كتب : علي كاظم الخرساني ـ ميسان
لاحظنا في فترة ما بعد أحداث تشرين ان الأحداث تتسارع لركوب موجة التظاهرات .ولاسيما سياسي الصدفة فأخذت ابعاد عدة. فمنهم من يرى انه لابد من تغيير النظام السياسي برمته واخر يرى ان العملية بنيت على اساس خاطأ حينها نقول ان ركوب الموجة أصبح مباح للأكثرية. وننتظر المواقف من البعض تجاه الانتخابات التي يعول عليها الكثير ويشمئز منها الأكثر بغية تحقيق الأهداف المزيفة حينها تنكشف النوايا ويبان المستور..
هذا ما يوصف واقع العراق في المرحلة الراهنة ازاء الانتخابات القادمة ، ومنها قرَّرت الحكومة العراقية، بتوصية من المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، تأجيل الانتخابات البرلمانية المبكرة التي كان من المزمع عقدها في شهر يونيو المقبل، إلى شهر أكتوبر 2021، ما عمَّق الشكوك حول جديَّة الموعد الجديد، لاسيما في ظل مماطلة الأحزاب الحاكمة في تهيئة المتطلبات القانونية لتنظيم هذا الاستحقاق الانتخابي الاستثنائي. وهذه الورقة تلقي الضوء على خلفيات قرار التأجيل، وحسابات القوى السياسية، وسيناريوهات مستقبل الانتخابات.
عزت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أسباب اقتراح تأجيل الانتخابات إلى شهر أكتوبر المقبل، الذي صدر عن اجتماع مجلس مفوضيها الاستثنائي يوم 17 يناير 2021، إلى جملة من الصعوبات الفنية، وأهمها انتهاء المدة المحددة لتسجيل التحالفات السياسية، وقِلَّة عدد التحالفات المسجلة في دائرة شؤون الأحزاب والتنظيمات السياسية طبقاً لجدول العمليات، ممَّا يفرض تمديد فترة تسجيل التحالفات، وبالتالي تمديد فترة تسجيل المرشحين، فضلاً عن إفساح المجال أمام خبراء الأمم المتحدة والمراقبين الدوليين لتحقيق أكبر قدر ممكن من الرقابة والشفافية في العملية الانتخابية المقبلة، وضمان الالتزام بقرار مجلس الوزراء بشأن توسيع التسجيل البايو متري وإعطاء الوقت الكافي للمشمولين به، وإكمال كافة الاستعدادات الفنية.
اللافت أن هذا الموقف جاء متناقضاً مع بيان رئيس مجلس المفوضين جليل عدنان خلف الذي أصدره بعد حضوره يوم 14 يناير لاجتماع ضم رؤساء الجمهورية والوزراء والبرلمان والقضاء الأعلى وممثلة الأمين العام للأمم المتحدة، وأعاد فيه التأكيد على جاهزية المفوضية لإجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة في موعدها المحدد، رداً على تشكيك بعض الأطراف السياسية والمراقبين الذين رجَّحوا مبكراً ولأسباب عديدة عدم قدرة المفوضية على الالتزام بموعد يونيو المقبل، نظراً لمماطلة البرلمان في تمرير قانون المحكمة الاتحادية العليا الجديد، أو تعديل قانونها الساري بما يسمح بإكمال نصاب المحكمة الذي اختل بعد وفاة أحد قضاتها وإحالة آخَر على التقاعد، وينص الدستور على وجوب أن تصادق على نتائج الانتخابات بكامل هيئتها. إلى جانب الصعوبات والاعتراضات التي تُواجه عملية تقسيم الدوائر الانتخابية على قاعدة دائرة لكل أربعة مقاعد برلمانية، بسبب الافتقار إلى إحصاء سكاني موثوق. وأخيراً قرار الحكومة برفع سعر صرف الدولار الذي قلَّص قيمة الموازنة المرصودة لإجراء الانتخابات والبالغة 329 مليار دينار، أي ما يساوي 274 إلى 226 مليون دولار في أحسن الأحوال، يُخصَّص معظمها لشراء مستلزمات الاقتراع من الخارج، مما يحتم تعديل قانون تمويل الانتخابات البرلمانية الصادر في 17 ديسمبر الماضي. بالإضافة إلى الحاجة إلى عبور موسم الصيف الذي تُقلِّل درجات الحرارة المرتفعة فيه كفاءة جهازي التحقق من بطاقات الناخبين وفرز وعد الأصوات، في ظل افتقار الغالبية الساحقة من أبنية المدارس التي تُتَّخذ كمراكز انتخابية لأجهزة التبريد وإمدادات الطاقة الكهربائية المستقرة.
وهذه التقاطعات تُظهِر بوضوح مدى التأثير السياسي على المسارات الإجرائية لعمل المفوضية، حتى مع صرف النظر عن المحاصصة الحزبية الإثنية الطائفية المبطنة التي تحكمت في انتخاب القضاة السبعة لمجلس مفوضيها الجديد طبقاً لقانون تعديل قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات الذي شرعه البرلمان في 5 ديسمبر 2019 استجابةً لأحد مطالب حركة الاحتجاجات الشعبية الثلاثة: إعادة تشكيل مفوضية الانتخابات، وتشريع قانون جديد للانتخابات، وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة.
بالرغم من موقف الكاظمي المعارض لتأجيل الانتخابات المبكرة إلا أن طَرْح مفوضية الانتخابات طلب التأجيل مشفوعاً بلائحة كاملة من المبررات العملياتية، سهَّل عليه اتخاذ القرار الذي سيمنح الكيانات السياسية الجديدة التي انبثقت بصورة متأخرة من رحم الحركة الاحتجاجية، الوقت الكافي لتنظيم صفوفها جيداً وترويج برامجها وتسويق قياداتها إعلامياً، فضلاً عن حسم السجالات التي نشبت داخل أوساط المتظاهرين بين تيار الثوريين الحالمين وبين تيار الثوريين الواقعيين، من أجل استقطاب أكبر قدر ممكن من الناخبين الناقمين على حكم الأحزاب الإسلامية الشيعية، لاسيما الذين قاطعوا الانتخابات البرلمانية السابقة ويُشكِّلون قرابة 60% من الكتلة الناخبة، وتُواجِه المفوضية صعوبات كبيرة في دفعهم لتحديث بياناتهم واستخراج البطاقة الانتخابية البايومترية الجديدة. وهو ما دفع الحكومة إلى إصدار تعليمات مثيرة للجدل باعتبار البطاقة البايومترية إحدى الوثائق الرسمية المطلوبة لإنجاز أي معاملة، وتوجيه الوزارات بإلزام موظفيها باستصدارها تحت طائلة التهديد بحجب رواتبهم. في مقابل الإقبال الكثيف من قبل فئة الشباب، ممن يدلون بأصواتهم لأول مرة، وهي الفئة العمرية التي شكَّلت عمود الحركة الاحتجاجية والقوة الدافعة التي أدامتها قرابة العام برغم حملات القمع والترهيب.