كتبت : سعاد طالب
بينما يتصارع الكبار على السلطة والأرض، تكون الضحايا من الذين لا صوت لهم، الذين تضاءلت فُرصهم في الحصول على حياة كريمة ومستقبل مشرق، هم الأبرياء العالقون في وسط النار وتعلّموا أبجديات الدّمار والخوف بدلًا من اللّعب والرّسم، سُلِبت أحلامهم ولم يبقَ لهم سوى ذكريات الألم وأصبحت طفولتهم مجرّد حكايات حزينة تُروى في عيونهم، زُجَّ بهم في صراعات لا يعرفون عنها شيئّا ولم يعرفوا لها سببًا، إنّهم عبق المستقبل، إنهم أطفال الحرب.
أمام كل هذه المشاهِد، نرى العالم في صمتٍ مُخيف، مراقبًا بتجاهل الدّماء التي تُراق والأرواح التي تُزهق وغير مبال بصرخات الألم والمعاناة، إنه عالم يفتقر إلى الإنسانية.
في ظلّ هذا الصمت المرير، يأتي دور درع العدالة وحامي الأبرياء، القانون الدولي، الذي وُضع أساساً بهدف بناء إطار قانوني يوفّر السّلام والاستقرار في العالم، إلا أنه يقف عاجزًا أمام المشاهد اليومية للمجازر التي تُرتكب بحق الأطفال، وكأنَّ قواعده مجرّد حبرٍ على ورق تتحدّث عن حماية حقوق الإنسان بينما تُسفك دماء الأبرياء. هذه القواعد تطبَّق بانتقائية في محاكمات شكلية ومعايير مزدوجة، فالأطفال الذين يُفترض أن يكونوا محميين بموجب هذا القانون يعيشون تحت قصفٍ لا يرحم وصمت عالمي يجعل معاناتهم تستمر. فالقانون الدولي بتناقضاته وسكوته يبدو كمرآة تعكس واقعاً مريراً، حيث يظلّ الأطفال في مناطق النزاع ينتظرون عدالة قد لا تأتي أبدًا.
لكن هذه العبارات الجّافة لا يمكنها أن تصف الألم الذي يعيشه هؤلاء الأطفال يوميًّا، فهناك قصصًا تحمل في طيّاتها ألمًا وتجاوزات يرفضها القانون الدولي بشكل قاطع حيث أن هذه القوانين لو طُبِّقت لكانت كفيلة بحماية الأطفال وحقوقهم.
ومن بين هؤلاء الأطفال الذين تجرّعوا مرارة الحرب، جميلة، الطفلة التي أخذ وجهها نصيب من اسمها ولم يترك شيئًا لأيامها. هذه الجميلة تبلغ من العمر ست سنوات، تجلس على أنقاض منزلها المدمّر في غزة، كانت تلعب مع أصدقائها عندما سقطت القذيفة لتتحوّل ضحكاتها إلى صرخات، فقدت جميلة والدها وأخاها في هذه اللحظة وفقدت نظرها لتصرخ بصوت متهدّج “أريد أن أرى أصدقائي” لكنّ الحرب سرقت منها كل شيء. وكذلك صديقها وليد الطفل الذي يبلغ من العمر ثماني سنوات، أصيب بجروح خطيرة في ساقه عندما كانا يلعبان سويًّا، وتمّ نقله إلى المستشفى الذي كان مكتظًّا بالجرحى ولم يتمكّن من الحصول على الرعاية اللازمة، وبعد أيام من المعاناة والالم فقد وليد ساقه، ويعيش الآن مع عائلته في ملجأ مؤقت حيث يواجهون نقصًا في الموارد الأساسية والخدمات الطبية. اتفاقية حقوق الطفل التي اعتمدتها الأمم المتحدة عام 1989 تفرض على الدول الأطراف اتخاذ جميع التدابير الممكنة لضمان حماية ورعاية الأطفال المتأثّرين بنزاعات مسلّحة”.
وفي أحد مراكز الدعم النفسي في لبنان، يجلس كريم ذو الستة أعوام، مصابًا بالصدمة بعد رؤية والديه يموتان أمام عينيه، لا يتحدّث كريم إلا نادرًا ويمضي أيامه في العزلة. اتفاقية حقوق الطفل تنص على ضرورة تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال الذين تعرّضوا لصدمات نتيجة النزاعات المسلّحة ويجب على الدول الأطراف توفير الرعاية اللازمة لمساعدة الأطفال على التعافي وإعادة التأهيل.
الا أنه رغم هذا الظلام، ينبعث الامل. فصحيح أن الحرب تترك جروحًا عميقة في قلوب الأطفال، ولكنها تبرز أيضًا صمودهم وقوة أرواحهم. فبين الأنقاض والدخان نجد قصصًا تتحدّى الظلام وتبحث عن النور، فيوسف، الطفل ذات التسع أعوام وتحت سماء مليئة بالدخان يجلس على حطام منزله يرسم أحلامه على ورقة ويقول بابتسامة: “عندما تنتهي الحرب، سأزرع زهورًا هنا، أنا أثق أن رسوماتي ستصبح حقيقة يومًا ما”.
وياسين الذي دُمِّر جزء من مدرسته، قال بفخر: “لن يمنعني شيء من التعلّم، سأبني مستقبلي بيدي”.
هذه الجمل ليست مجرّد كلمات، بل هي شعلة القوة والامل التي تضيء طريقهم رغم الصعوبات التي يعيشونها، تعكس إرادتهم الصلبة وصمودهم في وجه التحديات أملًا في مستقبل أفضل، فقد حان الوقت ليستيقظ العالم على معاناة هؤلاء الأطفال وأن يتّخذ خطوات ملموسة لحمايتهم. فهذه القصص تظل منارات امل وصمود، فرغم الألم والعدوان يواصل هؤلاء الأطفال التمسّك بأحلامهم، فحجم انتهاكات حقوق الطفل يفوق الوصف، مما يتطلّب تعزيز الجهود الدولية لحمايتهم.
وفي الختام، أودّ أن أتوجّه إلى الأطفال بالقول:” في كل دمعة تسقط من أعينكم تنمو زهرة من الأمل، وفي كل خطوة تخطوها نحو المستقبل تضيئون دربًا مظلمًا، أنتم البذور التي ستنبت يومًا ما لتروي حكايات عن الإصرار والشجاعة. استمرّوا في الإيمان بأنفسكم فأنتم الشمس التي ستشرق يومًا ما، نحن نؤمن بكم وندعمكم دائمًا”.