الرئيسية / الثقافية / طابع الصورة التكويني في ذهنية (السيدة واو)

طابع الصورة التكويني في ذهنية (السيدة واو)

;jf : أحمد سعدون البزوني – العراق

يقول الروائي الروسي (ايفان تورغينيف) أن الصورة الواحدة قد تعرض ما لم يستطع كاتب أن يقوله في 100 صفحة. نظراً لأهميتها فإنها لها دور كبير ومهم في الحياة .
(وهكذا فان مفهوم الصورة يتخطـى مفهوم العرض كما استخدمناه حتى الآن، لأن للصورة علاقة أساسية بأصلها) .
ترى الكاتبة وفاء بوعتّور أن هذا الاستخدام لمفهوم الصورة يتمتع بصدقية نصية لأن الصورة لها احداث متغيرة ولأن سيادة الصورة بشكل نهائي يتحقق بالتناغم الذي تحدثت عنه حيث وجدت صور منتصبة بذاتها بل ان هذه هي فكرة معينة من تاريخ الفن والادب .
تتمثل فكرة (بوعتّور) في قضية تعريف الصورة فهي ترفض أن ينطلق من مفهوم الصورة السائد التي تبعد عن فكرة النص ووجوده، وخاصةً مفهوم الصورة التي عودتنا عليها دائماً في نشر الجمال وروحية النص واظاهر الانوثة كفكرة لا كشهوة، فقد تميزت بالوعي الروحي الذى يركز على جماليات النص ويعامل الظاهرة الفنية على أنها مادة للمقاربة الموضوعية ولا تختلف عن الظاهرة الطبيعية التي تتطلب التفسير .

