كتبت : البلوكر فرح الطائي ـ العراق
الإحساس بالسعادة . والسعادة كقيمة حياتية عليا . لايمكن أن تدرك بالممارسات الحسية. ولابتوفر القضايا المادية … فكم أمة تمتلك من وسائل التطور المادي. ومن لوازم الاشباع الغريزي . ومع توفر اللذات الحسية المختلفة مايفوق حاجة افرادها ومع هذا فأننا نجد نسبة كبيرة من أفرادها يعانون أقصى درجات الإحساس بالشقاء . ويعيشون أخطر أزمات التوتر النفسي الذي كثيرا مايدفع للاجرام والعدوان للتنفيس عن هذه العقدة . أو يبلغ هذا التوتر ذروته فيدفع صاحبه إلى الانتحار والتخلص من الحياة . كما هي الحالة عند انسان الحضارة المادية الحديثة في اوربا وغيرها من بلدان العالم.
والسر في كل ذلك أن هذا الانسان يعيش في فراغ نفسي قاتل . ويبحث عن حقيقة مجهولة لايستطيع الاهتداء اليها. فيظل يعبث . ويتخبط. ويشعر بالمعاناة. والألم النفسي . على الرغم من اغراق نفسه واحساساته بعوامل اللذة. والأشباع المادي.
وتضج الحضارة المادية الحديثة من خطر هذه الأزمة النفسية الحادة . أزمة القلق والضياع . والشعور بالمعاناة . والبحث عن سعادة مجهولة . تعجز عن توفيرها كل وسائل الاشباع المادي والتعبير الحسي .
وتسجل معاهد الإحصاء في كل عام عشرات الآلاف من حوادث الانتحار والاجرام ، وتمتليء الشوارع، والساحات والحدائق بمئات الآلاف من الهائمين على وجوههم ، والهاربين من جحيم الحياة التي يعانون منها ، بشكل أفراد وجماعات ، وتطلق على نفسها أسماء مختلفة ، واسترسالا في تدعيم المضمون يؤكد الكاتب المحامي علاء صابر الموسوي في مقاله بعنوان الانسان الجاهلي : (( لأن الإنسان المرتكس في أوحال هذه الحضارة المادية الحديثة يحاول بكل جهوده الفرار من جحيم هذه الحياة ، والتخلص منها ، ولو بالهرب إلى عالم الخيال ، والهلوسة بغية الاستمتاع بأطياف السعادة ، ودفن عالم الواقع في مقبرة الوهم والخيال، بأستخدام العقاقير الطبية والمخدرات وغيرها .
ففقد الإنسان بذلك إحساسه بلذة الحياة ، ووأد روح السعادة في مقبرة المادية الرهيبة … وحرم نفسه من كل سعادة ولذة روحية جميلة …حرمها حتى من متعة النوم والاستغراق في أحضان الكرى الوديع …)) لذلك صار الملايين من سكان المدن الكبرى في العالم كواشنطن . ولندن . وباريس . لايستطيعون النوم إلا بالأقراص والعقاقير المنومة … وغدت عشرات الملايين من البشر تعاني من امراض الاعصاب والأمراض النفسية المختلفة . إلى درجة أصبحت المصحات النفسية توازي بعددها المصحات الجسمية في كثير من اقطار العالم .
إذ لم تستطيع وسائل الاشباع المادي … رغم توفرها ..توفير السعادة والاستقرار النفسي للانسان … بل على العكس من ذلك فالأحصائيات المختلفة تؤكد أن ازمة الإنسان النفسية ، ونتائجها الأجتماعية ، تتعقد وتزداد يوما بعد يوم، كلما ازدادت وتعقدت وسائل الإشباع المادي ، والتعبير الحسي المجرد عن كل قيمة روحية وأخلاقية .
ولخطورة هذا الجواب الضائع ، واهمية دوره في حياة الانسان اشتركت اطراف كثيرة في البحث عنه(سعادة الإنسان ) ووضع الافكار الاساسية في صياغته … كالاطباء والفلاسفة وعلماء النفس وعلماء الاخلاق والاجتماع وغيرهم ….ولكن كل الجهود والمساعي باءت بالفشل . وعجزت جميعها عن أن تصنع للإنسان صور السعادة على هذه الأرض ……
لكن ان الدراسات والأبحاث والاحصائيات المختلفة التي توصل اليها هذا الرعيل من المشتغلين في مجال الدراسات الانسانية والحضارية تؤكد جميعها .وكما ورد في محاضرات المرحوم الدكتور مصطفى محمود ؛ أن السعادة لاتأتي عن طريق الإشباع المادي ، ووجودها ليس قضية مادية بل هي ((شعور بالرضى والتطابق مع اتجاه الفطرة الخيرة ))…. أو هي (( عبارة عن احساس النفس بالرضى والطمأنينة ))….
واذن ليس بأمكان كل الوسائل والممارسات المادية من الطعام والشراب . والجنس. والثروة . واللهو ….. وغيرها . أن توفر هذا الحلم الجميل . أو تظفر بهذه الضالة المنشودة للنفس الإنسانية ، فليس بامكان كل هذه اللذات أن تمنح الإنسان سعادته وشعوره بالغبطة والسرور ، لأن النفس الانسانية تتفاعل مع كل هذه المتع . وعوامل اللذة تفاعلا عابرا مع احساس ظاهر عائم في حياة الإنسان . ويبقى شعوره النفسي العميق ، وبحثه الضائع عن السعادة يدور في فراغ يائس . ويهيم في عالم من الخواء والشقاء المروع . وليس بمقدور شيء غير الايمان بالله أن يوفر له السعادة . ويشعره بالرضى والغبطة والسرور . ويطابق بين نوازعه الفطرية . وبين ممارساته وشعوره بالسعادة .
فالهم والحزن والشقاء ، عقوبة نفسية يفرضها الضمير بشكل لاشعوري على الانسان ، كنتيجة طبيعية لخواء النفس وخلوها من الايمان بالله الذي يشعر بالطمأنينة ، والراحة ، والاستقرار ، وصدق الله القائل 🙁 الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله الا بذكر الله تطمئن القلوب )…