تقرير/ أوس ستار الغانمي
تتوالى الأخبار التي تشير إلى ارتفاع معدلات العنف ضد المرأة والاطفال والتحرش والاعتداءات الجنسية اثناء النزاعات والحروب في كثير من بلدان العالم، حتى أن البعض يرى أن هذه الجرائم أصبحت مشكلة عالمية، وفي هذا التقرير نقدم تعريفا بها، والعواقب الصحية والنفسية المترتبة عليها…
يحتفل العالم اليوم 19 حزيران باليوم الدولي للقضاء على العنف الجنسي في حالات النزاع كل عام كفرصة للتأمل والتحرك نحو تحقيق حقوق الإنسان وإنصاف الضحايا والناجين من هذا النوع المروع من العنف، ويعد العنف الجنسي في حالات النزاع تجسيدًا لانتهاك حقوق الإنسان الأساسية، حيث يستهدف بشكل خاص النساء والفتيات، وقد يكون وسيلة للإرهاب والسيطرة والقهر، وتعتبر هذه المحنة الإنسانية والانتهاك الجسيم للكرامة الإنسانية تحديًا يتطلب تضافر الجهود المحلية والدولية للقضاء عليه والعمل على منع حدوثه مجددًا.
يسلط الضوء على يومنا هذا أهمية تشجيع المجتمع الدولي والجهات المعنية على التصدي بقوة للعنف الجنسي في حالات النزاع، وضمان تقديم الدعم اللازم للضحايا وضمان عدم تكرار هذه الجرائم المروعة وتحقيق العدالة وتقديم الرعاية والدعم للناجين يعدان أمورًا حيوية في سبيل بناء عالم أكثر عدالة وسلامًا.
التحرش والعنف والاعتداء الجنسي.. ما الفرق؟
تتوالى الأخبار التي تشير إلى ارتفاع معدلات العنف ضد المرأة والتحرش والاعتداءات الجنسية في كثير من بلدان العالم، حتى أن البعض يرى أن هذه الجرائم أصبحت مشكلة عالمية. ونقدم هنا تعريفا بها، والعواقب الصحية والنفسية المترتبة عليها.
ونبدأ بالفرق بين خمسة مصطلحات: العنف ضد المرأة والتحرش الجنسي والعنف الجنسي والاعتداء الجنسي والاغتصاب، وذلك وفقا لجامعة كاليفورنيا ومنظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة:
التحرش الجنسي: سلوك له إيحاءات جنسية غير مرحب بها من قبل الطرف الآخر، ويشمل أيضا طلب خدمات جنسية أو تصرفات ذات طابع جنسي، ويمكن أن يكون عبر الكلام أو النظرات أو عرض مواد جنسية في مكان العمل بحيث يراها الطرف المستهدف.
العنف الممارس ضد المرأة: تعرفه الأمم المتحدة بأنّه أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه، أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة.
العنف الجنسي: يعرف بأنه ممارسة فعل جنسي دون الحصول على موافقة الطرف الآخر أو عندما يكون الشخص الآخر غير قادر على إعطاء الموافقة (مثل أن يكون معاقا أو مخدرا). ويشمل الاعتداء الجنسي والاغتصاب والعنف المنزلي والمطاردة (أن يطارد شخص امرأة ويلاحقها).
الاعتداء الجنسي: هو ممارسة أي نشاط جسدي جنسي دون الحصول على موافقة من الشخص الآخر، أو عندما يكون الشخص الآخر غير قادر على الموافقة على هذا النشاط. ويمكن أن يشمل الاعتداء الجنسي استخدام القوة البدنية والعنف والتهديد والتخويف وتجاهل اعتراضات الطرف الآخر.
الاغتصاب: تعرفه منظمة الصحة العالمية بأنه إدخال القضيب، أو أي جزء من الجسد أو أداة خارجية أخرى، في الفرج أو الشرج، بالإجبار أو الإكراه.
ومع أن هذه المصطلحات الخمسة منفصلة فإنها مرتبطة ببعضها في الأفعال والنتائج، فمثلا قد يتطور التحرش الجنسي الذي يمارسه الشخص ليصل إلى عنف جنسي واغتصاب، وقد يتطور العنف الممارس ضد المرأة بالمنزل (مثلا ضد الأخت) إلى اغتصاب، وجميع هذه السلوكيات ترتبط بكون المرأة طرفا ضعيفا يحاول الطرف الآخر السيطرة عليه واستغلاله جسديا أو جنسيا.
