الجزء الاول : المقدمة
كتب : امجد حميد
كل العلوم التي وصل اليها الانسان و بنى فيها تاريخه كانت – بشكل او باخر- تحمل كياناً ملموساً و مرئياً باستثناء الفلسفة , مما جعلها على مر العصور علماً ساذجاً حتى عند كبار العلماء و المفكرين , بل حتى بين اصحاب العلم نفسه , اذ لا شاهد على ذلك كبرميل ديوجين الذي حارب فلسفة افلاطون . و على الرغم من هذه الفجوات و التفاوتات الا ان هذا العلم اخذ حيزاً فكرياً و ثقافياً منذ بدايته و على مر العصور لدرجة جعل اصحابه مرتبطين بعلوم اخرى , فها هو ارسطو صاحب العلوم الادبية و الطبيعية و الانسانية بجانب ابداعاته الفلسفية , فأصبح بذلك اب العلوم الاساسية من خلال علم الفلسفة . بهذه الصورة لا نريد توضيح غموض علم الفلسفة بقدر ما نريد توضيح كم هو غامض هذا العلم و غير مسبره أغواره عند العامة .
نضيف الى ذلك ان هذا العلم لم يكن ذا هوية معروفة او اهداف و اسس محددة , فكل علم يدلي قبل تأسيسه بأهدافه و شروط بنائه و غاياته الاساسية , الا ان الفلسفة لم تكن الا مزيجاً من المحاولات الذاتية لتشكيل انماط فكرية تكون انعكاساً لذاتها بشيء يمثلها نوعاً ما , و لم ينجح مؤسسين هذا العلم على الثبات و الاتفاق على هذا الشيء كونهم مختلفين من الاساس في التفكير و طريقته ايضاً , ذلك ما جعل من التعقيد و التشابك الداخلي في العلم مدعاة للهجر و الاستخفاف من قبل المجتمعات البشرية عبر العصور , فحتى لو اتفقنا على قضية واحدة تجمع جميع الفلاسفة و هو التعريف الاقرب للفلسفة الذي انشأه الفيلسوف الامريكي جون ديوي “الفلسفة هي طريقة تفكير بأفضل وسيلة شاملة ممكنة” فذلك مستحيل , لان الفلاسفة ناقشوا فكرة التفكير بذاتها و احتاروا في قضيتها ايضاً . لذلك ان هذا التشابك العام و التشتت الذي ينتج او يتم التيقن به هو ما يدفع اغلب افراد هذه البسيطة الى العزوف عن هذا العلم و التقليل من شأنه و عدم الاهتمام به كما يجب . لذا فيجب وضع توضيحات و توصيات في نظري هي أساسية لهذا البحث قبل ان نتكلم عن صلب الموضوع الذي نكتب عنه , و الذي سيكون على شكل حلقات متسلسلة , لأننا لن نستفيد ان كتبنا للمهتمين فقط للفلسفة بشكل عام او للفلسفة الاسلامية بشكل خاص او حتى لفلسفة الصدر بالتحديد , يجب علينا وضع أسس عامة و مجتمعية واعية على ان هذا العلم فيه حاجة ماسة لتناوله خصوصاَ في عصرنا الحالي لفهمه و استخدامه و توجيهه بصورة مشروعة و فعاله اكثر .
من هذا المنطلق علينا تبيين اهم النقاط الاساسية و المفاهيم الوضعية العامة لدى الافراد و المجتمعات عن هذا العلم لأنهم الفئة الاساسية و الاغلبية التي يجب علينا أرشادها و استهدافها في البحث . و اول نقطة يجب توضيحها هو ان الفلسفة كعلم قد يختلف في ماهيته عن باقي العلوم كما اشرنا الذكر , اذ ان العامة لا يملكون او يرون شيئاً يجذبهم اليه خصوصاً حين يرون اصحابه يعيشون حياة غير طبيعية , مضيفين الى ذلك عدم وجود قاعدة او مبدأ او حتى تعريف اساسي لهذا العلم لعل بذلك يستطيع صاحب البقالة و الخباز ان يقتنع بأهميته او حتى موازاة اهميته الى قوت يومه .
