كتبت : البلوكر فرح الطائي ـ العراق
شراح واسعة من الشبان والفتيات ينفرون من النصيحة ويتذمرون منها . ويعتبرونها تقييدا لحرياتهم..وقد يرد بعضهم بشيء من الجفاء : وفر النصيحة لنفسك…أو إنني أعرف ماينفعني ويضرني فلا حاجة لنصيحتك..
هذه الظاهرة أكثر من مؤسفة ليس لأنها تغلق الباب بوجه النصيحة التي كان البعض من العقلاء يطالب بها بإلحاح . وهو مستعد ان يدفع مقابلها ثمنا باهضا حتى قيل : النصيحة.. محمل…تقديرا لقيمتها. وإنما لأنها ترسم معالم مرحلة من الانفلات لم يعد فيها للوعظ والنصيحة والارشاد. قيمة في نظر الزاهدين بها على الاقل . والحال أن اشد الناس حاجة إلى النصيحة . أشدهم تأففا منها !
السبب في رفض النصائح واضح….
لأنها تستبطن أو تستظهر نقدا . وقد تزعج المنصوح لأنها تطالبه بتغيير مااعتاد عليه . أو استعذبه واستمرأه..أو لأنه يشعر بغرور فارغ وهو أنه فوق النصيحة وأعلى من الوعظ . وحسبه أن يتبع رأيه الخاص.
ولكننا كما طرحنا في بداية المقال نريد إعادة الاعتبار للنصيحة بعد أن نعيد النظر في أثرها وقيمتها في حياتنا….
في الآثار تشديد على أن الأفضل من بين الاخرين. هو الذي يحضك النصيحة. لأنه إنما يريد بذلك الخير لك وكأنك نفسه فكما يحب لنفسه يحب لك. ولذلك فالنصيحة لاتصدر عن عدو او مبغض.!
((خير الاعوان والاخوان اشدهم مبالغة في النصيحة))..!
وقيل كذلك : ((من أحبك نهاك . و من ابغضك أغراك )).!
إنني عندما أستجيب لنصيحتك أعينك على مساعدتي في تفادي ما انا فيه . ولذلك دون النصيحة التي يقدمها لك شخص يحبك حتى ولو لم تعجبك كهدية..عسى أن يأتي اليوم الذي تحتاجها فيه..وهو آت لا محالة.
النصيحة تأتي في وقت لتمنع المزيد من التداعي . فهي كالحاجز الذي يحول دون الانزلاق في الهاوية . أو كالدواء البسيط الذي يمتع مرضا واهما قد يستفحل لو ترك بدون مداواة….
في الحديث الشريف:
((مناصحك مشفق عليك . محسن إليك . ناظر في عواقبك . مستدرك فوارطك (الفوارط؛أية تقريطات. تجاوزات. واختراقات للشريعة والقانون ) .ففي طاعته رشادك . وفي مخالفته فسادك)).!
فإذا قررت أن اتبع رأيي الخاص ولا آخذ بنصائح الآخرين. فعلي أن أتحمل العواقب وحدي…ويالها من عواقب وخيمة…
فالذي ينصحني بعدم دخول غابة فيها وحوش مفترسة يريد نجاتي. فإذا خالفته ودخلتها فلا ألوم إلا نفسي..وماجدوى الندم بعد أن أكون طعمة لوحش أو مطاردا من قبله ؟!
نعم لطريقة واسلوب النصيحة دور في تقبلها. فقد لانهرب من النصيحة .بل للاسلوب الذي تصاغ به أو تطرح به. ولذلك فمن المنصوح به القول: ((إذا وعظت فأوجز)).. أي كن رفيقا خفيفا في نصيحتك ولاتثقل على المنصوح بقائمة طويلة من النصائح …
وقيل: ((من وعظ أخاه سرا فقد زانه و من وعظه علانية فقد شانه)) .! لأن النصائح السرية تعبر عن حرص الناصح وحبه . لانه لايريد أن يفضح المنصوح أمام الآخرين.
والنصيحة عند الطلب والحاجة إليها . أفضل من النصيحة (تطوعا) لأنها تكون في الحالة الاولى موضع حاجة فعليه في نفس طالبها فيسهل تقبلها أو الأخذ بها.
وأقدر النصائح على النفوذ إلى القلب تلك التي تخرج من القلب ومن عمق التجربة والمعاناة . والتي كان الناصح قد انتصح بها أولا.
(لقمان الحكيم )كان يقدم النصائح والمواعظ الثمينة والنفيسة لابنه . لأنه حبيبه ونفسه وأولى الناس بهداياه . ولأن ابنه كان ذا أذن واعية . مستعدا لتقبل النصائح والعمل بها . شعورا منه أنها مترشحة من قلب أب محب لايريد له إلا الخير والصلاح . وصادق لاينصح ابنه إلا بما سبقه إلى الانتصاح به !!!