ووفقا لدراسة أجرتها منظمة الصحة بالاشتراك مع كلية لندن لشؤون الصحة والطب الاستوائي ومجلس البحوث الطبية -على أساس بيانات من أكثر من ثمانين بلدا- فإن 35% من النساء على الصعيد العالمي قد تعرضن للعنف الجسدي و/ أو الجنسي على يد شركائهن الحميمين أو للعنف الجنسي على يد غير الشركاء.
ويتعرض تقريبا ثلث إجمالي عدد النساء في العالم (30%) من المرتبطات بعلاقة مع شريك للعنف الجسدي و/ أو الجنسي على يد شركائهن الحميمين، وترتفع نسبتهن إلى أكثر من ذلك بكثير في بعض المناطق.
ووفقا لمنظمة الصحة، فإن للعنف الممارس ضد المرأة بصوره المختلفة جسديا أو جنسيا الآثار الصحية التالية:
ـ عواقب مميتة كالقتل أو الانتحار.
ـ إصابات، إذ تبلغ نسبة 42% من النساء اللواتي يتعرضن لعنف الشريك الحميم عن تعرضهن لإصابة من جراء هذا العنف.
ـ الحمل غير المرغوب فيه.
ـ الإجهاض المحرّض عليه.
ـ مشاكل صحية نسائية.
ـ عدوى الأمراض المنقولة جنسيا، ومنها عدوى فيروس “أتش.آي.في” المسبب لمتلازمة نقص المناعة المكتسب (إيدز). إذ تبين من تحليل أُجرِي عام 2013 أن احتمال إصابة النساء اللاتي يتعرضن لاعتداءات جسدية أو جنسية بعدوى مرض منقول جنسيا وبفيروس الإيدز في بعض المناطق أعلى بمرة ونصف المرة من سواهن من غير المعرضات لعنف الشريك، كما أن احتمال تعرضهن للإجهاض يتضاعف أيضا.
ـ يؤدي العنف الممارس من قبل الشريك المعاشر أثناء فترة الحمل إلى زيادة احتمال وقوع الإجهاض التلقائي والإملاص (وفاة الجنين في الرحم) والوضع قبل تمام فترة الحمل وانخفاض وزن الطفل عند الميلاد.
ـ الاكتئاب، إذ رأت الدراسة السابقة نفسها أن احتمال إصابة المعرضات لعنف الشريك الحميم بالاكتئاب يزداد إلى ضعفين تقريبا، وإلى أكثر من ذلك بين اللائي يتعرضن للعنف الجنسي على يد غير الشركاء.
ـ اضطراب إجهاد ما بعد الصدمة (post traumatic stress disorder).
ـ مشاكل في النوم.
ـ اضطرابات في الأكل.
ـ محن عاطفية.
ـ محاولات انتحار.
ـ يمكن أن تشمل الآثار الصحية أيضا الإصابة بالصداع وآلام في الظهر والبطن واضطرابات في الألياف العضلية والجهاز الهضمي ومحدودية الحركة واعتلال الصحة بشكل عام.
ـ يمكن أن يؤدي العنف الجنسي ولا سيما أثناء الطفولة إلى زيادة احتمال التدخين وإدمان المخدرات والخمر، وانتهاج سلوكيات جنسية خطرة في مرحلة لاحقة من العمر.
ـ توجد علاقة بين التعرّض للعنف الجنسي في الصغر وممارسته (فيما يخص الذكور) أو الوقوع ضحية له (فيما يخص الإناث) عند الكبر.
ـ هناك علاقة بين العنف الممارس من قبل الشريك المعاشر وارتفاع معدلات وفيات الرضّع والأطفال ومعدلات إصابتهم بالأمراض، مثل أمراض الإسهال وحالات سوء التغذية. بحسب موقع “الجزيرة نت”.
العنف الجنسي المرتبط بالنزاعات
نددت الأمم المتحدة بتزايد أعمال العنف الجنسيّ المرتبطة بالنزاعات في 2023، ذاكرة بصورة خاصة في تقرير نشر الجمعة (19 نيسان/أبريل 2024) “اعتداءات جنسية” ارتكبتها القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية و”معلومات مقنعة” عن اغتصاب رهائن إسرائيليين خطفوا خلال هجوم حركة حماس الإرهابي على الدولة العبرية في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وذكر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في تقريره السنوي حول هذه المسألة أنه “في العام 2023، عرّض اندلاع النزاعات وتصاعدها المدنيين إلى مستويات أعلى من أعمال العنف الجنسي المرتبطة بالنزاعات، أججها انتشار الأسلحة وتزايد العسكرة”. ونسب التقرير أعمال العنف الجنسي إلى “مجموعات مسلحة تابعة للدولة أو غير تابعة للدولة” تتصرف في غالب الأحيان “بدون أي عقاب”، مشيرًا إلى استهداف “نساء وفتيات من النازحين واللاجئين والمهاجرين” بصورة خاصة.
