كتب : علاء الخطيب – العراق
لقد كتب سقوط عادل عبدالمهدي نهاية الاسلام السياسي في العراق، بعد تجربة مريرة وفاشلة في ممارسة الحكم. لقد اتسمت حقبة حكم الاسلاميين في العراق بالفساد والضعف وغياب القانون وانهيار الدولة وضياع هيبتها. ربما سيعترض عليَّ البعض بحصر تجربة الحكم في العراق بالاسلاميين، في حين ان هناك الكُرد والعلمانيين والمدنيين. غالباً ما يكون هذا الاعتراض وجيهاً، لكنه في الجانب الاخر كان هناك وضوحاً تاماً لملامح الاسلام السياسي على المشهد السياسي العام منذ 2003 الى الان، فقد مثلت السلطة التنفيذية واجهة الحكم والتي انتمت بكاملها لاحزاب الاسلام السياسي اذا ما استثنينا فترة حكم السيد أياد علاوي.
لقد وقع الاسلاميون بفخ الأميركان حينما وضعوهم في الواجهة وحشروهم في مأزق السلطة، وجعلوهم يقبلون بكل ما فرض عليهم بدأً من كتابة الدستور المفخخ، مروراً بالمحاصصة والمكونات الى التوازن الاستراتيجي في المؤسسات والجيش والقوى الأمنية وتوزيع السلطة والسيادة، نتيجة قلة الخبرة وطمعاً في الحكم وبريق السلطة.
لقد قدم الاسلاميون أسوأ نموذج للحكم في العراق، اذ اتسم بغياب الهوية العراقية، وتفتيت الوحدة الوطنية وتقاسم السلطة كغنائم بين الطوائف والمذاهب والقوميات، مما جعل التغالب والتناحر بين شرائح الشعب العراقي على أشده، ونتج عن ذلك اعتماد المكونات الاجتماعية على الدول الأجنبية بحجة حماية المذهب أو الطائفة او القومية.
لقد أضاع الاسلاميون تاريخاً ناصعاً وتضحيات جسام وتعاطفاً شعبياً كبيراً، كما أضاعوا هيبة الدين ورجاله ودنسوا المقدس.
وأساؤوا للرموز الكبيرة التي قارعت الدكتاتورية كالشهيد محمد باقر الصدر ومحمد باقر الحكيم وغيرهم. لقد هزموا هزيمة كبيرة وسريعة، جلبت ارتدادات سلبية على الواقع الديني برمته.
وكانت لهذه الهزيمة اسبابها وأهمها:
* عدم وجود مشروع دولة في أدبياتهم الحزبية، لذا لم يعدُّوا كادراً إدارياً وسياسياً وثقافياً لبناء الدولة، ولم يكونوا مستعدين لمرحلة استلام السلطة، وكان التخبط واضحاً.
* الازدواجية والتناقض بين المبدأ الروحي والسلوك المادي، مما أفقدهم المصداقية والتأثير في قواعدهم الجماهيرية.
* الاعتماد على التحشيد المذهبي في الوصول الى السلطة، ثم التنكر والتنصل لكل وعودهم.
* انعدام المنجزات المادية كالمشاريع الاستراتيجية الكبرى أو الاهتمام بالتعليم والصحة، رافق ذلك فشل ذريع في تقديم الخدمات كالكهرباء والمياه الصالحة للشرب وغيرها.
* الاعتماد على النماذج السيئة في إدارة الدولة على اساس الولاء لا الكفاءة.
* الانبطاح الكامل للأكراد الذين حققوا مكاسب كبيرة ومرّروا قرارات خطيرة كنسبة الميزانية، والحدود والمطارات وتقاسم السفارات والمناصب السيادية، وبقاء جيش البيشمرگة الخارج عن سيطرة الدولة، وكل ذلك كان بسبب هذا الانبطاح،
* عدم التخلي عن جنسياتهم الأجنبية وعدم جلب عوائلهم الى العراق جعلهم دوما في موقف ضعيف امام شركائهم. فقد عملوا وكأنهم موظفون بعقود عمل في دولة اجنبية، فالكثير منهم قد عادوا الى بلدانهم الثانوية بعد الانتهاء من ممارسة منصبه. بينما لم نرى اي من الاكراد او غيرهم من القيام بهذه الخطوة.
* عدم المعرفة بالتعاطي الاعلامي، وعدم وجود كادر اعلامي حرفي يتقن التعامل مع المصطلحات، بالاضافة الى تقديم الاستشارات الاعلامية للقيادات السياسية، فقد وقعوا في اخطاء كارثية نتيجة عدم المعرفة وقلة الخبرة السياسية سببت لهم مشاكل كبيرة داخلياً واقليمياً.
* عدم التمييز بين الاصدقاء والاعداء بين التحالف والعمالة، فقد تعاملوا مع نماذج هدموا الدولة من الداخل وكانت مهمتهم إفشالهم، دون ان يشعروا احياناً وأحياناً اخرى بسبب عدم قدرتهم على التصدي لانهم غرقوا في الفساد الى الاذقان.
* استفزوا الشارع العراقي بالاعتماد على ايران وإطلاق يدها بشكل واسع، فبات من الطبيعي ان تجد صوراً كبيرة للزعماء الايرانيين في مداخل بعض المدن، او تجد تلك الصور في مكاتبهم الخاصة، مما سهَّلَ على خصومهم عناء اتهامهم بالعمالة.
* التناحر والتقاطع فيما بينهم من اجل المصالح وضيق الأفق، وعدم وجود الهدف في إنجاح التجربة.
* المبالغة في التخويف من البعثيين، مما جعل الاجيال التي لم تعاصر الحكم الدكتاتوري يبحثون للتعرف عليه والمقارنة بينهم وبينه، خصوصاً مع عدم وجود منجزات وبدائل إيجابية فهذه كانت نقطة مهمة تم استغلالها من قبل خصومهم للايقاع بهم بسهولة، وهذا ما حصل.
ان سقوط السيد عادل عبدالمهدي هو الحلقة الاخيرة من حكم الاسلاميين للعراق، ولن يستطيعوا ان يرمموا العلاقة بينهم وبين قواعدهم الشعبية، فقد حصل الطلاق البائن بين الاثنين، وكما يقول المثل الشعبي العراقي “اذا كان شاهدك من بيتك…. قتلك حلال” أي اذا شهدت عليك عائلتك بارتكاب الجريمة فقتلك سيكون مباحاً. وقد شهدت مدن الجنوب والوسط على فشلهم، فلا مجال سوى الرحيل.