الرئيسية / الثقافية / قـراءة انطباعيـة فـي روايـة ( البدلـة البيضـاء للسيد الرئيس )) للروائي علي لفت’ سعيـد

قـراءة انطباعيـة فـي روايـة ( البدلـة البيضـاء للسيد الرئيس )) للروائي علي لفت’ سعيـد

كتب : جمــال عــابــد فتـاح ـ العراق

هذه الرواية من طباعة الفؤاد للنشر والتوزيع / مصر , الطبعة الاولى 2021 , وتقع في 156 صفحة من القطع المتوسط  وتدور احداث الرواية من خلال احداث ثورة 1958  , واحداث 1963 , وثورة تموز 1968 , والحرب العراقية الايرانية واحتلال الكويت والانتفاضة الشعبانية عام 1991

وابطال الرواية هم ( مدلول ) بطل الرواية , ام ساهي الخياطة ة الجميلة وعمرها 30 عاما ومتزوجوه  من رجل عسكري اصيب بساقية من قبل العصاة في حرب الشمال , وشكرية زوجة ابي مدلول , وابو مدلول , وخال مدلول .

وقد قسم الكاتب الرواية الى قسمين هما , ( قبل الرواية ) و ( بعد الرواية )

ويتحدث   الكاتب عن احداث قبل الرواية  عن ام ساهي التي تنادي مدلول بـ ( مدلولي ) , حيث يسال مدلول عن ساهي ويقول , هل قتل هو ايضا في حرب العصيان في شمال العراق , فتقول له انها عاقر وهذه تسمية يطلقها الناي على من لم تنجب , وانها وشكرية زوجة ابيك  محرومتان من الخلفة وانت يا مدلول تؤنس وحدتي , وكانت تقول دائما لشكرية زوجة ابيه : انه يتيم فكوني لطيفة معه ,وخذيه معك للولاية وانتي  تعرفين الباقي ,, وكانت شكرية تاخذه معها الى السوق وتقول له . اذا رايت اي شيء فاصمت ولا تخبر احدا لأني سأشتري لك الحلاوة وما تريد ,اما ابوه فكان دائما ينصحة بالقول : وليدي اذا صادفتك ريح قوية فانحني لها لانك بلا ظهر ومن تشوف روحك الضعيفة اسكت ,, وكان ابوه قد وقف في فاتحة زوج الخياطة ثلاثة ايام , وكان الناس يحاولون الوصول اليها لجمالها ولكنها تابى ذلك مما دفع  ابوه لان يقول له : ان بعض النساء تخون ازواجهم وهم احياء ,الا ان ام ساهي الخياطة لم تفعل ذلك وكانت دائما تتحدث مع زوجة ابيه عن عجزه وانها تريد اطفالا وانها تنام في بعض الاوقات تنام فوقه لانها محرومة من اللذة ,