ويشير تعبير “العنف الجنسي المرتبط بالنزاعات” إلى أعمال الاغتصاب والاستعباد الجنسي والدعارة القسرية والحمل القسري والإجهاض القسري والتعقيم القسري والتزويج القسري وأي شكل آخر من العنف الجنسي على علاقة مباشرة أو غير مباشرة بنزاع.
وأكد غوتيريش في التقرير الذي يستعرض الوضع في الضفة الغربية والسودان وأفغانستان وإفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية وبورما ومالي وهايتي، أن هذه الأعمال لا تزال “تستخدم كتكتيك حربي وتعذيب وإرهاب وسط تفاقم الأزمات السياسية والأمنية”. والضحايا هم “بغالبيتهم الكبرى” نساء وفتيات، لكنه تم أيضًا استهداف “رجال وفتيان وأشخاص من أجناس اجتماعية مختلفة” وجرت معظم أعمال العنف هذه في مراكز اعتقال.
كيف أحمي طفلي من التحرّش أو الاعتداء الجنسي؟
صدم اللبنانيون منذ أيام بخبر اكتشاف عصابة تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي لاصطياد الأطفال، والاعتداء عليهم، وبيع تسجيلات عن الجريمة على الويب المظلم، وتشتبه القوى الأمنية بأن عصابة الاتجار بالبشر المضبوطة، ارتكبت جرائم عدّة، من بينها الاستدراج، والتخدير، والاغتصاب، والابتزاز، وفيما تستمرّ التحقيقات لكشف المتورطين، أثار الأمر حالة قلق بالغة، مع خشية الأهل من تكرار جرائم مماثلة.
وكان السؤال السائد في الشارع وعلى مواقع التواصل خلال الأيام الماضية، عن كيفية حماية الأطفال من أي محاولات اعتداء أو استدراج، وكيف يمكن للأهل التعرّف على علامات قد تعني تعرّض أطفالهم للمضايقة، سواء على الانترنت، أو على أرض الواقع؟
حملنا السؤال إلى المختصة بالعلاج النفسي ماريا ماغدالينا الخازن للإجابة عن أسئلة حول أبرز مخاوف الأهل، وطرق حماية الأطفال من الأذى.
منذ سنّ الثالثة
تقول الاختصاصية في علم النفس والمعالجة النفسية الدكتورة ماريا ماغدالينا الخازن، إن التوعية أساسية، ويجب أن تبدأ في عمر مبكر جداً، “عندما يبلغ الطفل عمر 3 سنوات، أي عندما يبدأ باكتشاف وظائف جسمه وعندما يبدأ بامتلاك بعض الاستقلال الذاتي، كالدخول إلى الحمام لوحده أو ارتداء ملابسه بنفسه”.
وتقول الخازن إن على الأهل، “اغتنام الفرصة خلال هذه المرحلة لتعريف الطفل على ما تعنيه حرمة الجسم، كيف أن جسده ملكه، ولا أحد يحق له أن يراه أو يلمسه”. كما أنه “لا يمكنه بدوره أن يرى أو يلمس جسد أي أحد”.
وتشدّد أنه يجب تعليم الطفل أن ذلك لا ينطبق على الغرباء فقط، بل حتى على المقربين.
وتنوّه أن كل ذلك يجب أن يحصل بالطبع من خلال محادثات لطيفة، وليس من خلال أي لغة تتضمن التخويف أو التهديد.
وتضيف أن الحديث عن هذه القواعد، “يتوسّع بحسب العمر، ويختار الأهل الكلمات المناسبة للعمر المناسب، ويجب على الأهل إدخال فكرة أنواع اللمسات مع تقدم الطفل في العمر قليلاً، والحديث معه عن اللمسات التي يشعر بأنها غير مريحة”.
الثقة بحدس أطفالنا
تنصح الخازن أن يشجّع الأهل أولادهم على الثقة بحدسهم. “الأطفال حساسون جداً ويمكنهم التفرقة في غالبية الأحيان بين الشخص الذين يرتاحون للتواجد بقربه، وبين الشخص الذي يشعرهم بشعور غير مريح”.
وتشير إلى أنّ ثقة الأهل بطفلهم فوائدَ تسهمُ في تعزيز ثقته بنفسه، واتخاذَ قرارات في حياته.
