كتب / محسن محمد تقي العراقي – العراق
حين تشتعل الروح بنيران مأساتها وينفلق الرأس حتى تذوب مخلفاته على ذرات الاديم . ففي السجن كان جسدي مثل تمثال ثلجي في ذاك الشتاء من العام 2010 تجمدت ساقاي. البرد ينسل من اناملي مداهما الحشايا صعودا حتى شغاف القلب , التعب والبرد عدوان قاتلان يخترقان طبقة الجلد يتسللان بصمت ينفثان حبرا كالذي يطلقه اخطبوط هلامي ناشرا العتمة في الروح. كذلك كانت عتمة السجن, تتركب من طبقات لاترى فيها غير ما يسبح في مستنقع الرأس من ذكريات تنتفض كبرق خاطف. عمري جاوز الثلاثين عاما ولم احسب اني سأتكور مثل دودة في سجن معتم . نعم ساخرج ذات يوم , لكني ساخرج كهلا يجرجر جسدا ليس سوى بقايا اشلاء . هذا ان ابتسم القدر وخرجنا ! أيعقل ان اموت منسيا هنا بجرم لم اقترفه؟ .بحّ صوتي حد الاختناق فلا احد يريد ان يصدق برائتي مع يقيني وقسمي وصراخي المسعور ودموعي. لم اقتل عصفورا قط فكيف افعل ما يزعمون؟ . في العتمة صوت مخيف لامفر منه دون ان تخلق اشباحا من يأسك, تشاطرك الصمت والتلاشي علهما يخففان عنك الخناق , كنت محاطا بقضبان كساها الصدأ . صرير ابوابها يوخز الاسماع يشبه زحف العقارب على البطن والصدر حتى العنق . خلا عام كامل من الترنح اهرب من نفسي الى نفسي احاور الجدار.. تنفست سبابتي بعض الضوء فالتصق ضلها على حائط رطب . ولا مناص.., فسبابتي هذه شخصي الاخر احاوره كي لا اقع فريسة الجنون . اي دليل ذاك الذي يجب ان اقدمه للقاضي فالذين اوشكت على فضح فسادهم دبروا مكيدة محكمة للاطاحة بي كيف اقتل امرآة واسرق مالها؟ لبئس مايدعون. بحثت في طيات الماضي القريب عن دليل يثبت برائتي . نصحتني امي ذات يوم ان اتجنب الاشرار وكيف للمرء ان يتجنبهم وقد تكاثروا كالديدان في غفلة من الزمن .أه…. جسدي المهروس يتمرغ في هذا الجوف الصامت رأسي لم يعد كما هو فالخريطة تبدلت وما عاد فيها اثر للخلاص ..القى الحارس قطعة خبز كما يلقيها لكلب قائلا: ستعرض غدا امام القاضي فأستعد لملاقاة القصاص… كلمات تقيأها على وجهي . اه القصاص نعم تذكرت: ( ولكم في القصاص حياة يا اولي الالباب) رباه اي قصاص هذا الذي يتوعدني هذا السجان النكد؟ لم احسب يوما ان يستشري الشر بهذا القدر ولايبقى من الخير الا بصيص امل. اختلفت موازين الكون وتلوثت الحياة . أيعقل ان يسرق الشر الخير فتتشوه القيم فتنتشر الرذائل كالمرض. حسد ,كراهية خيانة, قتل ,ضياع, يغذيه مال فاسد. كيف يستحيل الحق باطلا والصلاح فسادا. عفوك يارب ها انا بين يدي رحمتك ااستحق كل هذا العنت وبيني وبينك فضاء من الوجد والاخلاص ,اخلاص طفل هفا اليك ببراءة الاتقياء وفي قلبه وهج من عفوك. خلا عام والليالي الموحشة تطحنني .سبابتي وانامل اخريات يتراقصن على جدار مغلف بالسواد دبيب الانامل يروي للجدار قصة وطن تناهبته ذئاب مسعورة ذات صباح كالح . ماعادت الارض تنبت زرعا بل تخرج من باطنها كائنات مجهرية تستحيل غيلانا تحجب بكتلها العظيمة بهاء الشمس . مالذي اصاب عقلي؟. يارب رحماك . ذات صحوة تسائلت: هل لازلت على قيد السجن والظلمة؟ اصطكاك اسناني اشعل في عقلي وهجا فرتلت : (الرحمن على العرش استوى) ….. نعم يارب انت على العرش تراني وتسمع هذياني. قرّع ضمير القاضي اوخز قلبه بسكاكين غضبك عله يستشعر ألمي فيتلمس برائتي.هههههههه دليل برائتي؟ ضحكت من نفسي على نفسي . القاضي منوم بتاثير قوانين فرضت سطوتها استنادا للمال الفاسد وشهادة أمعاة اتخم السحت بطونهم. يارب اسحق قلبه بالشك, الم تقل: (اني معكما اسمع وارى) هل حقا تسمع مايقال في محكمة هذا الرجل الذي وضع نفسه فارقا بين الحق والباطل؟ وهل ترى عبدك القابع في هذا القبر المظلم وهو يتلظى بسياط النسيان؟ اين عدالتك التي وعدت بها عبادك؟ .اين انت مما يجري ؟..اه من هذا الراس المصدوع من هذا الضياع والتلاشي . ايقظني الحارس تحت وطأة اصطكاك القضبان الواخز ورنين معدنها المر ترنحت بين يديه اقتادني الى قاعة المحكمة تتراخي ساقاي جسدي يهتز كغصن ما عاد يشتهي ربيعا بعدما احال الشتاء ليونته يباسا نخرته الديدان . من النوافذ الصغيرة ينسدل ضوء النهار .ما اجمل الشمس اذ تلامس وجهي بسيل بركاتها. في القاعة صدى برونزي وخلف المنصة التصقت على الجدار صورة تمثل مأساة زمن غابر امطر الزمن حوافها بوابل من الصدأ , جاورت صورة لقبان عدالة مائل الكفين خلاف كل الذين استقامت صورهم كلما نظرت اليهم !. نظرات الحاضرين سهام تخرق قلبي .القاضي ومعاونيه يتراصفون كجلاد يتلذذ منتظرا ساعة الصفر كي يطيح برأسي الذي تخدر . تسلل الشلل الى اطرافي داهمني الخواء. عاجلتني رغبة بالنظر الى الاعلى زافرا ثقل جبال تربعت على صدري . سقف القاعة شاهق خلته يجذبني يقتلعني من منبتي الى الاعلى وعلى اثر جلبة الحاضرين هويت على ارضية مدججة بالمسامير. للقاضي سحنة غريبة وجه ابيض وانف مستدق عيناه حادتان يملؤهما الشك . شك ارتفعت وتيرته كلما سدد النظر نحوي . لم يكن القاضي سوى اداة تتحكم بها قرارات النص الذي يبريء او يجرم استنادا لأحكام جاهزة دقيقة المقاس تناسب الجرم مشفوعة برقم مادة قانونية ! . ادلة تتبدل وشهادات زور في عصر الزور عصر الخديعة عصر الاقنعة . فجأة اكتسى وجه القاضي شحوب غريب اخترقتني سهام عينيه القلقتين قرأ خوفي واهتزاز جسدي فالموت يبعد عني مسافة قرار وبعد مداولات اطلق القاضي حبل مشنقته لتحيط برقبتي تكالبت علي وحوش الارض . رفعت الجلسة ورفعت اقلامها وجفت كل عبثياتها .وحالما نهض القاضي سار بضع خطوات فأذا به يهوي صريعا بعدما داهمته نوبة قلبية مميتة ليقضي الله امرا كان مفعولا.