بهذا العمل قدموا تراجيديا موجعة ، ونالوا استحساب الجمهور لولا بعض الموضوعات والثيم التي اثارت حفيظة الجمهور ، فالعمل كان بامكانه اختيار قصص اخرى تضاف للقصص المقدمة ، قصص توضح الجانب المشرق من العراق وفرادة الشخصية العراقية في بعض المواقف ، فالعراق ليس كله بؤس ووجع وسواد قاتم ، فثمة وجه منير يستحق ان نصدره للعالم على انه الوجه المخفي او المعتم عليه من (الشخصية العراقية)، وربما اقل الاعمال جودة هو عمل (1+1) من بطولة قاسم الملاك والذي يبدو انه اصبح عادل امام العراق ، لان كلاهما وجودهما اصبح علامة فارقة بشهر رمضان عبر الشاشة ، وكانه لا دراما بدون هذين النجمين!!! رغم ان ادائهم تراجع كثيرا بفعل عامل الزمن والتطورات والتغايرات الحاصلة في بنية المجتمعات والفن العربي ، وفي هذا العمل يمكن ان نميز من خلاله الفنان الصاعد الشاب الموهوب (زيد الملاك) حفيد قاسم الملاك ، والذي تألق باكثر من عمل هذا العام ويستحق الاشادة وادائه بتطور مستمر ، ويبدو انه عمل كثيرا على تطوير ادائه خلال السنتين الاخيرتين ، واتوقع له مستقبلاً واعداً بالمجال ، وكذلك الفنانة (جمانة كريم) التي كانت حاضرة بقوة واؤكد انها فنانة مهمة جدا ولديها امكانيات لم تكتشف للان ، لان المزاجيات بعمل المخرجين والاخوانيات هي من جعلت الدراما العراقية تتراجع كثيراً وبخاصة في موضوع اختيار الممثلين للشخصيات الدرامية من قبل المخرج او المنتج او احيانا حتى المؤلف يتدخل بهذا الامر، وطفت على السطح في هذا العمل بالذات العديد من الاخطاء الاخراجية البدائية ، فقاسم الملاك (فيترجي) يظهر بملابس انيقة ، وانفعالاته خارجة عن الاداء ، ردود فعله عند المشاجرة مع الاخرين وكان الاخرين اصنام لا يجيدون سوى الاستماع والسكوت عن اهاناته المتكررة ، وهو سلوك لا يوجد بارض الواقع ، ولغة العمل في الكثير من الحلقات والمشاهد متكلفة بعيدة كل البعد عن طبيعة وواقعية مجتمعنا العراقي ، وتركزت الاخطاء والاساءة للشخصية الجنوبية في عمل ( احلام السنين) رغم الملحمة الكبيرة التي قدمها العمل الا انه ينسخ نفس الاساءات السابقة للشخصية الجنوبية ولديوان العشائر الجنوبي ، حتى انه اثار حفيظة بعض عشائر الجنوب الذين ادانوا واستنكروا اظهار صورتهم بهذا الشكل ، مثل مشاهد عقوبة الشيخ لشاب (بان ينبح كالكلب داخل الديوان) او (استدعاء امراة للديوان امام بقية الرجال) هذه الصور ربما غائبة او منعدمة الوجود بديوان الجنوب وان وجدت فهي شواذ لا يمكن تعميمها وابرازها ، واخر ما سنتطرق له هو عمل (كما…مات…وطن) ومن العنوان يبدو اللعب على المفردة والدلالة الرمزية واضحة تتسق مع الوضع الراهن (كمامات وطن) اصبحت (كما…مات …وطن) فمجمل حلقات العمل تبرز الموت المعنوي والمادي للمواطن واوجاع الوطن في ظل استشراء القتلة والسراق ، وبخاصة تلك الحلقة التي اثارت الرأي العام كثيرا واعني حلقة (طابق 15) والتي تعاطف معها الكثير ، واتهمها البعض بانها مسروقة من فيلم اجنبي وكتب هذه الحلقة شاب من الناصرية (مصطفى الركابي) ورغم ان الحلقة استدرت عواطف الناس لانها تحكي عن اوجاع ام الشهيد ، وشهداء التحرير في المظاهرات الاخيرة ، لكن مع هذا لم تخرج الحلقة الا ومعها العديد من الاخطاء الاخراجية في العمل ، وحتى على مستوى كتابة النص وبخاصة بتصوير الارواح وبعض الحوارات التي قللت من قيمتهم الدلالية كأرواح في العمل ، وكذا البناء الخاطئ والركيك لشخصية (الدكتورة/خطيب البطل/اياد راضي) ولكن في مجمل حلقاته طرحت مواضيع مهمة وجريئة وتقاربت بعضها من موضوعات (بنج عام) اقصد على مستوى رؤية وزاوية الطرح والموضوع الحساسة المتعلقة بشؤون المواطن العربي وحياته الاجتماعية اليومية ، هذا الموسم كان حافلاً بالاعمال ولكن بعضها الكثير انتج بعجالة وبمبالغ لا يمكن لها ان تطور الدراما العراقية.