والجدير بالذكر بأنه يوجد كتب علمية وتطبيقات أو مقاطع فيديو على الإنترنت تعلم الأطفال عن اللمسات المقبولة وتلك غير المقبولة، وعن أمور أخرى متعلقة بحرمة الجسد، يمكن للأهل الاستعانة بها لتوعية أولادهم.
ويمكن إيجاد مقاطع الفيديو التوعوية هذه بحسب الفئة العمرية المستهدفة، فتكون مخصصة لها وسهلة التعلم. إلا أن الخازن تنبّهُ إلى ضرورة التأكّد من مصدر المعلومات وصحّتها، قبل الأخذ بها.
وتشدد على أن بناء الأهل لعلاقة جيدة ومتينة مع أطفالهم منذ الصغر وفي أمور بسيطة و”غير مهمة”، أساسية كي يستطيع الطفل الوثوق بأنه يمكنه إخبار والدته أو والده أو بالغاً آخر يثق به، بأن أمراً مشبوهاً قد حصل معه.
وتشير إلى أن التواصل بين الأهل وأطفالهم يجب أن يكون متواصلاً، ويبدأ حتى من الأمور الصغيرة، التي قد يراها الطفل كبيرة جداً.
وتقول: “في بداية حياة الطفل أو الطفلة، يكون كل أمر يحصل عظيماً ومزعجاً للغاية، حتى ولو كان يعتبره الراشد سخيفاً جداً”.
وتنصح الأهل بألا يستخفوا بمشاكل الطفل الصغيرة، إذ إنها حجر الأساس في علاقتهم معه، وفي ثقته بهم كي يشعر بالأمان.
قبول النقاشات الصعبة
ظروف حياة الأهل الضاغطة والسريعة، قد تمنعهم من التركيز على حاجات الطفل البسيطة، أو تخصيص وقت كافٍ لبناء تواصل معه.
وتقول الدكتورة الخازن في حديثها مع “بي بي سي عربي” إنه لا يمكن إلقاء اللوم على الأهل، خصوصاً مع وجود مسؤوليات كثيرة، لكنها تنصح “الأهل بأن يكونوا موجودين في حياة أولادهم بشكل حقيقي، وتخصيص الوقت الكافي لهم، رغم الضغوط”.
وتقول: “كيف سيثق الطفل بنا لإخبارنا بتعرّضه لموقف مخيف، إن كنا لم نولِه الاهتمام الكافي حين أخبرنا سابقاً بموضوع أقل أهمية؟”.
كما تلفت النظر إلى أن الأهل يعتقدون أنّ الطفل لا يكون واعياً لبعض الأسئلة الجنسيّة، ولكن ذلك قد لا يكون دقيقاً.
تقول بأن مناقشة المواضيع الحساسة والدقيقة مثل المواضيع المتعلقة بالجنسانية، مع الأطفال، قد يكون أمراً غير سهل على الأهل.
وتضيف أنّ “الطفل قد يسأل سؤالاً فضولياً ينمّ عن حاجته إلى اكتشاف جسده أو جسد الآخر، إلّا أنّ الأهل قد تكون ردة فعلهم عنيفة، فيمنعونه عن التفكير وطرح الأسئلة التي تدور في ذهنه، بذريعة أنّ الموضوع لا يتناسب وعمره”.
وتشير إلى ضرورة تفادي ردود الفعل التي قد تشعر الطفل بالرفض أو الخجل، فمنع الطفل عن الحديث بموضوع معيّن، لا يعني أنه سيتوقف عن التفكير فيه.
وتضيف أن “المشكلة في ذلك، هي أنه سيحاول الحصول على أجوبة من مصادر أخرى، قد تكون سيئة، أو ينسج نظريات معينة من خياله تكون غير مطابقة للواقع أو حتى أسوأ منه”.
وتشير أيضاً إلى أنه قد يسأل عن أمر معين لأنه قد تعرض لموقف ما، أو كان شاهداً على أمر ما.
وتشرح أن سؤال الطفل لا يكون صعباً للغاية في غالبية الوقت، فلا داعي للأهل أن يتوتروا من أسئلة أطفالهم، ففي غالبية الوقت، يكون سؤال الطفل محدداً للغاية ولا يريد معرفة جميع التفاصيل.
ولا تقتصر المواضيع الصعبة بالنسبة للأهل على المواضيع المتعلقة بالجنسانية، بل تلك المتعلقة بالموت، ووجود الشر في العالم، والأشخاص الشريرين أيضاً.