ليس من السهل الدخول الى عالم الجمال إذا لم تكنً جميلاً من داخلك، بعيداً عن التناقضات والنزعات الروحية والنفسية والفكرية، تكون خالص للطبيعة الحية كصوفي الهوى عند (التخلي والتجلي والتحلي)، فالحب في كل صورة حاجات ، وذكريات ! لا يملك الوجود برهان لوجوده غير في تلك (النهدديات)!..
فـ الكاتبة (وفاء بوعتّور) لوحة فنية صورها الخالق لنا لندرس معانيها بمشاعر واحاسيس عقلية إنسانية ورؤيا منفتحة الألوان والأبعاد ..
فالإنسان هو جوهر إنطلاق الحرية بكل مستوياتها باعتبارها منهج أخلاقي وصورة نموذجية للحياة وتطور فكري وروحي ينمي في العقل التخلص من أشكال الإنغلاق .
تأخذ من الحرية قوة باطنية من الممكن تفعيلها عندما تتحرر اذهاننا من قيودها التبعية وتلك الأفكار الاستهلاكية، وإلا ففي الواقع نحن عبيد بشهوتنا منهزمون امامها اذ مارسنا (الشهوة لا الفكرة) مع الصورة التي تنشرها الكاتبة . فيجب علينا استخدام العقل الفني والادبي والنقدي والنظرة في التمتع في جملها وجمالية صورها .
العقل هو القدرة على الاستفادة من هذا الجمال الكوني، لذلك نلاحظ النبتة لو غطيتها بصندوق فيه ثقب تخرج من الثقب متبعة النور . فللعقل منطقة حرة إذا استخدمناه بمستوى نموذجي نحقق السعادة الروحية والفكرية والفنية والجمالية ونعيش بإمتياز وحرية . فالصورة أنبل من أن تقيدها النظرة او النظريات أو تحيط بها الخرائط الفكرية لأنها هبة ألله للإنسانية فيجب أن تكون النظرة إنسانية في محل فهم وجودها، بعيداً عن الرؤيا العقائدية او الاجتماعية او الإيروتيكية المشوشة الساذجة التي تراودنا لأنها تتقيد وتبالغ بالطقوس المجتمعية أكثر من الحراك الفني والجمالي لتطبيق مفرداتها الرسالية نحو تغيير معرفي . فالإيمان الحقيقية يأتي من خلال فهم الحياة وعطاءها وتقديم الادق والأكثر نموذجية وإلا فنحن بعيدين عن الإيمان الحقيقي والمُطلق .
إن الأدب فن، والفن تتجلى حقيقة بذات صورة نموذجية إذا اتسمت بقيم الروح المملوء بفكرة تنتهج خطوطاً علمية تخدم جمالية النص . فلا نغفل ونرتبك ونتعصب أو نميل بمعنى التجاهل بل علينا أن نتوقف ونتدبر ببصيرة ونظر للحياة للشمس والبحر والزهور والشجر لنتعلم منها العطاء بمعرفة وشغف، الصورة او نص ليس عناوين وتفاضل إنما مسؤوليات وامتيازات جوهرية تختزن قدرات لإنتاج ودعم الحياة بآليات فنية وجمالية مُركبة، وإن فكرة ازدراء الصورة التي تحمل معالم الانوثة جاءت نتيجة لجهل المجتمع اللاهوتي والقبلي وافتقاره لفهم الحياة وانعدام قدرته على العطاء الفكري والحياتي مما سبب دمار جمالية الفن .
إن وجود الصورة ليس وجوداً مظهرياً او ترفيهياً او هامشياً في شخصية (السيد واو)، إنما هو محل نموذجية أنثوية جمالية فنية فكرية ذو طابع عصري حداثوي يرمز لمعالم الجمال للنص وكاتبته، وسلوك يمتاز بتنظيم و صياغة الحُلي على جِيد النص والتعايش معه كـ لوحة (السيدة واو) في متحف (بوعتّور) .
فانا شخصياً لا استغرب الحالة النقدية والهجوم الشرس ضد صورها، فالحرب الناعمة معقدة وذات أوجه وابعاد متنوعة ونحن والحمد لله عقولنا خصبة بفضل جلهنا للنقد والذوق العام . فالحرب الادبية تختلف عن الحروب المألوفة إذ لا يمكن قياسها بموازين مادية وحسية لأنها تُدرس المُجتمع سلوكياً ونفسياً ولها ادواتها فهي من أخطر الحروب وأكثرها بشاعة أن تحاول الحوار بفكر منفتح متجدد خارج الصندوق،
ففي عالمنا الادبي ممنوع التفكر إلا من خلال ما رُسم لنا وقُرر من قواعد وأفكار، وإذا خرجت عن المألوف فأنت ملعون وزنديق . والكثير من الرافضين لهذه الفكرة منهم الوصولي والانتهازي الذي يرتدي عدة أقنعة وهو أسير جنونه الغريزي ملوثين بأنانية واحتراب وافكار سادية وتبعية فاقداً لكل مزايا العقل والفن والجمال . لا نغفل ونرتبك ونتعصب أو نميل بمعنى التجاهل بل علينا أن نتوقف ونتدبر ببصيرة ونظر للحياة للشمس والبحر والزهور والشجر لنتعلم منها العطاء بمعرفة وشغف، بالعقل الجمالي منطقة تتميز بالإرادة والإدراك والتفكر لبرمجة الموضوعات وأحكامها
