الرئيسية / آراء حرة / الديمقراطية الامريكية الرثة

الديمقراطية الامريكية الرثة

كتب : راهي الحاتم ـ العراق 

 

بسبب الرؤى الصادمة للامبراطورية الامريكية والطروحات الرثة حول مستقبلها، خرجوا عراة للعالم عن كذبة كبيرة تدور بمخيلتهم بما يطبقونه على الشعوب المقهوة باسم حقوق الانسان، والحرية التي باتت مذبوحة تحت اقدام تمثال الحرية، بالديمقراطية المزيفة بخطط خبيثة لتبقى اصابعهم تعبث بالعقول، وتخريب الذمم لصناعة الخانعين اللاهثين خلفهم، ان الباطل حتمي الاندثار بأمر الله لانهم تجاوزوا على حدود الله بابشع الجرائم ضد الانسانية التي لطالما طبلوا لها ويطبلون، بالديمقراطية المغلفة بحقوق الانسان المزعومة، هوة من شاهق الى هوةٍ سحيقة ليس لها قرار، كان لسقوطها صوت مدوي سُمع في ارجاء المعمورة، وبان لشعوب العالم جلياً ان الاستعمار الامريكي يعتمد بفرض هيبته على حكومات غير شرعية في اغلب بقاع العالم، بخنوعهم، وذلتهم، وتبعيتهم صنعوا اسطورة امريكا في القوة والديمقراطية الرثة التي ازكمت انوف احرار العالم .
وبواحدة من المسلمات أوالحتميات التاريخية ، هي أنه لا إمبراطورية تدوم إلى الأبد، وكل مملكة تولد لتموت، هناك عدة أمثلة من التاريخ بتبادل الامبرطوريات او القوى الناهضة حيث نرى القرن الخامس عشر كانت البرتغال التي تقود العالم وافل نجمها، مع حلول القرن السادس عشر كانت اسبانيا لها صولات وصراعات كبيرة، ومستعمرات، ونهب لخيرات الشعوب، والسابع عشر ألمانيا، والثامن عشر فرنسيا ، والتاسع عشر كانت بريطانيا بامتياز ، وقد وصل توسع الإمبراطورية البريطانية إلى أقصى الحدوده حتى عام ١٩٣٩.
بعد الحرب العالمية الثانية، ظهرت أميركا كقوة إقتصادية، وعسكرية وسياسية، وعلمية، وتكنولوجية طاغية، ومهيمنة، أطاحت بالإمبراطورية البريطانية واحتلت مكانها .
واستنادا إلى معطيات سياسية، واقتصادية، وعسكرية نعتقد بأن أميركا بدأت في الوهن، والتراجع منذ ثلاثة عقود، بداية الانهيار الفعلي لها، لأنه تكشفت جوانب الضعف المتعددة، التي تراكمت خلال عقود في بنية الإمبراطورية الأميركية، والتي تجلت بوضوح سافر بطريقة التعاطي الكارثي للحكومة الأميركية مع الأزمة، ومضاعفاتها الصحية، والاقتصادية، والاجتماعية في ظل ما مر به العالم من كارثة صحية اجتاحت العالم .
أن موت ألفي مواطن اميركي في يوم واحد بسبب وباء كورونا ، يعطي انطباعا بأن أميركا أصبحت دولة فاشلة .
الامر لا يتعلق بالطريقة التي تعامل بها ترامب مع الأزمة ، فترامب ليس سبب أزمة أميركا الحالية، بل هو جزء أو علامة من علامات مرضها المزمن .
بدأنا ندرك فداحة الفشل الأميركي في إدارة الأزمة، فعلينا أن نقارن بين الطريقة التي أدارت بها الديموقراطيات الحقيقية الأزمة ، في دول صغيرة كنيوزيلاند، والدنمارك، وكندا، والطريقة التي تعاطت بها الديموقراطية الأميركية العظمى .
ان السبب ارتفاع أعداد الوفيات بكورونا في أميركا جاء نتيجة فشل النظام الصحي المصمم في الأصل لرعاية النخبة الثرية، وإلى عدم وجود شبكة أمان إجتماعي للضعفاء، وكبار السن، والمعاقين، وإلى عدم وجود مساواة حقيقية بين المواطنين في إمكانية الحصول على خدمات الرعاية الصحية عند الضرورة، بالإضافة إلى العديد من نقاط الضعف الاخرى.