كيف يتمّ اصطياد الأطفال؟
تقول الدكتورة الخازن إن غالبية المتحرّشين بالأطفال، يأخذون وقتهم في التخطيط لكسب ثقة الطفل المستهدف، ومحاولة التقرّب منه، وقد يحاولون التقرّب من عائلته أيضاً وهي مرحلة تحضيرية.
وتضيف أنّ المعتدين “أشخاص يعرفون كيف يؤدّون دورَ “الشخصيّة المحبّبة اللطيفة” لأبعاد الشبهات عنهم، كي يكسبوا ثقة الأطفال وذويهم ومحيطهم بحسب الخازن. وربّما يحاولون أن يتم وضعوا كمرجعيّة للطفل، ويعرضون المساعدة على الأطفال.
وتحذر من أن الذين يتحرشون جنسياً بالأطفال قد يخيفونهم أو يهددونهم كي لا يخبروا أحداً بما حدث. ومن الأمور التي يقولونها للطفل الذين اعتدوا عليه هي أن “والديك لن يصدقوك إذا ما اخبرتهم”، أو يهددون الطفل بإيذائه أو إيذاء والديه. وربما يهددونه أيضاً بأنه سيسجن إن علم أحد بما حصل، أو أن أهله سيدخلون السجن.
وتؤكّد الخازن أنّ خوف الطفل من الحديث عما تعرض له لوالديه، يمكّن المجرم من الاستمرار بجريمته، وتعطيه إمكانيّة السيطرة على الطفل نفسياً حتى بعد انتهاء فعل الاعتداء.
هل تظهر على الطفل علامات سلوكية؟
تؤكد الخازن أنه دائماً ما تظهر علامات سلوكية على الطفل بعد تعرضه لتحرش أو اعتداء جنسي. إلا أنها تختلف من طفل إلى آخر.
وتضيف أنه يجب على الأهل ملاحظة “أي تغير في سلوك أو معاملة الطفل”. وتتابع: “يمكن أن ينزوي، أو يقوم بالتواصل المفرط مع الأشخاص وبطريقة جنسية أو أن يقوم بإغراءات جنسية”.
كما يمكن أن يلاحظوا “تغيّراً في مستواه الدراسي، أو تغيّراً في وظائف الجسم، مثل معاناته مع الكوابيس أو التبول اللاإرادي، أو تغير شهيته على الأكل، أو ألماً في البطن، أو حرارة مرتفعة لا سبب لها، أو أن يصبح عصبياً، أو أن يشرد كثيراً أو يبدو حزيناً”.
وتشير إلى أن ذلك يترافق أيضاً مع شعور بالعار والخجل، ولكن لا يكون واضحاً للعلن في مرات عدة.
وتقول الخازن إن هذه العلامات قد لا تكون ناتجة عن عنف جنسي بالضرورة، ولكنها بالتأكيد مؤشر على وجود معاناة نفسية أو ألم نفسي يحتاج لانتباه.
وفي دليلها عن العوارض التي يمكن من خلالها للأهل الانتباه إلى احتمال تعرّض طفلهم لتحرش أو اعتداء جنسي، تشير جمعية “ذا هول تشايلد” الأمريكية، إلى أن إشارة الطفل لأعضاء الجسد بأسماء جديدة، قد يكون أحد المؤشرات على ذلك.
وتضيف: “عدم رغبته في خلع معطفه أو سترته، حتى في يوم حار، أو إصراره على ارتداء ملابس داخلية متعددة”.
فيما تشير جمعية “ستوب ات ناو” الأمريكية أيضاً، إلى محاكاة الطفل للسلوكيات الجنسية الخاصة بالبالغين، باستخدام الألعاب.
ماذا أفعل إذا تعرض طفلي للاعتداء؟
تقول المعالجة ماريا ماغدالينا الخازن، إن العامل الأساسي لمساعدة الطفل بعد تعرضه لحدث مشابه، هو شعوره بأنه محتضن من قبل والديه.
يكون على الأهل التأكيد له “أنه ليس وحيداً وأنهم يصدقونه وأنهم إلى جانبه، وألا يناقشوه بطريقة تشعره باللوم أو الذنب أو الاتهام”.
كذلك يجب تحويل الطفل الناجي أو الطفلة الناجية من الاعتداء إلى معالج نفسي.
وتشير إلى أن الأهل بدورهم سيضطرون للتعامل مشاعر سلبية كثيرة أبرزها الخوف والشعور بالذنب والعجز.
وتضيف أنه يمكن كلّ أفراد العائلة في هذه الحالة، الخضوع لعلاج نفسي مخصص للعائلات، مع أطفالهم الآخرين، حتى لو لم يتعرضوا للتحرش.
