الرئيسية / آراء حرة / التوالد السردي وتناصات الموت والحياة في رواية (أوتو ) للاديب خلدون السراي

التوالد السردي وتناصات الموت والحياة في رواية (أوتو ) للاديب خلدون السراي

كتب : م.م.حيدر علي الاسدي ـ العراق

 

النص السردي الروائي معطى قابل للاستنطاق والتثاقف والتداخل والعبور في احايين كثيرة،وهو النافذة الاوسع للتجريب ولاسيما في سنوات الرواية الاخيرة والتمثل لمفاهيم ما بعد الحداثة في سرديات الشباب من مبدعينا ، نظراً للظروف السيكولوجية والسيسولوجية التي تحيط بمنتج النص (المؤلف) وهنا اتحدث عن منتج سردي جديد تحت تجنيس (رواية) والموسومة (اوتو) للشاب البصري (خلدون السراي) والصادرة عن دار الهجان للطباعة والنشر والتوزيع لصاحبها المبدع الشاب ليث الهجان ، ومن خلال عتبة الرواية يستدعي السراي الاله أوتو ويسمى بالسومرية أود وبالبابلية والآشورية شمش وهو إله الشمس بحسب الأساطير السومرية وأوتو بحسب الأساطير السومرية هو إله الشمس والعدل وتطبيق القانون ورب الحقيقة، اشير لهذا الإله في ملحمة جلجامش وقد آمن السومريون أن أوتو، عندما يذهب برحلة في السماء، كان يرى كل ما يحدث في العالم كان يتولى إلى جانب أخته إنانا مسؤولية فرض العدالة الإلهية؛ وقد اعتُقد أن أوتو يتجول خلال الليل في العالم السفلي أثناء رحلته نحو الشرق استعدادًا لشروق الشمس، من هذه الثيمة الاسطورية اقتبس فكرة روايته السراي موظفاً الاسطورة بطريقة جمالية فكرية تتمثل برحلات يقوم بها اوتو للعالم السفلي (لعراقنا) الموجوع متكشفاً على اوجاعنا وشظف حياتنا التي اثث خلالها السراي مفاصل روايته ، وقد افتتح السراي روايته بإهداء الى القاص الراحل (باسم الشريف) مقسماً روايته الى مشهديات وبنيات متفرقة تجمعهم ثيمة الرحلة ، وهو يجمع ما بين التناصات الفنية والتناصات التي اجترحها من نزوج الواقع المؤلم ، تناصات مع موت مجاني وحياة مقرفة حانقة ينتقد ويسخر من بشاعتها وتناقضاتها ، كاشفاً عن بنيات الوهم في تلك الحياة ، حياتنا بالتأكيد، وقد تمفصلت التناصات لدى الروائي في روايته هذه على جوانب جمالية فنية واخرى حياتية كما اشرت؛ ومن تلك المشاهد (صرخت طفلتي فجأة مما جعلني عاجزاً عن ايجاد طريقة لإسكاتها بها….) ( من الجيد ان طفلتك كانت مطيعة وتوقفت عن الصراخ ليرد وبكل هدوء : لم تتوقف عن الصراخ فقط بل عن التنفس ايضاً) وكنت قد شاهدت عملاً فنياً في ايران ذكرني مشهد السراي بذلك العمل الفرق ان قطاع الطرق واللصوص كانوا في العمل هم من يلاحق البطل مع (كلبه الوفي) ومن اجل ان لا يكتشفوا مخبئهم اسكت الكلب بيده حتى فارق ، بينما جلاوزة الموت المجاني هم من كان يلاحق شخصية السراي (سلمان) الذي اسكت ابنته المختبئة معه بالصندوق حتى الموت دون ان يشعر فكانت خاتمته في مصح نفسي!، والتناص الاخر كان لرحلة الاله اوتو مع الزوجين (فرحان وابتسام) وتناص السراي هنا مع احدى قصصه القصيرة جداً في مجموعته الاولى(لم اكن نبياً) وبخاصة مع ثيمة المراة العاقر التي تعيش وكأن لها وليداً في المنزل،  ان ما يحمل على المعطى الجمالي في تأثيث فضاء هذه الرواية هو الخليط الذي صنعه السراي في سرده فهي تحمل طوابع متنوعة متداخلة من أوتوبيوغرافيا مشاهداتية توثيقية للمؤلف السارد (الاشارة لمقتل الروائي العراقي علاء مشذوب 2019) والرحلة وجمالياتها التشويقية عبر الحكي والتنقلات الرمزية، والميتا سردي والتوالد السردي وتداخل الوهم والحقيقة ، فمن الثيمة المركزية تتفرع القصص وتتوالد بطريقة حكي يصوغها السراي عبر ترابط الرحلة للاله اوتو ، مجترحاً لنفسه جمالية من نوع خاص تتمثل في محاكاة الواقع المازوم تارة عبر ثنائية الموت والحياة ، واخرى عبر الرمزية والاقنعة المتوزعة في فضاء الرواية والتي يسعى من خلالها التجريب على مستوى صناعة الحدث والشخصية ( احلام ، ابتسام ، فرحان) والعمل على تفكيك ثنائية ( الحقيقة ، الوهم) المتداخلة في ذات المتلقي والمبثوث له (شفرات الرواية) والتي احتملت الدلالات العديدة للزيف المجتمع والفكري والديني المتقنع والذي يحاول السراي عبر هذه الحكاية من تفكيكه بصورة ساخرة وناقدة وهو يقدم للمتلقي جلد وتعرية للاقنعة المركزية الحاكمة على رقابه والتي تقوده لمقصلة الموت المجاني ، وهنا السراي كان ذكياً في توزيع فضاء اللون على الرواية ابتداءً من الاوراق الفاصلة بين المشاهد وصولاً الى رسم شخصياته السوداء ( جلاوزة الموت المجاني) اما المستوى الفني اللغوي فهو يتمثل في جمالية التقديم والتأخير التي يعتمدها السراي في بناء الحدث وهو ما يضف تشويقاً في عملية القراءة ، الرواية في مشاهدها ورحلاتها تقودك احياناً لنقلها بدقة حرفية لواقعنا المازوم واخرى نحو عوالم التخيل الافتراضية ، السراي كان حذراً بنقل الاسطورة وادخال المتخيل بدقة ضمن بنياته السردية ، الامر الذي جعل الرواية متماسكة عبر الخطين منذ بدايتها حتى الخاتمة المفتوحة ، والتي تركت الاسئلة على مصراعيها حول مصيرناً الذي لازال مفتوحاً حتى الان! ان فشل الاله اوتو عن ايجاد الحلول وتحقيق العدالة انما اراد ان يفضي لها السراي في سردياته لبشاعة هذا العالم السوداوي الذي نعيش في كنفه وسط تسيد قادة الموت المجاني والذين بإمكانهم انهاء حياتك لمجرد اختلافك معهم ، كما صور لنا السراي هذا العالم عبارة عن مصح نفسي كبير ، وكلنا مصابون بهذا الهوس والصرع جراء بشاعة الحياة وليس لاننا لا نحتمل العيش مع الاخر الا لكونه حقق لنا صدمات متوالية ضمن مضمار الحياة هذه…! وضمن التوالد السردي حقق السراي في رحلات بطله الرئيس ( اوتو) قصص فرعية ضمن مشكلات الفرد العراقي (عقم الزوجات ، زواج القاهرات ، زيف بعض رجال الدين ، استبداد السلطات الحاكمة ، القتل على الهوية، التشوه الولادي، الاغتيال والتصفيات) جامعاً بين زمن اسطوري افتراضي واخر واقعي يتمثل في تمفصلات الوجع العراقي، والسراي في توالداته السردية لم يكن مباشراً في ترابط احداثه السردية وانما كانت القصص تنزاح مع ثيمة الرواية المركزية وتتداعى بطريقة ذكية وبلغة معبرة تمتاز بالمفارقات احياناً، (كلما أسالها عن السبب ترد قائلة : الملائكة لا يمكنهم معرفة اشكالهم والا سيهلكون . بقيت هذه الجملة تتردد في ذهني خاصة حين افكر في المرآة ، تخطر فجأة على بالي فاغمض عيناي واهز راسي محاولا نسيانها) ( وليت جدتي لم تفارقني لبقيت مع ذلك الوهم ولم اقف امام المراة – لماذا قاطعته ، اجابني بحركة واحدة دون ان يتكلم ، لم اعلم ان هناك اجابات صامتة ابلغ من عشرات الجمل ، كم احترمت جدته وكم صعقت حين ادار وجهه ليتضح لي انه خلق براس على هيئة قط! / الرواية ص24-25) السراي عبر رحلات الاله الاسطورة انما يفضي لجنون من نوع خاص اثث خلاله حكايته وافرز لنا وجعاً من نوع عام ، مر به جميعناً ولكن السراي تكفل بتراتبه الجمالي وتوالده ضمن حكايته الموظفة بجمالية ادبية افضت لتناصات مع الموت والحياة الذي نعيش في كنفه وتتوالد حكاياتنا معه يومياً ولازالت حتى اللحظة.

شاهد أيضاً

العشق لك وحدك

شعر- منى فتحي حامد –  مصر يا مَن كان العشق لك وحدك حطمت شغف الروح …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.