وكان مدلول يتمنى ان يكون قرب الخياطة دائما , وكانت زوجة ابيه تطلب  منه ان يذهب الى بيت الخياطة ليطلب منها بعض الحاجيات وتطلب منه ايضا ان يتاخرعندها ,وكان هذا يفرحه كثيرا حيث عندما يذهب اليها يرى جسدها وفخذيها عندما ترفعها وتنزلها عندما تعمل على ماكنة الخياطة وفي يوم سالها لماذا يسموك ام ساهي فتقول له : انا وشكرية محرومتان من الخلفة ولا نجيب وان الناس اطلقوا عليها هذه الكنية لانها راضية بالخياطة ولكنها غير راضية في الزواج ,  ثم ان زوجة ابيه غيرت معاملتها له وكذلك غيرت معاملتها لابيه فكانت تطلب منه عندما يعود من العمل ان  يذهب الى الحمام لكي يغتسل , ثم يحضنه ابوه ليعوض عليه حنان الام ,و يقول له يا وليدي من تصادفك ريح قوية انحني لها لانك بلا ظهر , من تشوف روحك ضعيفة اسكت  , وكانت كلمة اسكت  لها مفعول الامر بالصمت المطلق الذي لا يناقش , وكان يستمع الى ام ساهي وزوجة ابيه وهما تتحدثان عن ازواجهما , لان زوجة ابيه كانت قد طلقت من زوج اخر ,وكانت شكرية تتحدث عن زوجها العاجز وقد ضربت  ام ساهي مؤخرة زوجة ابيه عندما لبست ثوبها الجديد مما جعل زوجة ابيه تقول لام ساهي الخياطة ان زوجها كان دائما يضربها ويعضها من مؤخرتها , وكان مدلول يسمع هذا ويذهب بمخيلته بعيدا ويقول : انا يتيم فيلجا الى الدعاء من جديد ويقول  انا لست مثل كاظم وعبيد وابراهيم وهادي وخضير ومطرود , انا لا اعيش بهذه العائلة , بل ان اسمي ليس له معنى (  مدلول ) , حتى المدرسة التي احلم في ان تكون الملاذ للتعويض لا تمنحني القدرة على المواصلة , وفي المدرسة كان بعض الطلاب يستهزون به , وفي احد الايام قال له طالب وهو جيرانه في الشارع الثاني اسمه ( مطرود )  بان زوجة ابيه ( قحبة ) فما كان من مدلول الا ان يصفعه ويكسر انفه ,فبدات المناوشات العشائرية  , لان الدية عن كسر الانف يجب ان يدفعها مدلول ,ولكن زوجة ابيه قالت :انا اخذ الدية منكم لانكم تنعتوني بما ليس في , واذا كانت الدية مائة دينار فانا ساخذها 300 دينار , ثم تاتي ام ساهي وتاخذه معها الى البيت وحين دخل البيت يرى  صورة رجل عسكري معلقة على الحائط فتقول  له : هذا زوجي ابو ساهي وقالت له لا تهتم لما تسمع فان الناس لا يتركون الشخص لشانه , وهذا مطرود قواد وامه قحبة , فشعر بالارتياح وانزاح همه , ثم جلست بالقرب منه وقالت له كيف ماتت امك , فتذكر كيف ماتت امه وهي توصي ابوه ان يعتني به وان لا يذهب اليه بالطعام الى كورة الطابوق وان لا يشام رائحة النفط , ثم تذكر كيف ان الناس طلبوا من ابيه ان يتزوج  من  امرأة اخرى لتعتني بمدلول  بدلا من تركه كل يوم في بيت , , فيتزوج ابوه شكرية , التي كانت تجبره على الجلوس في البيت وعدم الخروج منه وان لايفتح الباب لأي طارق وانها كانت تخرج صباحا ولا تعود الا بعد الظهر , وفي بض الاحيان يخرج مدلول ليذهب الى دكان صيهود   (الذي اخرجه من بيته ليبيع بعض المواد البسيطة التي كان يشتريها من بعض التجار بالدين وكان يختلس النظر للنساء , وخصوصا ام ساهي التي كانت تجلس وترفع ثوبها لتظهر سيقانها ونطاب من صيهود ان يخفض  لها السعر , وكانت في بعض الاحيان تأخذ بكرات الخياطة والابر مجانا , وكانت توعده ببعض الاشياء , ولكنها لا تفي بوعدها ,

وفي احد الايام لم يعد ذلك النهار طبيعيا بالنسبة لأبو مدلول فقد امتلا قلبه بشي لا يعرفه ان كان شرا او راحه او قلق جديد , هل هو رضا عما تغير من حال شكرية لتجعله يفتح فاه لما تفعله تجاه ولده , كانت الصورة التي علقها وبدلة الرئيسن البيضاويتين لها فعل السحر , فاسكات شكرية عن التمرد والتكلم  والتذمر من رائحة النفط كان يحتاج الى قوة خارقة ليتغير سلوكها كما تغيرت مع مدلول . كما ان ابو مدلول يضحك في سره ويقول لابنه : لو كان يعلم ان الصورة تفعل فعلها لعلقها من زمن بعيد , والبدلة البيضاء دليل الطيران , ولا يهم ان تحولت الى اللون الاسود,, المهم البدايات دائما بيضاء , ولم يفهم مدلول شيئا , لكنه تعلق كثيرا بالصورة , وكان ينظر بعمق مقررا ان يكون له شارب مثل صاحب الصورة التي على يساره  , بعدها بدا مدلول يعي ما يريده وما يسمعه كلما مر على مقهى عمروش , يسمع الشعراء والسياسين , يسمع بحزب البعث والشيوعيين والاسلاميين , يسمع بعبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف واحمد حسن البكر , فيذهب عقله الى الصورة التي علقعا ابوه في صدر الهول , ثم يموت ابوه ويصبح يتيم الابوين ويتلقى العزاء من مختار المنطقة ومن ابناء القرية ثم ياتي خله ( قاسم ) للعزاء , بعدها يرحل مدلول عن المدينة ,