وتعتبر الخازن أن الأهل يجب أن يزوروا معالجاً نفسياً للتعامل مع المشاعر الخانقة ولكي لا يلوموا بعضهم البعض لما حصل ولكي لا يلوموا الطفل ضمنياً أيضاً، ولمساعدته لتخطّي ما حصل.
هل يتعافى الطفل من الصدمة؟
تؤكد المعالجة النفسية أن الطفل يستطيع مع العلاج التخلص أولاً من الشعور بالعار الذي يعتبر “أسوأ ما يشعر به بعد تعرضه للصدمة”.
إذ أن ما تعرض له الطفل “يندرج تحت خانة الصدمة أو التروما وهناك الكثير من العلاجات المخصصة لهذه الحالات. فيتم اختيار العلاج المناسب لكل طفل وفق حالته”، بحسب الخازن.
وتضيف: “بالتأكيد يمكنه تخطّي هذه المحنة، ولو عجزنا عن محو ما حصل”، فأهمّ ما في الأمر بحسب الخازن، هو “أن يعلم الناجي أنّ ما حصل معه لا يحدّد قيمته أو هويّته، فالحدث المؤلم الذي واجهه لا يختصر حياته أو كيانه، ولا يحدّد مستقبله ولا يرسم مصيره”. بحسب موقع “بي بي سي”.
تماثيل تسلط الضوء على التحرش الجنسي
لإظهار كيف يترك التحرش الجنسي بصماته، قامت إحدى منظمات حقوق المرأة في ألمانيا بلفت الانتباه إلى تماثيل لنساء عاريات، بأثداء أصبحت أخف بشكل واضح بعد سنوات من لمسها.
“التحرش الجنسي يترك علامة” – تم وضع لافتات بيضاء كبيرة تحمل هذا الشعار في ثلاث مدن ألمانية خلف ثلاثة تماثيل برونزية لنساء عاريات بأثداء أصبحت أخف بشكل واضح نتيجة اللمس المتكرر.
يأتي هذا الإجراء في إطار حملة تسمى “لا تسكت للعنف”، أطلقتها منظمة حقوق المرأة “تير دي فام”. بحسب المنظمة، تتعرض اثنتان من كل ثلاث نساء للتحرش الجنسي في مرحلة ما من حياتهن. وفي بيان صحفي، تقول سينا تونك من “تير دي فام”: “التحرش الجنسي مشكلة يتم
التقليل منها أو تجاهلها في الكثير من الأحيان، ويجب أن نعمل معاً لضمان سماع أصوات الضحايا ومحاسبة الجناة.
تم تركيب لافتات خلف التماثيل الثلاثة، الأول تمثال جولييت في ساحة مارينبلاتتس في ميونخ، والثاني تمثال “الشباب” في هوتغرهوف في بريمن والثالث تمثال “السيدة راين”، وهي جزء من نافورة نبتون في وسط برلين.
ويمكن للمارة في هذه الأماكن الثلاثة استخدام رموز الاستجابة السريعة QR codes للوصول إلى تسجيلات صوتية قصيرة تسمح للتماثيل “بالتحدث”. لكن هذه الملصقات بقيت فقط أثناء عطلة نهاية الأسبوع، “لعدم وجود تصاريح” بحسب المتحدثة عن المنظمة.
وتظهر الصور أن أثداء تماثيل النساء العاريات تتمتع بـ”لمعان أكثر من بقية أجزاء التمثال” وهي نتيجة “للمنطقة التي يتم لمسهن فيه أغلب الأحيان”.
وقالت منظمة “تير دي فام” إن التماثيل الثلاثة “تظهر بوضوح عقودًا من اعتداءات المارة”. ويترك هذا الأمر بصماته – “تمامًا كما هو الحال بالنسبة للمتضررين من العنف الجنسي”.
وتقوم منظمة “تير دي فام” منذ أكثر من 40 عاما، بحملات ضد انتهاكات حقوق الإنسان بحق الفتيات والنساء، وضد التمييز على أساس الجنس، ومن أجل حقوق المرأة. بحسب موقع “DW”.
حرب السودان
يثير ما تتعرض له النساء في السودان من عنف جنسي في ظل الحرب التي تدور رحاها في العاصمة الخرطوم ومناطق في دارفور منذ منتصف أبريل- نيسان الماضي قلق واستهجان المنظمات الدولية والمحلية.
تقول منظمة العفو الدولية إنّ عشرات النساء والفتيات لا تتجاوز أعمار بعضهن 12 عاما تعرضن للعنف الجنسي من الأطراف المتحاربة في السودان بل وأُحتجز بعضهن لعدة ايام وفي ظروف من الاستعباد الجنسي حسبما ورد على موقعها.