في المجمل , بإمكاننا ان نفك عقدة هذا العلم بنقطتين أساسيتين : وضع مفهوم شامل يختصر العلم بصورة اولية و عامة لجميع طبقات و اصناف البشر , تبيين اهمية هذا العلم في حياة كل فرد بشكل عام و بمصيره بشكل خاص . فأما المفهوم الشامل المفروض وجوده فهو ينبني على اسس تتجاوز جميع العقليات البشرية و مستوياتها لكي تنفذ في طيات عقلهم الباطن , و يتحقق هذا الامر في معرفة جوهر العلم اولاً و الكلمات – بمقياس الكمية و الكيفية – التي تختزل هذا الجوهر و تنشره في عقول المتلقين بصورة سلسة ثانياَ . و بالرغم اننا قد بينا اعلاه ان احد العراقيل التي تقف حاجزاً لنفاذ هذا العلم عند العامة هي وحدة المفهوم , الا ان وحدة المفهوم لم تكن مرتبطة بجوهره ابداً , فعدم اتفاق الفلاسفة على شيء حتى تعريفه قد حجب حقيقة ان الشيء المشترك في كل معطيات الفلاسفة –سواء بصورة مباشرة او غير مباشرة – هو الجوهر الفريد الذي نبحث عنه . هذا الجوهر ببساطة هو التفكير , التفكير الذي وجدناه عند ديوي اعلاه مرتبط بالطريقة و الوسيلة و الشمولية , و عند ديكارت بالوجود “انا افكر اذاً انا موجود” و عند سقراط بالمعرفة الذاتية “اعرف نفسك بنفسك” . بهذه الطريقة اكتشفنا ان التفكير هو جوهر الفلسفة و معضلتها و قوتها التي تستمد منه طاقتها لإنتاج كل هذه المعارف و الافكار و النظريات , بقي ان نصنع لها صياغة اولية و شبه بدائية تختزل هذا العلم لكل انسان في العالم باختلاف اطيافه و طبقاته , كذلك يجب ان لا يكون اختزالاً نظرياً بل حتى اختزالاً في الكلمات , لكي يسهل على المتلقي استيعابه و تناوله بدون الاحساس بالثقل منه . و يجدر ادراك حقيقة انني لست فيلسوفاً الى الان كي يحق لي تحديد مفهوم للعالم الا انني املك حق المحاولة و ان كنت على قدر معرفتي و معلوماتي , لذلك فان افضل شكل ملفوظ و مدرك للعامة توصلت اليه يحمل هذا العلم كله على عاتق اربع كلمات فقط “التفكير قبل كل شيء” , بذلك نحقق عبارة مفتاحية تتجاوز جميع حدود عقول البشرية باختلافاتها و تجعلهم يدركون و اياكم ان كل فرد في العالم هو فيلسوف بطبعه , الا من سار بأمره دون تفكير و نادرٌ حصول ذلك , لذا فان الناس بطباعهم فلاسفة لكن الفرق هو ماهية هذا التفكير و تركيبته و أسسه التي ينبني عليه , و الجدير بالذكر ان هذه الحقيقة لهي موجودة و معروفة لكنها لم تكن مدركة من قبل البشر كونهم متعلقين بما يصنع الفارق دائماً , و لو قمنا بالاهتمام بما يعتبر القاسم المشترك فيه لأصبح كل فرد في العالم ذا وعي بدائي و متدرج و مرن ايضاَ , فان ديكارت قد ربط التفكير بالوجود كما ربط سقراط بالمعرفة الذاتية , و في شتى الامرين نرى التفكير هو القاسم المشترك بينهم , و هذا ما نجده حتى في الفلسفة الاسلامية و خصوصاً ابن رشد كما قال في تعريف الفلسفة :
“النّظر في الموجودات واعتبارها من جهة دلالتها على الصانع. أعني من جهة ما هي مصنوعات فإنَّ الموجودات إنَّما تدل على الصانع لمعرفة صنعتها .” (فصل المقال-ابن رشد)
فهذا التطلع اللاهوتي الذي سعى له ابن رشد هو احد النماذج الدينية و الاسلاموية التي تعتبر التفكر الوسيلة الاساسية للوصول الى الله لكن ضمن أطر محددة يحددها الدين و الاله بنظرهم . بعد فك عقدة الشق الاول من معضلة هذا العلم يتبقى الشق الثاني محتاجاً الى حل جذري ايضاً , و هذا الشق يتمثل بأهمية هذا العلم و محوريته في حياة الانسان , اذ يتضمن اهمية هذا العلم لحياة الفرد و اهم الاهداف و القضايا التي يتناولها بشكل اساسي . و لا يمكننا تحقيق هذه الغاية بدون تسليط الضوء على اهم الغايات و الاهداف التي سعى اليها رواد هذا العلم لمناقشتها و ربطها فيه , اذ ان هذه الغايات تظهر – وان لم يكن جميعها معاً – في كل نتاج فلسفي عبر التاريخ بصورة مباشرة و غير مباشرة . تتخلص الغايات الفلسفية بمجملها على جوانب جوهرية ثلاث : الجانب الأبستمولوجي (نظرية المعرفة) و الجانب السيسيولوجي (المجتمع) و الجانب السياسي , و الجميل في الامر ان من القلائل علينا ان نجد نتاج فلسفي قائم على تناول و مناقشة هذه الجوانب بشكل مباشر او غير مباشر , و احد هذه الكتب هو ما نحاول تحليله نقدياً الان و في المقالات القادمة .
