الرئيسية / آراء حرة / النجاح الفاشل

النجاح الفاشل

كتب : كرار حيدر الشرموخي ـ العراق 

 

يقول الله تعالى ( من كان يريد العاجلة عجّلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً  ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمنٌ فأولئك كان سعيهم مشكوراً ..  كُلاَّ نُمِدُّ هؤلاء وهؤلاء من عطاء ِ ربك و ما كان عطاءُ ربك محظوراً @ انظر كيف فضلنا بعضهم على بعضٍ وللآخرة أكبرُ درجات وأكبرُ تفضيلا @ . صدق الله العظيم . إن التلهف على المال والرفاهية والبحث عن الصيت والشهرة والسعي وراء المكانة والشرف جعل البعض منا يضحي بالكثير من أجل القليل ويقدم الفاني على الباقي وربما خسر الصحة لأجل المال ونسف العلاقات لأجل المنصب وهدم مبادئه لأجل أهدافه أن السعي الى النجاح عبر عجلة غير متوازنة تجعل المسير عسير فإن استمر في السير رغم عدم توازنها اضطربت مركبة حياته وتبعثرت أولوياته وانحرف مساره وتاه في طريقه . إن النجاح الفاشل يكمن في التركيز على جانب من أمور الحياة على حساب الجانب الآخر ، كتقديم العمل على تربية الأبناء وتقديم المهم على الأهم كتقديم الدنيا على الدين . أن النجاح الفاشل يشعرك بالانتصار والسعادة العاجلة ولكن نتائجه وعواقبه تكلف الكثير . من هذا نجد الكثير من يدعي الأيمان والأخلاق وهو في داخله الحسد والغيبة والحقد والغضب وكل هذه منافية للأسلام وللاخلاق حيث يقول الامام الصادق عليه السلام ( لا يجتمع في جوف عبد الحسد والأيمان ) فمن يعتقد بأنه مؤمن وتتوفر بداخله هذه الاشياء فأن أيمانه فاشل ومزيف وغير حقيقي قال الرسول الاعظم ( ص) ( المسلم من سلم الناس من لسانه ويده ) ويقول الرسول الكريم (ص) كذلك ( إن لربك عليك حقاً ، وإن لبدنك عليك حقاً ، وإن لأهلك عليك حقاً وإن لزوجك عليك حقاً فأعطِ كل ذي حق حقه ) صدق رسول الله . فإذا توازن في الطلب وأعطى من وقته وماله وجهده لربه ولنفسه ولعقله ولجسده ولأهله ولعلاقاته ولأهدافه ولعمله سار بأتزان تدفعه العزيمة وتصحبه الأخلاق ويرافقه الأمل ويرشده الدين وسقف الطموح لا حد له وسراب النجاح لا انتهاء أليه .فعلينا أن نختار ما يكفينا منه وأن نتوازن في طلبه وأن نعطي بقية حياتنا حقها فللأهل وقت وللصحة نصيب و للدين أولوية و للنفس خلوة . الكثير منا يسعى الى الثراء ويستثمر كل طاقاته لتحقيقه وعندما يحققه يجعل كل تركيزه على عمله وينسى عائلته وأهله ومجتمعه وحتى تفكيره يتغير فيصبح يركز فقط على مصالحه العملية وينسى القيم والاخلاق وحتى توفيق الله له ألم يعلم بأن الله هو الرزاق فكيف ينشغل بالارزاق عن الرزاق ألم يكون الله هو من رزقهُ وأعطاهُ وتفضل عليه بنعمه فكيف يترفع عن مجالسة أخوانه الذين كان يجالسهم قبل الغنى وعندما أصبح غني أصبحو ليسوا اهلٌ للمجالسة ويرى نفسه أفضل منهم و أذكى . الكثير من رجال الاعمال تجدهم مقصرين مع عوائلهم وتجد أبنائهم غير راضين عنهم وغير متزنين أخلاقيا وتربويا وعلميا وهذا كله نتيجة توفر المال وما يلحقهُ من أغراءات الدنيا و زخرفها فيضيع الاولاد في بحر الغرور والترف وينشغل الأباء في عقد الصفقات التجارية . الكثير من الاغنياء تجدهم لا يصلون ارحامهم الا من