من جانبهم دعا خبراء للأمم المتحدة القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع إلى إنهاء انتهاكات القانون الإنساني وحقوق الإنسان معربين عن قلقهم بشأن تقارير تفيد بأن النساء والفتيات قد تعرضن للاختفاء القسري وأعمال ترقى إلى الحد الذي أُجبرن فيه على السخرة والاستغلال الجنسي من جانب قوات الدعم السريع.
أعربت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة وهي منظمة سودانية تعد هيئة مستقلة أُنشئت للتنسيق بين المؤسسات المحلية والمنظمات الدولية حول قضايا المرآة والطفل، أعربت عن أسفها لما تصفه من تنامي حالات الاختفاء القسري للنساء والفتيات وتزايد حالات العنف الجنسي المتصل بالنزاع بمعدل لا يتناسب مع الحالات التي تم الإبلاغ عنها. كما تشير المنظمة ايضا إلى تنامي ظاهرة الاستهداف العرقي للنساء والفتيات ما يعد تزايدًا نوعيًا في جرائم العنف الجنسي المتصل بالنزاع في السودان.
أما منظمة لا لقهر النساء وهي منظمة سودانية مستقلة أيضا فقد حمّلت الحرب الدائرة في البلاد مسؤولية ما تتعرض له النساء من عنف واغتصاب وتدعو إلى القاء السلاح.
الاغتصاب
ورغم تعدد أنواع العنف الذي تتعرض له النساء جراء الحرب في المناطق التي تشهد اقتتالا في السودان إلا أنّ الاغتصاب يأتي في مقدمة تلك الجرائم. وأشارت تقارير لمنظمات دولية منها العفو الدولية وتقارير إعلامية فضلا عن تصريحات لكلٍ من فولكر تورك، مفوّض الأمم المتّحدة السامي لحقوق الإنسان وماثيو ميلر، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، أشارت بأصابع الاتهام لعناصر الدعم السريع بارتكاب تلك الجريمة وخاصة جرائم الاغتصاب من بينها تقرير لي بي سي عربي اورد ثلاث شهادات لنساء اتهمت عناصر الدعم السريع بما تعرضن له من اغتصاب.
الدعم السريع
وكان يوسف عزت المستشار السياسي لقائد قوات الدعم السريع عبّرعن رفض مؤسسته لأي شكل من أشكال العنف الجنسي ضد النساء مؤكدا عدم وصول مؤسسته لمعلومة حقيقية أو خيط يقود لمن ارتكب تلك الجرائم التي تُتهم بها قواته أو أماكن ارتكابها. وأشار عزت إلى وجود محكمة ميدانية في قلب الخرطوم مشكلة من قبل الدعم السريع لمواجهة أي سلوك منفلت من أي عنصر من قواتهم أو من ينتحل شخصيتهم في المنطقة التي تقع تحت سيطرتهم. ودعا عزت المواطنين للإبلاغ عن أي حادثة لتتم محاكمة مرتكبها.
الاغتصاب سلاح قديم جديد
ما يقال عن تعرض النساء في السودان للعنف الجنسي وخاصة الاغتصاب ليس جديدا. فقد شهدت الحرب التي دارت في دارفور منذ عام 2003 جرائم مماثلة ضد النساء. فقد جاء في تقرير لمنظمة العفو الدولية في يوليو – تموز عام 2004 أنّ الحكومة السودانية التي كان يقودها عمر البشير أطلقت أيدي مليشيات بدوية على المجتمعات المستقرة في دارفور تعرض من جرائها المواطنون للقتل والنساء للاغتصاب. واتهم التقرير حينها الجيش السوداني بتقديم الدعم لتك المليشيا التي عُرفت بالجنجويد والتي أصبحت فيما بعد نواة لقوات الدعم السريع. ووفقا للتقرير أجرت المنظمة حينها مقابلات مع عشرات النساء اللائي تعرضن للاغتصاب في تلك الحرب. بحسب موقع “بي بي سي”.
يتسبّب بخلل في الدماغ عند النساء
أظهرت دراسة جديدة أنّ النساء اللواتي تعرّضن لاعتداء جنسي يُواجهن خطر الإصابة بنوع من الخلل الدماغي المرتبط بالتدهور المعرفي، والخرف، والسكتة الدماغية، بنسبة مرتفعة.
