الرئيسية / آراء حرة / رفقة النفس: محطة الوعي والتأمل

رفقة النفس: محطة الوعي والتأمل

بقلم  : رباب طلال مدلول ـ العراق

كثيراً ما نصرّ على أن لا نبقى وحيدين، نبحث عن شخص يرافقنا، أو يجلس بقربنا، لأننا نعتقد أن وجودنا مع الآخرين يجعل مظهرنا أقل غرابة، وكأن العزلة تعكس نقصًا أو خللًا. هذا كان اعتقادي حتى وقت قريب. ولكنني الآن توصلت إلى قناعة جديدة: المهم ليس أن ترافق أي أحد، بل المهم هو من ترافق. ليس كل رفقة تضيف لك شيئًا، بل قد يكون البعض رفقة بلا قيمة، بل أحيانًا عائقًا في طريق نضجنا وتطورنا.
الرفقة الحقيقية هي تلك التي تضيف إلى حياتك شيئًا، تعلمك درسًا، تجعلك تستوعب شيئًا عن نفسك أو العالم من حولك، أو حتى تقودك لاكتشاف ذاتك بشكل أفضل. لذا، توصلت إلى قناعة رائعة: أن الحياة محطات، ولكل محطة أشخاصها. هناك من سيرافقك حتى نهاية الرحلة، وهناك من سيتوقف عند محطة معينة، وهذا أمر طبيعي ومقبول، المهم هو ألا نتشبث بأحد أكثر مما ينبغي، وألا نخشى السماح للآخرين بالرحيل إذا ما أرادوا ذلك، أو إذا ما انتهت رحلتهم معنا.
لست نادمة على أي شخص تعرفت عليه خلال السنوات الست الماضية، فقد بدأت العد منذ أن كنت في الرابعة عشرة من عمري، وأنا الآن في العشرين. لا زلت صغيرة نعم، لكن لدي عقل كبير للغاية، مليء بالأفكار العميقة، والقناعات الواضحة. توصلت إلى إدراك مبكر قد لا يصل إليه الكثيرون في مثل عمري: النفس هي خير رفيق. فالنفس لا تنافق، ولا تغتاب، ولا تحيك المكائد ضدك، ولا تشهر بك. مرافقة النفس تساعد على فهمها بشكل أعمق، وتتيح لنا فرصة التأمل والتفكر في ما نريد حقًا من هذه الحياة.
وإلى جانب النفس، يأتي الكتاب. ما خطب الكتاب؟ إنه رفيقٌ رائع. كما يقال: “خير جليس في الزمان كتاب”، نعم أوافق بشدة على هذه المقولة. فالكتب توسع آفاقنا، تبحر بنا بين طياتها، تجعلنا نفكر، ونتأمل. بل إن الجلوس مع كتاب أجمل بكثير من الجلوس مع بعض الحمقى، لمن يظن أن العزلة تجعلك تبدو أقل شأنًا في عيون الناس. في الواقع، الأشخاص الذين يجلسون بمفردهم مع كتبهم أو دفاتر الرسم أو هواتفهم، يبدون لي جذابين للغاية، غامضين وصادقين. لأنني أعلم جيدًا أن الحصول على رفقة مزيفة هو أسهل شيء. يمكن لأي شخص أن ينخرط في مجموعة ما، وسيبدو كل شيء على ما يرام ظاهريًا، لكنك بذلك قد تجر نفسك إلى صداقات مزيفة وعلاقات معقدة. لذلك أجد أن الأفضل هو البقاء وحيدًا، برفقة نفسك وكتابك وكوب من القهوة.
في النهاية، توصلت إلى قناعة أن الحياة تتعلق بالنوعية وليس بالكمية، سواء كان ذلك في العلاقات أو في التجارب. فالنفس والكتاب هما خير رفيقين، يساعداننا على النمو والازدهار. وكما قلت سابقًا: “أن الحياة محطات، ولكل محطة ناسها”، المهم هو أن نترك من يرغب بالرحيل يذهب بسلام، وأن نحتفظ بتلك العلاقات التي تضيف قيمة حقيقية إلى حياتنا،نفسك وكتاب مميز وكوب قهوة دافئ سيعوضك حتماً عن اي رفقة.

شاهد أيضاً

الجدوى الإقتصادية عن طريق التنمية الدولية

كتب : كمال الحجامي يعتبر طريق التنمية من اهم المشاريع الستراتيجية في المنطقةوالعالم وذلك لما …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.