كتب : حيدر علي الاسدي ـ العراق
اهداني صديقي المبدع البصري الطيب والجميل (عبد الكريم السامر) كتابه الجديد المعنون بـ ( بقايا ظل) تحت تجنيس (قصص قصيرة جدا) والصادر مؤخرا عن دار الجنوب للطباعة والنشر والتوزيع والذي قدم له الروائي السوري (محمد الحفري) ، ولقراءة المجموعة لابد من قراءة النصوص الموازية والعتبات التي تضمها هذه المجموعة ابتداءً من لوحة الغلاف التي ارتسمت معالمها على ملامح مدينة تختفي داخلها ملامح الانسان (بصورته وهيئته الوجودية المباشرة) كما غاب هذا البطل داخل فضاءات نصوصه كافة ، يكاد يجزم من يقرأ المجموعة بوجود بؤرة انطلاق وتشابك واحدة تؤسس لثيم متنوعة وتتجه لثيمة مركزية منطلقها (هو) السارد (البطل) الذي عاش النكبات والويلات فدارت لقطاته الفوتوغرافية الحاكية في فضاءات الالم والوجع والجوع والموت والسرانيات التي ما كان احد يستطيع البوح بها فكانت مضمرة في وجع روح انفجرت فتشظت منها كل هذه الصور الموجعة التي دونها السامر ، ورغم اختلافي مع المقدم المميز الذي تحدث بكل شيء عن هذه المجموعة في مسالة التجنيس ، فانا وحسب قناعاتي الشخصية اعتقد ان (ق ق ج) هي نوع ادبي وليس جنساً ادبياً كما اشير لذلك ، والكلام طويل في هذا المقام واشرت له مراراً ، وبالعودة للمجموعة التي ملئها الالم تتصدر المشهدية مفردات تدل على حجم البؤس الذي عايشه الكاتب ويكاد يكون حاضراً بكل تفصيله مع سارده المختفي خلف الحروف الناطقة بالوجع فتبرز بذلك مفردات (الحرب، الموت ،القيود، الرصاص، الظلام ، الانفاس المضطربة، اللحظات الاخيرة لمشهدية القتل الظالم للانسان المهمش..بقايا عظام ، قرص تعريفي…احتضار….الخ) لتؤكد حجم المرارة التي تأثثت من خلالها وانكتبت هذه النصوص عبر عين شاهدة لاقطة لكل الاحدث التي جرت للانسان العراقي منذ اكثر من اربعين عاماً، بطل السامر (انسان) مهمش لاقى الويلات ، بصور متعددة مات اكثر من مرة وذاق مرارة العيش الاف المرات ، هو واحد ولكنه كثير….(القوه في غرفة صغيرة ، جدرانها حمر . تجوب فيها اصوات مختلفة ..نزيف ذاكرته يتدفق .صور التعذيب تشوش ذكرياته …ص 20) ولان هاجس الموت والحرب كان المسيطر فالاقنعة كانت حاضرة في الضديات التي يؤكد عليها السامر في هذه المجموعة ، الاقنعة التي كان يرتديها الجلاد وهو يسير في معترك الحياة بالوان زاهية ، ويقتلنا من خلف ابواب موصدة ، في زنزانات حمراء ، حتى وان كان يختار لنفسه امكنة اخرى لقتل الاخرين! حتى ان (سقط على الارض) لصناعة مكاناً اخر لضحاياهم! ان السامر وعبر مفرداته المختزلة يحاول ان يعمل على مسك المتلازمات السردية داخل كل نص ، وعبور الحالة المشهدية عبر تصدير دلالة تلك المفردات للقارئ حتى وان كانت بعضها تاتي مباشرة نظراً لقيمة الموضوعة التي طرحتها كل نصوص هذه المجموعة كما في (خرج يجلب الخبز…امه تنتظر………..) وصولا الى ( على الشارع رات اجسادا مقطعة ودماء تسيل منعوها من المرور …وبينما كانت السيارات العسكرية تسحب جنودها لمحت قطع الخبز المتناثر…ص28) السامر في بنية هذه النصوص يحاول العمل على خلق حالة ادهاشية حتى بتلك النصوص التي انمازت بالمباشرة احيانا نظراً لتكرار الصور في اغلب النصيات التي تتناول وجع الانسان العراقي ودلالات الحرب ، لكن السامر يميز نصوصه من خلال تجارب ولقطات هو عاشها ، او عايشها او تاخم معها دهراً في مفاصل الالم المتنوعة ، وهو هنا يلتقط كل تلك الذاكرة المريرة التي تحطم داخل اسوارها انسان السامر الجميل ليتحول الى (بقايا ظل) ليس الا.هذا الانسان الذي عوقب حتى على احلامه التي هو غير مسؤول عنها ، فهي منامات لا حقيقية لها ، لكن السلطات الغاشمة كانت تعاقب حتى عقلنا الباطن ان احتوى على ارتكازات وافكار تتحول من الصور العابرة الى مجرد منامات! انسان السامر يحاول الهرب من بعض ما يعتريه من ارهاصات ، فهو غريباً في مدينة لا صوت فيها الا لصوت الموت والقتل فانسانه المهمش في محنة كبيرة ، يفكر بحمل امانيه علها تحيل ايامه لنوافذ مطلة على جدران بيضاء فيها مسحات امل كثيرة والقليل القليل من صور الموت.