فــ (السيدة واو) كتبت لمجتمع غريب عن الذات يتبع التقليد الموروثة لأنه داخل السجون القبلية في أطر حُددت له . لذا نرى الكاتبة الادبية وناشرت الجمال (وفاء بوعتّور) قد تخلصت من جميع العُقد البشرية وتفرغت لعالم الجمال والطبيعة من خلال نشرها لنماذج من الصور الحية واللوحات والرسومات المُعبرة من خلال (وليديها) السيدة واو الجزء ( 1 – 2 ) وفي مواقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك)، فقد نشرت العديد من الصور الجمالية التي تدُل على جمال انوثتها بهدوء وسكينة .
ففي مفهومها الصوري واهميتها في الثقافة المعاصرة، لم تكف الصورة يوماً ما عن تأويل معناها سواء أن كانت صامتة أو ناطقة، فهي كانت دائما تنطوي على هذا القدر من التعبير عن موضوعها . إلا أن ما نشاهده الآن معها أعطى معطيات الصورة النصية الشارحة للفكرة والمعنى، فدلالات الصورة هنا لا ترتهن إلى قياساتها التقنية وأبعادها الفكرية فحسب، بل تنبع أساساً من المشاهد النصية التي تُعبر عن حدث ما أو تلك التي تستند إلى عناصر ومؤثرات دراميا نصية من تدبير الكاتبة وفهمها لدى المتابع والناقد وكل هذه الصور تختلف عن بعضها البعض في كيفية بث المعنى عِبر اثير الرؤيا وإيصال النص إلى المتابع . فثمة وسائل وطرق عديدة لفهم الصورة بالإضافة إلى تواجد أساليب مختلفة وأكثر فكراً، والصورة هي المحور والمركز.
من هنا يمكننا الرجوع والتعمق وفهم معاني الصورة الفنية والجمالية فالصورة مثلاً عن الفنان تنقسم إلى وجهتين أساسيتين وهي الصورة التي تبصرها العين والثانية التي تراها الروح . تحديداً التي ينقلها الفنان من خلال العين ويدمجها في الصورة الخيالية لكي يجسدها على مساحة أو على ورقة لتصبح ذات معنى أو تحمل قضية او فكرة ما.
أما الصورة الذهنية فهي جزء لا يتجزأ من خيال الشاعر أي أن الخيال له القدرة على تكوين صورة ذهنية لأشياء أو أحداث قد غابت عن متناول الحس إذ عندما تتعدد المعاني للصورة الواحدة ثم يأتي دور الروح المُترجمة للشكل من خلال أحاسيسها، وفي المقابل تتطور اللغة أكثر بصورتها من ما يبتذله من جهد في اختصار معاني كلماتها .
إذن فالصورة الأدبية أو الشعرية تصوغ مفرداتها في حركة محورية تُحاكي عمل الخيال .
إن النظر إلى عملية التخيل الشعري نفسها على أنها عملية تقديم صور بصرية أساساً ويترتب عن ذلك خلط بين الصورة واللوحة، فمن هنا يمكننا التعمق أكثر في معاني الصورة وذلك من خلال تحديد أصل الصورة أو كيفية وجودها فإن كل شيء مصنوع له صورة أي توجد علاقة بين المادة والشكل. فلقد ذهب أرسطو إلى أن كل شيء مصنوع لابد له من صورة أي شكل ومادة يتركب منها فلا الصورة تستغني في وجودها عن المادة أو الشكل ولا المادة يمكن أن توجد بالفعل وإن كان من الممكن أن توجد بالقوة دون صورة .
قد تُمثل الصور لدى (وفاء بوعتّور) نافذة على شخصية المرء وحقيقته، تبعث من خلالها ودون قصد رسائل يفهمها الآخرون بطرق وإصدارهم الأحكام الأولية عليها … وتقود الصور إلى عواطف واستجابات حقيقية، حتى حين تنطوي على مواقف وخبرات خيالية تتجاوز القدرات البشرية الطبيعية.
يدل نشرها المستمر لصور سواء كان للأنثى او الجمال، فأنها تقول للعالم برسالة واضحة انها قادرة على إيصال رسالة للجمال بكل انواعه من خلال نافذة التواصل الاجتماعي التي تطلع على العالم الافتراضي .
ويرى خبراء علم النفس أن كثرة نشر مثل هذه الصور هو دليل على الحاجة لإثبات شيءً ما الناشر يريد أن يُثبته .
علماً انها تميل لنشر صورة الانوثة لأنها تحب الجمال الحقيقي الحسي الملموس، فإن ذلك يدل على الشعور بالارتياح نحو الحياة، كما أنه يدُل على التعب من مسئولية الحياة اليومية وحبها للغد والتأمل، و نشرها مثل هذه الصور يدُل إلى الحاجة الدائمة للدعم العاطفي المُستمر، واظهار ثـقـتها العالية بنفسها، وديمومة الاستقرار والنضج وعدم الحاجة لتلقي الآراء الجانبية والغير مهنية في مجال الجمال في الصورة وانتقاءها .

شاهد أيضاً

قـراءة فـي روايـة فـرانكشتاين  في بغـداد )) للروائي احمـد سـعـداوي

كتب : جمـال  عـابـد فتـاح ـ العراق هذه الرواية من طباعة منشورات الجمل / بيروت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.