الأضواء / كتب: أ. علي هترو حويزاوي ـ العراق
الدراما والأعمال الدرامية تعالج واقع المجتمع الذي ينتمي إليه العمل، وكلما كانت قريبة منه كانت أكثر تأثيرا، وأكثر فاعلية،فهي الأداة الخطابية التي تصل الی المتلقي وهو جالس في بيته، وكلما غاصت في تفاصيل الإنسان وناقشت همومه ومعاناته كانت أصدق وأجمل، وكلما أبحرت في طيات المجتمع وتوقفت عند آيدلوجياته وثقافاته وموروثه وحضارته، كانت أقرب للمتلقي، وهي هكذا في مواطن كثيرة، ففي مصر مثلًا وهم الأغزر انتاجًا، لم يتركوا فرصة الاّ وعبروا بها عن فكرهم وثقافتهم وسلوكهم ومعتقداتهم، فكلنا يعرف علاقة المصريين الفطرية بأهل البيت .ولاسيما الحسين (عليه السلام) وعلاقتهم بالسيدة زينب والسيدة نفيسة، وهذه المعرفة جاءت من تمثيلها في الدراما والسينما والمسرح وحضورها الدائم، فلا يكاد يخلو مسلسل اجتماعي من ذكرهم أو الإشارة إليهم ؛بل وتعدی الأمر الی ذكر مراقد المتصوفة وطرقهم، والأمثلة كثيرة جدا ولسنا بصدد ذكرها هنا.
أما الدراما العراقية ومنذ نشأتها تكاد تخلو من التمظهرات العقدية أو الاجتماعية التي لها علاقة وثيقة بالعراقيين وحبهم لأهل البيت عليهم السلام.
فتخيل عزيزي القارئ ، العراق بلد بأغلبية شيعية ، بلد يضم ستة أئمة معصومين وعددا كبيرا من أولاد الأئمة والصحابة والتابعين، ومراقدهم ظواهر عمرانية واجتماعية ونفسية تلقي بظلالها علی المجتمع العراقي وتميزه!!
ومع ذلك لم نشهد ذكر هذه المراقد أو نشهد حضورها المكاني في الأعمال الدرامية، ولم نشهد عملا يحمل ثيمة معينة خاصة بالشيعة ومحبي أهل البيت عموما!!
مع أنه موضوع زاخر وثري جدا، ويمكن أن تخرج منه أعمال لا عد لها ولاحصر!!
السياسات والحكومات في بلد معين تتحكم بالواقع الفني وتسيّره كما تشاء وبما يخدم مصالحها الخاصة، وفي العراق دأبت السياسات الحاكمة علی حرمان الشيعة من الحضور الطبيعي، والتمثيل الثقافي الطبيعي في الأعمال الفنية،فهُمِّشوا وحوصروا مع أنهم مصدر لكل القيم الإنسانية السامية!!
مع أن هذه المراقد المقدسة لها حكايات وروايات وقصص متنوعة مع العراقيين أو مع الزائرين من كل مكان!
لقد كنا نفرح كثيرا حين يُشار الی مرقد معين، إشارة سريعة عابرة، أو إلماحًا خاطفًا،وأحيانا نستمتع بالتأويل، ونفترض أن المقصود هو كذا وكذا!! كل هذا ونحن أغلبية ونحن أصل البلد ، ونحن البنك الزاخر بالشعر والروايات والقصص وشتی فنون الأدب ،وسائر العلوم!
تخيل عزيزي القارئ: في بغداد مرقدان لإمامين معصومين، الحضرة الكاظمية المقدسة التي تضج بالزوار والوافدين وبالطقوس الروحية السامية، ومع ذلك لم نشهد لها حضورا في الدراما العراقية،ولاسيما تلك التي تتحدث عن بغداد!
وقد بيّن لنا الكاتب المبدع (أحمد هاتف ) في حوار سابق ما حصل في مسلسل (الوحاش) وهومسلسل من تأليفه وإخراجه، سنة( 2000م ) ، إذ تم منع طاقم العمل من تصوير مشهد دعاء البطل(حكيم جاسم) في داخل الحضرة الكاظمية، مما اضطره للتصوير من داخل مستشفی الكاظمية وإظهار القباب من بعيد!!
وحتی بعد سقوط الطاغية لم يُفَعَّل الفن كما يجب ، ولم تُستثمر الفرصة في إنصاف الشيعة ثقافيا وإبراز هويتهم والتي هي هوية البلد برمته ، باستثناء بعض الأعمال اليسيرة.
وصولا الی هذه الفترة التي تشهد انقلابات في المفهومات وتشهد التضليل الإعلامي والتزييف،والذي ينبئ عن مستقبل أكثر مرارة من الحقبة الماضية ، من تأسيس الدولة العراقية الی سقوط الصنم.
فأدعو كل صاحب قلم فني أن يكتب ويوثق ويفخر ويزهو بانتمائه وبيئته وأهله وثقافته، فنحن أبناء علي، البطل الأوحد علی مر العصور، ودراهم الإمارات وقطر وبزازهم وجوائزهم إنما هي رماد زائل، فاتقوا الله في ما تكتبون وفي ما تخرجون وتمثلون.