ونود ان نورد ونتطرق إلى نقطة ضعف أخرى خطيرة في بنية الإمبراطورية الأميركية، الأميركيون كانوا بعد الحرب العالمية الثانية يشكلون( 6% )من سكان العالم، وكانوا يستحوذون على نصف الاقتصاد العالمي، وكان نصيباً كبيراً للطبقة الوسطى التي تشكلت في بدايات التأسيس، وتعززت مكانتها في النصف الأول من القرن الماضي، كان لها الدور الأهم في صناعة التفوق الأمريكي، لكن هذه الطبقة الفاعلة والمؤثرة، تم تدميرها في النصف الثاني من القرن الماضي، وفي بداية القرن الحالي، لصالح فئات معينة من الأفراد وعائلات الأثرياء، والمؤسسات، والبنوك، والأسواق المالية الوهمية . في أميركا يمتلك (1% )من الأميركيين( 30 ترليون )دولار ، بينما البقية غارقة في الديون، حتى باتت ديونها أكبر من ممتلكاتها .
في عصر الرأسمالية الامريكية الذهبي كان الفرد المنتمي للطبقة الوسطى يجد عملا بسهولة، وكان يستطيع أن يعيش حياة مريحة، بأن يشتري سيارة، ومنزلا، وأن يرسل أبنائه إلى المدرسة والجامعة، وتكون مدخرات، ومدخولاته مرضية نوعا ما، كذلك ضمانه لتقاعدا كريماً، وخدمة صحية مناسبة، أما الآن فقد أصبحت كل هذه الأمور مجرد أحلام من الماضي، بعيدة المنال.
بالتالي هذه أحد أسباب للأنهيار الوشيك لأميركا، في الوقت ذاته مغامراتها العسكرية الفاشلة في العالم، حيث خلقت مغامرات بأزمات إقتصادية كبيرة خطيرة انعكست سلبا، وخانقة على الحياة الاجتماعية في المجتمع الأميركي، لعل من أخطرها تفاقم ظاهرة العنصرية، والتي تجلت بالتمييز بين المواطنين في التوظيف، والتعليم، والرعاية الصحية.
ان الأمر المقلق بالنسبة للأميركيين انهم ليسوا واعين بما يحدث من حولهم في امبراطوريتهم، ولا بالمتغيرات الدولية من حولهم، فالصين، بقوتها الاقتصادية الهائلة، والتي باتت تستحوذ على الاقتصاد العالمي، تشكلت قوتها في غفلة من أميركا، في الفترة التي كانت أميركا منشغلة بحروبها الخارجية العبثية، باتت قاب قوسين أو أدنى من إزاحة أميركا من موقعها كأعظم قوة عسكرية واقتصادية، والحلول مكانها .
المرة الأولى التي شعر بها العالم تجاه امريكا بالشفقة. عندما شاهد العالم كيف كانت الكوادر الصحية في المستشفيات الأميركية تنتظر بفارغ الصبر وصول الإمدادات، والمستلزمات، والأدوية، والأجهزة الصينية الصنع، لإنقاذ أرواح المرضى الأمريكيين .
خلاصة القول يتوجب على أميركا أن تنظر من خلال مناضيرها ورؤاها بنظرة تنزع عنها ثيابها القديمة لتبدلها بثيابٍ جديدة إذا أرادت أن تحافظ على قيادتها السياسية، والاقتصادية للعالم، وهو أمر بات في موضع شك وبعيد المنال ونكاد نجزم لن يحصل، لتتعرف على مشاكلها، وأن تبدأ في معالجة تلك المشاكل، لتنقذ نفسها أولا، ولتنقذ العالم من البديل الآخر، المتمثل في الصين، وهو بلا شك، بديل بشع أيديولوجيا، وحضاريا، وسياسيا.

شاهد أيضاً

عـلمـاء غيـروا وجـــه العـالــم (( فيثاغورس ))

 كتب : جمــال عـابـد فتـاح ـ العراق المعروف عن الحياة الخاصة لعالم الرياضيات والفيلسوف الاغريقي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.