ان هذه الجوانب المحورية الثلاث لا تظهر للعيان كمية اهتماماتها لكل افراد هذه الارض , بل تختبئ دوماً داخل عبارات فلسفية معقدة و مركبة تزيد من غموضها و تتبين انها مبهمة و ليست متاحة للفهم على الجميع , و هذا الهدف قد تم استغلاله دينياً حين يتم تقنين و وضع نظريات فلسفية تفرض على المقابل الايمان بها و تقديسها كون ان منبعها ديني , خصوصاً حين يتم تحويل محاولة التطور الفلسفي الى جبهة يستعرض فيها الطرفين ادواته النظرية لكي يحافظ على اتباعه و يكسب امثالهم قدر المستطاع . يتوجب بذلك عدم تعاطي هذا البحث بدون تبسيط و توضيح الجوانب المحورية الثلاث على المتلقي امام النص لكي يعرف مدى اهمية هذا العلم في حياته .
يمثل الجانب الاول من علم الفلسفة بالجانب المعرفي الأبستمولوجي , اذ ان المسعى الاساسي و الدائم عند الفيلسوف و نتاجه هو ما سيعطيه من المعرفة او ما سيغيره من طريقة تناولها و اكتسابها . لذا فان كل فيلسوف من عصر سقراط و ارسطو الى الان يسعون قدر المستطاع لتطوير ما يسمى نظرية المعرفة . ما استنتجه الفلاسفة بعد عصور من الدراسة و التنظير بان المعرفة لا يمكن ان تكتسب او تتحقق بدون وجود منهجية محددة لكسبها , و تكون ضمن سلسلة من الحقائق و المعارف التي تصل تدريجياً الى معارف و حقائق اكبر منها . و لا نحاول استصغار عقل القارئ في مثالنا القادم الا اننا نحاول تبسيط مهمة و اهمية وجود الفلسفة و الفيلسوف في العالم , و ابسط مثال هو المنهجية الاكاديمية التي يمر بها اي طالب ليأخذ شهادة تخرج بعدها , فنحن نعرف ان كل دولة لها منظومة تعليمية مختلفة عن الدول الاخرى , الا ان ما يجمعهم هو ان المعطيات نفسها تقريباً لكن ترتيبها الزمني هو المختلف , بل ان حتى المعطيات المعرفية قد تختلف بين دولة و اخرى و زمن و اخر كون ان الاسس و الاكتشافات تتغير و تتطور , هكذا يتضح للقارئ ان منشأ الفلسفة معتمد نظرياً على تشكيل منظومة معرفية متكاملة تساعد افراد العالم على كسب المعرفة بصورة تدريجية و ما نسميه اختصاراً بـ(نظرية المعرفة) . و كثير من المطلعين و العامة ليرى ان المعرفة لا تحتاج لكل هذا التكبير و التهويل لتكون لنا نظرية محددة لأجله , لكن في الحقيقة ان التشكيل الفكري للمجتمعات و الثقافات هي ما تثبت حتمية وجود نظرية معرفة لا يجب ان يتجاوزها الافراد و ان تعددت اطرها , لان المعرفة المجتمعية بالذات لا يمكن ادلجتها و السيطرة عليها بدون نظرية معرفية و معطيات تُفرض على المقابل مهما علت ثقافة هذا المجتمع , فحتى المجتمع الشيوعي و علماؤه قد سقطوا في شباك نظرية المعرفة حين لم تكن المعطيات الشيوعية تتقبل سقوط نظرية لامارك و ليسنكو (توارث الصفات المكتسبة) على يد العالم وايزمان سنة 1883 لمجرد انها تخدم و تدعم نفس المنهجية السوفييتية التي ينادون بها العالم , بل ان هذا البحث المقدم اليكم ما كان ليوجد لولا ان الجانب الاسلامي أحس بتهديد فكري من الجانب الشيوعي و أفكاره , فوضع هذا الكتاب من قبل محمد باقر الصدر الذي اعلن فيه من عنوانه ان الهدف الاول و الاخير لهذا الكتاب هو المادية الديالكتيكية الماركسية .(يراجع “اصول البحث العلمي و مناهجه” للدكتور احمد بدر)