كان يشاركهم العمل وينظرون الى الفقير بأنه انسان غبي وغير ذكي وأنهم أذكياء لأنهم أستطاعو أن يجمعوا ثروة ألم يعلموا ان الله يوزع الارزاق بين خلقه فيعطي من يشاء ويمنع من يشاء والدنيا دار امتحان وماهي الا جسرا للعبور نحو الخلود ؛ خلود في النار مع الكافرين و خلود في الجنة مع المؤمنين . وهناك حقيقة مهمة يجب على الانسان معرفتها أنه مهما فعل فلن يملك الدنيا ولا الآخرة أنما يبقى مجرد عابر سبيل و زائر مؤقت أنظر لقول الله سبحانه حيث يقول ( كُلاًّ نُمِدُ هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً ) . أي بمعنى أن المسلم و اليهودي وكل البشر بأختلاف عقائدهم ومذاهبهم فهم يتنعمون بعطاء الله وكُلاًّ الفقير والغني فهم يأكلون من رزق الله . وهذا الاختلاف والتدرج في الرزق بين العباد هو من حكمة الله ليبتلي الفقير بالصبر على الفقر و الغني بالعطاء على الرغم من حبه للمال ويقول الله سبحانه ( وللآخرة أكبرُ درجات وأكبرُ تفضيلا ) ويؤكد الله تعالى في كتابه الكريم أن مقام الفقير عند الله ارقى واعلى من الغني وهناك نوعين من الغنى : الغنى المذموم وهو الذي يكون سبباً لأبتعاد الانسان عن الله سبحانه ووقوعه في المعاصي . أما الغنى المحمود فهو الذي يستخدمه الانسان لمساعدة الآخرين وبر أهله وارضاء الله سبحانه وتعالى . من آفات الثروة هو الغرور والجاه والحسد والحقد فيقع بها الانسان فتكون سبباً لدماره وهلاكه . قال ابو عبد الله الصادق (ع) ( كان فيما وعظ به لقمان ابنه يابني إن الناس قد جمعوا قبلك لأولادهم فلم يبق ما جمعوا ولم يبق من جمعوا له وإنما أنت عبدٌ مستأجر قد أمرت بعمل ووعدت عليه أجراً فأوفِ عملك واستوفِ أجرك ولا تكن في هذه الدنيا بمنزلة شاةٍ وقعت في زرعٍ أخضر فأكلت حتى سمنت فكان حتفها عند سمنها ولكن اجعل الدنيا قنطرة على نهر جُزتَ عليها وتركتها ولم ترجع اليها آخر الدهر ، أخربها ولا تعمرها فإنك لم تؤمر بعمارتها واعلم أنك ستسأل غداً إذا وقفت بين يدي الله عز وجل عن أربع شبابك فيما أبليته وعمرك فيما أفنيته ومالك مما أكتسبته وفيما انفقته فتأهب لذلك واعد له جوابا ولا تاس على ما فاتك من الدنيا فإن قليلها لا يدوم بقاؤه وكثيرها لا يؤمن بلاؤهُ فخذ حذرك وجد في امرك واكشف الغطاء عن وجهك وتعرض لمعروف ربك وجدد التوبة في قلبك واستغل فراغك في عبادة الله قبل ان يُقصد قصدك ويُقضى قضاؤك ويُحال بينك وبين ما تريد ) روي عن أمير المؤمنين ع فيما كتب الى أهل مصر ( من عمل لله اعطاهُ الله أجرهُ في الدنيا والآخرة وكفاهُ المهم فيهما وقد قال الله سبحانه وتعالى ( يا عبادي الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وارض الله واسعة إنما يوفَّى الصابرون أجرهم بغير حساب ) فما اعطاهم الله في الدنيا لم يحاسبهم به في الآخرة قال الله تعالى ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) والحسنى هي الجنة والزيادة هي الدنيا. 

شاهد أيضاً

عـلمـاء غيـروا وجـــه العـالــم (( فيثاغورس ))

 كتب : جمــال عـابـد فتـاح ـ العراق المعروف عن الحياة الخاصة لعالم الرياضيات والفيلسوف الاغريقي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.