وقالت مؤلفة الدراسة، الأستاذة ومديرة مختبرات السلوك البيولوجي الصحي للنساء في كلية الدراسات العليا للصحة العامة بجامعة بيتسبورغ، ربيكا ثورستون، إنه “يمكن أن يكون إما اعتداء جنسي على الأطفال أو اعتداء جنسي على البالغين”، لافتة إلى أن “البيانات السكانية تُفيد بأنّ معظم النساء يتعرّضن للاعتداء الجنسي في مرحلة المراهقة المبكرة وفي بداية سن البلوغ”، ومعتبرة أنّ هذه “تجارب مبكرة نلاحظ آثارها لاحقًا في الحياة”.
وتُعد هذه الدراسة التي عُرضت الخميس في إطار المؤتمر السنوي الذي تنظّمه “جمعية سن اليأس في أمريكا الشمالية” (NAMS)، بمثابة إضافة إلى الأبحاث الأخرى التي تتناول التأثير الطويل الأمد للاعتداء الجنسي على الجسم والذهن.
وأوضحت ثورستون: “علينا تسليط الضوء على مسألة العنف الجنسي الممارس على النساء وإبقائه نصب عيون المجتمع، لأنه ما زال مصدرًا أساسياً للمشاكل الصحية لدى النساء”.
وربطت الدراسات الصدمة الجنسية بارتفاع مستويات الدهون الثلاثية، وضغط الدم عند بلوغ منتصف العمر، وتنامي خطر تصلّب الشرايين السباتية (على جانبي الرقبة) ثلاثة أضعاف، وكلّها تشكّل عوامل خطرة تؤدي إلى الإصابة بأمراض القلب.
وبالإضافة إلى ذلك، بيّنت دراسة أشرفت عليها ثورستون عام 2018، أنّ النساء اللواتي تعرّضن لاعتداء جنسي يعانين من الاكتئاب ثلاثة أضعاف أكثر مقارنة بالنساء اللواتي لم يعشن تجربة مماثلة، ومن القلق الشديد بمعدل ضعفين، ومن اضطراب النوم.
ويتسبّب الاكتئاب، والقلق، والنقص في النوم بمضاعفات صحية سيئة، مثل الإصابة بأمراض القلب، وفقاً للمراكز الأمريكية لمراقبة الأمراض والوقاية منها.
كما أظهرت الإحصاءات الصادرة عن هذه المراكز أن معدّل امرأة من ثلاث نساء في الولايات المتحدة (رجل من أربعة رجال)، اختبرن الاعتداء الجنسي مرة في حياتهم بالحدّ الأدنى.
وبالنظر إلى التأثير الواسع النطاق، قالت ثورستون إن الأطباء يجب أن يسألوا مرضاهم عن أي صدمة جنسية سابقة، ثم يراقبون بعناية مخاطر القلب والأوعية الدموية للمرأة مع تقدم العمر.
وشجعت النساء اللواتي تعرّضن لصدمة جنسية، ليتحدّثن عن تجربتهن ويُحِطنَ أطبائهنّ بالأمر.
وأشارت ثورستون أيضًا إلى “أهمية مشاركة هذه المعلومات مع اختصاصي الرعاية الصحية”، مضيفة أن “هذا ليس خطأكن.. لذا رجاء شاركن ما تشعرن بالراحة للكشف عنه. إنها معلومات مهمة تؤثر على صحتكنّ الجسدية ورفاهيتكن العاطفية”.
وبحثت الدراسة الجديدة، التي ستُنشر قريبًا في مجلة “Brain Imaging and Behavior”، عن علامات فرط كثافة المادة البيضاء في فحوصات الدماغ لـ 145 امرأة في منتصف العمر، ليس لديهن تاريخ سابق لأمراض القلب، والأوعية الدموية، أو السكتة الدماغية، أو الخرف. ومع ذلك، فإن 68٪ من المشاركين قد تعرضن لصدمة، وبالنسبة لـ 23٪ من النساء، كانت تلك الصدمة عبارة عن اعتداء جنسي.
كما رصدت الدراسة أمراضًا أخرى وظروفًا عدة قد تتسبّب بفرط تنامي المادة البيضاء، مثل العمر، وارتفاع ضغط الدم، والتدخين، والسكري، بالإضافة إلى الاضطرابات العاطفية مثل عوارض الاكتئاب، والقلق، والاضطراب ما بعد الصدمة.
وقالت ثورستون: “باستخدام تصوير الدماغ، وجدنا أن النساء اللواتي لديهن تاريخ من الاعتداء الجنسي لديهن فرط كثافة المادة البيضاء في الدماغ، وهو مؤشر على مرض الأوعية الدموية الصغيرة المرتبط بالسكتة الدماغية والخرف والتدهور المعرفي والوفاة”. بحسب موقع “CNN”.