يعتبر الجانب الثاني و هو الجانب الاجتماعي اهم الجذور و الاهداف التي تبنتها الفلسفة للاهتمام بها قبل وجود علم الاجتماع بذاته , فقام الفلاسفة بتحليل الفرد و المجتمع و محاولة وضع اسس لتشكيله و بنائه , او حتى الاكتفاء بتبيين ماهية الفرد و المجتمع مهما كانت هذه الماهية سلبية و سوداوية , و اكبر مثال على ذلك هو الفلسفة العبثية التي أسسها الفيلسوف و الروائي ألبير كامو في روايته “الغريب” و الكاتب المسرحي صامويل بيكيت في مسرحيته “في انتظار غودو” , فلم تكن هناك اي غاية او فضيلة تنادي بها هذه الفلسفة بقدر اثبات و تأكيد ان الحياة و ما فيها لا قيمة له و لا معنى , لذا فان الانسان و حياته عبارة عن قضايا عبثية لا معنى لها فيترتب على ذلك ان كل فعاليات المجتمع هي ايضاً عبثية . هذه الاستنتاجات و النظريات الفلسفية بالمجمل لم يتم بناؤها لتهدف او تمثل اراء شخصية او محاولات فكرية ذاتية بقدر ما تكونت لأجل المجتمع و تشكيله و تحليله على وفق النظرية بذاتها , لذلك فان كل العلوم قد تلامس الفرد و المجتمع لكن لم يكن هناك علم قد كان قريباً و ملامساً للفرد و المجتمع – حتى انشاء علم الاجتماع على يد اوغست كونت في القرن التاسع عشر – مثل الفلسفة , و المفارقة ان اكثر العلوم محاولة للتقرب الى المجتمعات كانت المجتمعات تبتعد عنها دوماً , اذ ان الذي كان يدفعها للابتعاد هو مسألة التعقيدات الفلسفية سواء باللفظ او المفهوم . و لا يوجد حل جذري لهذه المسألة للأسف لان المعطيات الفكرية كلما ازدادت مصادرها و جذورها و موادها ازداد تعقيدها , و على الفرد ان يتناول و يستوعب جميع هذه المعطيات حتى يستطيع ان يفهم المسألة الفلسفية , لكن هناك مسائل مساعدة تفيد اي فرد من المجتمع حين يريد تلقي اي نوع من انواع الفلسفة , و سنتطرق الى وسيلتين احداهما شاملة و الاخرى حداثوية و عصرية . تتمثل الوسيلة الشاملة في تحديد الاهداف العامة و الغاية الاساسية و اسباب انبثاق النظرية الفلسفية او المدرسة الفلسفية التي يحاول اي فرد من المجتمع تعاطيها او تبنيها لتكون منهاجاً لحياته , فمهما بلغت تعقيدات النظريات الفلسفية فأنها لا تنفك عن امتلاك هذه الامور الثلاث , و ان السبب الحقيقي لجعل المجتمعات بعيده عن النظم الفلسفية و فهمها هو عدم اظهار هذه الامور حتى من قبل المنادين بالنظرية الفلسفية او المطبقين لها حتى يتمكنون من النفاذ عبر الترابط الاجتماعي و السيطرة عليه , فمهما كانت الفلسفة الشيوعية و فلسفة الصدر الاسلامية معبرتان و هادفتان لأجل غاية سامية فالأثنان تم احياؤهم على قلة ادراك و فهم المجتمع و خصوصاً من يتبعهم لها , و ذلك لان الفرد قد رأى ضالته فيها بدون الحاجة للنقاش و التفكر و التحليل للاختيار , هذا ما يجعل اهمية الفلسفة و النظرية الفلسفية قبل تعاطيها سواء من قبل فرد او مجتمع مسألة ضرورية و حتمية , و الا لتم تبنيها من دون وعي كافي بها و يدخل المجتمع من خلالها الى ثقب الايديولوجية . الوسيلة الحداثوية الثانية هي استغلال وسائل التواصل الاجتماعية الحديثة قدر المستطاع و خصوصاً من قبل الدارسين و الفاهمين و المهتمين لهذا العلم لشرح و نشر و تبسيط النظريات الفلسفية للجميع كي يتسنى لهم تناولها و تعاطيها بصورة افضل من الكتب التي تحملها , و هذا الامر اصبح واضحاً كون اننا في هذا العصر لم نرى في هذا العصر – و قد لا نرى ابداً – وجود فلسفة او نظرية تحمل بعداً فلسفياً تسيطر بشكل عالمي و شامل على افراد هذا العالم , كون ان النقد و التحليل و الكشف و التنظير اصبح متاحاً للجميع و بوقت زمني قصير جداً .
يمثل الجانب الثالث و هو ما سيحصل على الجزء الاكبر من هذا البحث اهمية كبيرة في علم الفلسفة , بل ان لا علم قبله قد اهتم به غيره , انه الجانب السياسي . يعتبر الجانب السياسي هو حصيلة الجانبين السابقين من الاساس لان بدونهما لا يمكن التنظير للأول , اذ ان مسعى الفلاسفة الاولي هو كيفية انشاء منظومة سياسية صارمة مبنية على اسس فلسفية محددة لبقاء المجتمع في حالة استقرار و امن تام , و اول الانتاجات الفلسفية التي تثبت كلامنا هو كتاب “الجمهورية” للفيلسوف افلاطون الذي يعتبر اول الواضعين لأسس حكومية وفق قوانين و نظريات فلسفية بحته , ما صنع بذلك سلسلة من المحاولات تمتد الى يومنا هذا و منها ما زال قائماً كالفلسفة الماركسية مثلاً , الا ان الجدير بالذكر هو ان ليست كل النظريات الفلسفية كان هدفها سياسي لكن اغلبها كانت تحمل هذا الغرض , بل ان بعضها كما نوهنا قد تم انشاؤه لأجل مواجهة نوع فلسفي سياسي مثل الكتاب الذي نتناول دراسته حالياً , ذلك ما يجعل الامر شبه مفروض على الشخص الذي يريد ان يتناول الامور السياسية بان يفهم و يطلع على النظريات الفلسفية , فاغلب المنظومات السياسية العالمية التي نراها اليوم قد تأسست و رسخت ادلجتها بناءً على نظريات فلسفية قد زُرعت بشكل لاواعي في عقول افراد المجتمع , و كل ما يعوزها هو زيادة توضيحها و مقارنتها مع النظريات التي سبقتها كي يتم من خلال ذلك زيادة الوعي المجتمعي و ادراكه لكل منظومة سياسية و طبيعة فلسفتها التي تتبعها لحكمه .
و خلاصة الامر ان البحث الذي بين ايديكم الان هو ليس فقط للمهتمين بالفلسفة او بالفلسفة الاسلامية و الماركسية , بل هو يستهدف كل فرد في هذا العالم لجعله مدركاً اهمية هذا العلم و مدى ارتباطه في حياته و مدى اهميته لدراسته و فهمه بشكل جلي , لذا سنحاول جاهدين ان نجعل كل موضوع يتم تحليله و نقده في هذا البحث مبسطاً كي ينفذ الى جميع مستويات و عقول المتلقين , راجين بذلك ايمانهم اللاحق و ادراكهم اهمية هذا العلم و مدى حساسيته على حياتهم و اوليته لتناوله ولو بجزء بسيط من حياة الفرد و المجتمع .