كتبت : أيناس هشام
لم تجنبهُ (سيلس ماريا) المرض خلال إقامته هناك ..حيثُ حصلَ (نيتشه) على غرفةٍ متواضعة في بيتٍ تعودُ ملكيتهُ لعمدةِ القرية حيثُ كلفتهُ فرنكاً واحداً في الليلة، لأنَّ الفنادق هناك على الرغمِ من بساطتها فهي باهظةُ الثَمن ،ومكتظة (هذا لمن يقول بأن نيتشه كانَ ارستقراطياً او برجوازياً، حيث كان يعتمدُ على راتبه التقاعدي الذي يحصلُ عليه من الجامعة) ارتفعت هناكَ شجرةَ صنَوبَر طَويلة بالقربِ من النافذةِ الشرقية لغرفةِ نومهِ- ومكتبهِ في ذات الوقت ..مرشحةً الضوءَ الداخل ..الى ضوءٍ أخضر خافت لإراحةِ عينيهِ المتعبتين .لم يتخلص من المَرض كما كانَ يأمل خِلال مدة اقامتهِ في (سيلس ماريا) بل على العكس .. ففي تموز ، وايلول كانَ اقربُ الى حافةِ الهاوية أكثر من أيِّ وقتٍ مضى ..(أنا يائس، الألمُ يَقهر حَياتي وإرادتي …إستغثتُ بالموت طبيباً لخمس مرات) ..نيتشه كان (نيتشه) كلما زادَ الالم وتجذر عميقاً إزداد ارتفاعا وشعوراً بالقوة فقد شبّه نفسهُ بماكينةٍ قابلةٍ للإنفجارومع حلولِ آب ،اختبرَ بالفعل أولى افكارهُ القابلةِ على الإشتعال منذ الفكرة التي اقترح فيها الانشطار البولوني /الديونيسيوسي وبينما كانَ يقفُ أمامَ شاطيء بحيرة سيلفابلانا، بجانب جلمودٍ صخري هرمي الشكل ، سيطلقُ عليهِ فيما بعد (صخرة زرادشت )..خَطرت على بالهِ فكرة العَود الأبدي : (ماذا لو ان شيطاناً تسلّلَ ذاتَ يومٍ الى عزلتك ،وقال لك :((إنَّ حياتكَ التي تعيشُها والتي عشتَها سابقاً ..سيتعين عليك ان تعيشها مرةً أخرى ..وستتكرر هذه الحياة مراتٍ لاتحصى ..ولن يَطرأ عليها أي شيء جديد ..ولكن كلّ ألم وكلّ فرحة وكل فكرة وكل حسرة وكل شاردة صغيرة او كبيرة يَجبُ أن تعود وسيقعُ كلّ هذا بنفسِ الترتيب والتعاقب ..ستُقلب الساعة الرملية الأبدية للوجود مرةٍ تلوَ مرة وانت فيها حبة رمل ))* … أحيانا يفكرُ الإنسان وهو في أصعب حالاته المَرضية بالعالم الآخر وما بعد الموت وكيفَ أنّ الحياة تكونُ متتالية وحيثُ شبّه( نيتشه) الإنسان بنقطةٍ صغيرةٍ في دائرةٍ مغلقة تدور عدةَ مَرات ..يتبع … *من كتاب العلم المرح الكتاب الرابع 341