الأضواء /شيماء لطيف القطراني
التضحية كلمة قليلة الحروف، كثيرة المعاني يصعب علينا حصرها في أسطر قليلة، كيف لا وهي سبيل المخلصين، وديدن الطيبين، فيبذل الأفراد أغلى ما يملكونه من أجل هدف يرجعونه ويتمنونة، هان عليهم ماضحوا به وإن كان عظيماً، والحقيقة الساطعة أن هذا خلق لا يشعر به كل الأفراد لأنه عظيم لا يتحلي به إلا عظيم الشأن، رفيع المنزلة، طيب القلب، فالتضحية ليست بالأمر الهين السهل فليس جميع الناس يستطيعون بذل أغلى ما يملكون في سبيل الآخرين، فليس الجميع قادر على التضحية، فهي بذلك صفة تسمو وترتفع عالياً لايصل إليها إلا من طلبها بصدق وجد، وإذا مااطلعنا على واقعنا لوجدنا أن القليل من الناس يتخلق بهذا الخلق، ولو تمعنا في أحوالهم لوجدناهم أصدق الناس، وأطيبهم، وأحبهم وأنفعهم للناس، ولا شك أن صعوبة التخلق بهذا الخلق يجعل منه عملة نادرة على صعيد الأفراد والمجتمع، له تأثير قد يكون أيجابياً وقد يكون سلبياً، وهو بالدرجة الأولى تأثير قوي.
يختلف الناس في تضحياتهم، على اختلاف ما يضحون لأجله فمنهم من يضحي لأجل وطنه، ومنهم من يضحي لأجل أهله وأولاده، ومنهم من يضحي لأجل دينه، ومن أمثلة التضحية أيضاً ذاك المجاهد الذي يحرس وطنه من الأعداء ويضحي بنفسه لأجل أن يظل وطنه حراً شريفاً، وتلك الأم التي تضحي براحتها لخدمة زوجها، وتربية أبنائها، وآخر يصل الليل بالنهار مضحياً براحته لأجل أن يصل هدفه، كلهم في ميزان التضحية سواء.
تنعكس أثار التضحية على الأفراد والمجتمع على حدٍ سواء، فإن تربى الفرد عليها وترعرع في أكنافها فهو بذلك يبني بيده بيتاََ من الإيثار، يؤثر على نفسه كل عزيز، لا يبالي بما يبذله من الوقت أو المال في سبيل ذلك، وتسمو نفسه عالياً متنزهًا بها عن هواها ونوازع الشر التي بداخلها مثل:الطمع والجشع والجبن وهو بذلك يساهم في بناء مجتمعه وتنقيته من الأنانية وحب الذات والكراهية، ولاشك أن المجتمع الذي ينشأ على التضحية هو مجتمع متين قوي بأفراده، يناطح الأمم، ويسعى نحو القمم، يصعب على اعدائه أن يلقى ثغرة تطيح به، فهي بذلك من أهم العناصر البناءة في قيام المجتمعات والأفراد، وما جيل الصحابة عنا ببعيد فقد بذلوا الغالي والنفيس وقدموا أموالهم وأنفسهم فداء وقربانا لربهم حتى سادوا الأمم، واعتلوا القمم.