بقلم: عيسى اسماعيل ـ سوريا
الرواية الثانية عشر للروائي عبد الغني ملوك صدرت قبل أسابيع بعنوان “من الحلم إلى الخراب” ولعل الدخول إلى عالم هذه الرواية الغني يقتضي بداية التعريف بهذا العنوان ومدلولاته .
فالحلم هو على الصعيد الشعبي العام حلم السوريين بمستقبل زاهر كانوا قد بدأوا يعيشونه في العقد الأول من هذا القرن أما على المستوى الرسمي والشخصي فهو (حلم حمص)الذي خطط له وصار جاهزاً للبدء بتنفيذه لولا المؤامرة الكونية على سورية محافظ حمص الأسبق “محمد إياد غزال”.
أما الخراب فهو الدمار والقتل الذي أصاب سورية نتيجة لمؤامرة كونية خطط لها الصهاينة والأمريكان والغرب بشكل عام معتمدين على الخونة والأغبياء والجهلة وقد أغدقوا عليهم المال والسلاح ليدمروا هذا الوطن ويقضوا على إنجازاته.
بطل الرواية جزائري ولهذا مدلول قومي وظفه الروائي عبد الغني ملوك لصالح الفكرة والسرد ف”طاهر بو منجل” الجزائري الذي يكن لسورية الحب والعرفان بالجميل وهي التي ساعدت الجزائر على نيل الاستقلال فقد (تبرعت النساء السوريات بأساورهن الذهبية ومصاغهن من أجل شراء الأسلحة لثوار الجزائر في نضالهم ضد المحتل الفرنسي)
يدرس “أبو منجل” في جامعة دمشق ويتعرف على “مها عبد القادر” زميلته في اختصاص(علم اجتماع وفلسفة) يحبها وهي من “حمص” ويحب حمص لأجلها وهذه الفتاة(السورية الحمصية جديرة بالحب والاحترام واللهفة ص ١٢)
وعلى الرغم من حبها له فإن مها هادئة رصينة تخفي مشاعر حبها ولا تظهر منها إلا ما يدفع “أبا منجل” للجد والدراسة، هو يتمنى أن يبقى في سورية من أجلها لكنها تحثه على العودة للمشاركة في إعمار الجزائر وبناء نهضتها.
يحصل على درجة الدكتوراه ويصبح موظفاً كبيراً في الأمم المتحدة فيرسلونه للتحقيق في الأحداث المأساوية في سورية ويقيم في حمص عدة أسابيع ليلتقي حبيبة القلب “مها “.
هنا يعمد الروائي “ملوك” وبذكاء إلى اعتماد تقنية روائية أشبه بالتحقيق الصحفي فيجعل فئات متنوعة من الناس تتحدث عما حصل .
ولكن هل تقتنع الأمم المتحدة أن المؤامرة على سورية هي من صنع أمريكا ومن يدور في فلكها فأمريكا تسيطر على قرارات الأمم المتحدة والجامعة العربية التي هي أكثر غباء وخيانة فتجمد عضوية سورية في الجامعة.
اللقاء بين “طاهر بو منجل” و”مها عبد القادر” في حمص رمز لانتصار الحب على ما سواه ولكن هل تبقى لحظات الانتصار طويلاً
يذهب “أبو منجل” بمرافقة “مها” إلى أحد الأحياء المدمرة يلفت نظر مها لعبة بين الأنقاض وتدوس على لغم ولكي تبعد لو “منجل” عن مركز الانفجار تقول له اذهب إلى السيارة التي هي خارج البناء وائتيني بحقيبتي فيذهب إلى السيارة خارج البناء ليدوي بعد ذلك انفجار أقوى من صوت الرعد.
الإرهابيون الذين غادروا الحي تركوا ألغاماً وأفخاخاً أودت بحياة الأبرياء .
عاد “بو منجل” إلى مركز الانفجار ليجد مها أشلاء كل ذراع وطرف منها في زاوية لقد تهتك جسدها ولم يبق إلا جزء من كتفها الأيسر ص١٢٤
يجن وينهار “أبو منجل” فيدخلونه المشفى وفي نهاية المطاف يقرر الانتحار للحاق بها ووصيته أن يبقوا في رمث واحد.
الرواية توثيقية وهذا النوع من الروايات منتشر في الأدب العالمي ويلقى اهتماماً لأنه يؤرخ بطريقة فنية الأحداث الكبرى .
إن هذه الرواية التي صيغت في قالب روائي فني محكم وحبكة مثيرة وسرد سلس بتقنية روائية ذكية وفي اختيار المكان والزمان وفي أحداث وقعت في أماكنها الحقيقية(الخالدية – مشفى الهلال الأحمر – نادي ضباط موقع حمص..الخ)
ومما أعطى السرد مصداقية وجاذبية هو ذكر بعض الأسماء المعروفة (محافظ حمص الأسبق صاحب حلم حمص – القس الشهيد فرانسيس الذي اغتاله الارهابيون وهو رمز للتسامح والإنسانية وحب الخير).
“أبو القعقاع” أحد المتزعمين الإرهابيين الذي صار وأمثاله تجاراً وأصحاب رؤوس أموال في تركيا …الخ.
وثمة تقنية ثالثة جاذبة للقارئ هي تجديد السرد من خلال إشراك عدد كبير من ممثلي الأطياف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية يسردون آراءهم حول هذه الحرب المدمرة حيث تقنية الوصف الذي يخدم المشهد الروائي العام فيتفاعل الحلم مع الواقع الكارثي مع الحلم الذي يبتعد ويصبح تخيلاً ..
والفنون النثرية عمادها السرد والتخيل والحوار.
الرواية مثيرة ومهمة لأنها توثق ما حصل ولأنها تعطي القارئ جرعة أمل كبيرة (لا يصح إلا الصحيح في نهاية المطاف.. تحطيم ماكينة الدولة يعني تحطيم المجتمع .. قوة الدولة وهيبتها أمان للفرد والمجتمع ص ٣٠
هزيمة الإرهاب انتصار للحق والعدل ..والسوريون كتبوا الانتصار على الإرهاب بدمهم الطاهر ..
(من الحلم إلى الخراب) رواية هامة في أسلوبها وفكرها
ومرجع أدبي لحقبة هامة من تاريخ سورية
الكتاب (من الحلم إلى الخراب) رواية عبد الغني ملوك – دار الينابيع دمشق ٢٠٢٢.