وا يتحدث الراوي عن ( بعد الروايه ) حيث يعود مدلول الى المدينة بعد واحد وعشرون عاما , ويقرا في شوارعها لافتات العزاء للشهاد الذين سقطوا في حرب الثماني سنوات , لاسماء يعرفهم كانوا معه على مقاعد الدراسة ,ثم يقرا لافتة عزاء (( مطرود )) الذي لازالت كلمات ( قحبة ) تلاحقه ولا ينساها , ثم يتذكر شكرية زوجة ابيه وام ساهي , وكيف كانت تجعله ينام معها وتنزعه دشداشته بحجة ان الجو حار , ثم تلصق نهديها بجسده فيقذف عليها , وبعدها تقول له اذهب الى الحمام لتغتسل قبل ان تعرف شكرية هذا وما نخلص من لسانها , وبتذكر ابوه و وتوصياته له , وبعد فاته  بذهب الى بيت خله , ويف اخذ شهادة  الدراسة المتوسطة بالامتحان الخارجي بفضل زوجة خاله التي كانت تدرسه ,  بعدها انتمى الى حزب البعث وكان الرفيق الحزبي يحثه على النضال في الحزب وبانه سوف ياخذ شهادة الدراسة الاعدادية بالامتحان الخارجي حيث اوصى المشرفين علة قاعة الامتحان بمساعدته , ثم يتذكر انه في القهوة في الشطرة حيث اخذه خاله , وراى صورة البكر وصدام حسين , ثم راى صورتين اخريتين , للبكر وحده , ولصدام حسين وحده , وكان يترفع في المناصب الحزبية , الى ان تذكر حادثة الجامعة المستنصرية , ومن ثم حادثة التشيع التي حدثت بعدها , ثم يتذكر انه في المظاهرات كان محمولا على الاكتف , واقترب كثيرا من منصة جلوس الرئيس صدام حسين في وقته , وقد جاءت اشارة منه بان ياتي اليه , فذهب اليه  وانحنى امامه والتقطت صورة لهما ونشرت في جريدة الثورة ,  بعدها اكمال دراسة الدبلوم من معهد القائد , وظل بحفظ اقوال الرئيس صدام حسين عن ظهر قلب ,ثم وصل الى بيته القديم وحاول ان يطرق الباب وتخيل من سيفتح له الباب , بعدها التقى احد الرفاق الحزبين وساله عن ام ساهي فقال له : انها مازالت تخيط ولكن عبيونهاعيونها تعبت وظلت تلبي نظارات طبية , وانها الان تخيط الملابس السوداء لكثرة الشهداء وهي تجارة نافعه لها , ثم تكلم معه الرفيق عن زوجة ابيه شكرية فقال له : بان اختها جاءت من الشطرة وسكنت معها بسبب استشهاد زوجها , ثم تذكر خاله عندما زاره في شقته في الكرادة وكان هو اكبر منه  درجة حزبية حيث نصحه خاله بان لا يؤذي احدا او ان لايكون سببا في اذية احد , وتذكر انه عندما يدخل الى البناية باتجاه مكتبه وان الجميع يقف له خوفا واحتراما , حتى ان سكرتيرته تبتسم له وتحاول اغواه , ولكنه كان يرفض ذلك متخوفا بانه يمكن ان يكون اختبارا من الحزب , ثم يقول له خاله ( من يصل الى هذه المكانة في وقت قصير , فهذا يعني انه يعمل اي شيء حتى لو كانت القوادة نفسها ÷ ثم يزعل خاله منه ويخرج دون ان يلتفت اليه  فظل وحده في الشقة يسمع الاخبار السيئة عن بداية الحرب مع الكويت , والاسحاب منها , وتكبد الجيش العراقي خسائر فادحة في الارواح والمعدات فيتذكر وصيبة ابوه له ( اصمت ولا تتحدث ) ,

ثم يتمشى في شوارع المدينة فيجدها فارغه من الناس لان الكل في بيوتهم فيرى طفلا صغيرا يخرج من البيت ولربما ذهب يشترى حاجة من احد الدكاكين التي كانت اعلبها مغلفه , وينتظره الى ان يعود ليسله , ولكن انتظاره امتد طويلا , الى ان يرى فتاة تخرج من بيتها , فيقول في نغسه ربما عرفتني ولكني كبرت وتغبرت , ثم تخرج الجموع من شباب وشيوخ ورجال ونساء من بيوتهم ويصرخون بكل قوة (( يسقط صدام )) فيما كانت البدلة البيضاء تخرج من حقيبته المعلقة على كتفه الايسر هاربة الى الحديقة الدائرية وقد تاكلت اطرافها وتغير لونها حتى كأنها بدلة بلا لون .

انها رواية تحكي  قصة القلق الذي جاء مع فقد الأم القلب الحنون ،واليوميات  التي أصيبت بالخواء وتكرار الخيبة بسبب الفقر  وحاجة الأب للعمل في   كورة للطابوق مع مراودة المرض والإختناق بالنفط والدخان السام ، والعيش برفقة زوجة الأب شكرية الباحثة   عن ملاذات  لإشباع   لجسدها  المخضب  بالأنوثة والخصب  والجمال والهاربة من جسد  الأب   المثخن بالعجز  والمشبع    بروائح النفط الكريهة  ،

وقد احسن الكاتب علي لفته سعيد  في بناء ء شخصية مدلول الطفل الذي عانى الحرمان ووصم بالصمت المقرف حول كل ما يراه  ويسمعه من  خيانة وبؤس ,   يتلهى    بصمته المستدام  امعانا    لولوجه مخاضات الأمكنة التي يسودها البؤس

والخوف وغياب  الفضيلة وهيمنة الرعب الجاثم   على النفوس من هواجس   التهم القادمة من  شتى السلطات التي يتسربل فيها  المخيل السردي ومدلول  يعاود تنقيبه في لاوعي  واقتناص الفرص واللعب مع الزمن كيف  ما كان  مما ولد نزعة البحث عن سد العجز واتمام النقص في الشخصية فكان  الإرتماء  في أحضان   الدكتاتورية والتملق   لها رغبة   في الوصول  والهروب    من الماضي بكل خيباته وفضائحه وفضائح شكرية زوجة الأب لقد كان موت الأب صدمة قاسية خلفت رعبا مضاعفا في شخصية الفتى مدلول  من المجهول فكانت الفرصة مع مجيء الخال الشيوعي في الزمن السابق  والبعثي في حاضره   الذي أحدث   نقلة   تصادف هوى في نفسية    مدلول الباحث عن السلطة وتغيير الأمكنة بأخرى توفر  له وهم الحلم والرجولة فكان السفر  الى بغداد والتقرب من سلطة الحزب الأوحد وخدمة القائد ذو البدلة البيضاء برمزيتها المناقضة لروحانية اللون  وجاذبيته

ويبين الراوي ان صاحب البدلة البيضاء لم يورث لشعبه غير الخيبة   والموت    والفقر واللافتات السود التي توشحت فيها المدن  والبوت   و  كانت   نياشين   تخبر عن الشهداء الراحلين نحو  اليابسة وهم في   ريعان الشباب والربيع ع     والأمل ،   تظهير سردي .. انتهت الحرب والناس تفضل التذكير بمأساتها فتركت يافطات الحزن معلقة حتى أكلتها الشمس والريح والمطر علامة على البؤس، لم يمضي الوقت حتى تشتعل الحروب من جديد لتبدأ رحلة إنتهاء الاجساد لتتحول الى يافطات سود ومآتم للبكاء  ورايات للعشيرة  ومواكب للهتاف للسلطة ’ ثم ان مدلول الذي عانى من تأنيب الضمير  وتوالي الخسارات على وطن أنهكته متوخيات الجنون  وهوس الحرب من لدن  صاحب  البدلة البيضاء ،وان  مدلول رغم ذلك لم يوافق على التملق والنفاق وأذى الناس الذي كان يقوم بهم البعض في حزب البعث بناء على توصية خاله الى ان تاتي الانتفاضة الشعبانية التي قام بها الشعب للتخلص من صاحب البدلة البيضاء

انها رواية جميلة تستحق القراءة  

شاهد أيضاً

قـراءة فـي روايـة فـرانكشتاين  في بغـداد )) للروائي احمـد سـعـداوي

كتب : جمـال  عـابـد فتـاح ـ العراق هذه الرواية من طباعة منشورات الجمل / بيروت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.