كتب : جمال عابد فتاح ـ العراق
سجلت بضعة حوادث في تاريخ العراق المعاصر , تعرض فيها الأساتذة للقتل من قبل الطلبة بسبب التزامهم وعدم تخليهم عن مبادئهم التربوية , وحرصهم على اداء واجبهم بنزاهة وان كان الثمن حياتهم . يعتبر الحادث المفجع باغتيال رئيس جامعة البصرة في بناية رئاسة الجامعة اثناء الدوام الرسمي في منطقة التنومة يوم 4-7-1970 على يد طالب في كلية الهندسة كأول حادث في العراق . اثناء الدوام الرسمي في المكتبة المركزية لجامعة البصرة وفي صباح يوم السبت 4-7-1970 , وصل خبر اطلاق نار في مبنى رئاسة الجامعة القريب من مبنى المكتبة ,فخرج عدد من الموظفين لمعرفة ما يجري , انتشر خبر مقتل رئيس الجامعة المرحوم الدكتور ( خليل حميد الطالب ) بين اللذين تجمعوا عند بناية الرئاسة , وتم معرفة القاتل وهو ( موسى عبد الحميد ) الطالب في كلية الهندسة , ورئيس الاتحاد الوطني لطلبة الجامعة . كان يوم السبت 4-7-1970 يوما حزينا وكئيبا في جامعة البصرة , وهي حادثة مقتل رئيس الجامعة ,التي تأثر بها كل اهالي مدينة البصرة , لكونه شخصية علمية عالية ,مرموقة , ومتميزة , وشخصا طيبا وخلوقا , الدكتور ( خليل حميد الطالب ) وكان استاذا متمكنا في اختصاصه في جامعة الموصل , ورجل معروف بالالتزام والحرص والنزاهة . تولى الدكتور ( خليل حميد الطالب ) رئاسة جامعة البصرة في 1-1-1970 قادما من جامعة الموصل واستمر في منصبه حتى مقتله في 4-7-1970 كرئيس جامعة تميز بالنشاط والحيوية والرغبة في تطوير جامعة البصرة . وخلال عمل الدكتور ( خليل حميد الطالب ) رئيسا لجامعة البصرة قام بالتعرف على اوضاع الجامعة والتعاون مع المسؤولين العاملين في الجامعة ومن ضمنهم عميد الطلبة ورعاية الشباب . القاتل ( موسى عبد الحميد ) من اهالي الاعظمية في مدينة بغداد , وكان طالبا في كلية الهندسة بجامعة بغداد , رسب سنتين متتاليتين ولا يحق له البقاء في كليته ,ولم يرسب بسبب الغش في الامتحانات , وحسب القانون في الجامعات العراقية , قررت جامعة بغداد منحة سنة واحده في الكلية النظيرة لكليته , وتم قبوله في كلية الهندسة / جامعة البصرة , وفي نفس الاختصاص الموجود في كليته السابقة .وقد اصبح رئيسا للاتحاد الوطني لطلبة العراق في جامعة البصرة , وعضوا في مجلس الجامعة ,ممثلا للطلبة , بموجب قانون وتعليمات الجامعة , وكان في الصف الثالث بكلية الهندسة . فصل الطالب ( موسى عبد الحميد ) من كلية الهندسة بسبب الغش في الامتحان النهائي, ولأنه لم يكن مؤهلا لدراسة الهندسة واعتقاده بان علاقته المستمرة مع رئيس الجامعة ستساعده , وحسب ما ذكر البعض عنه . عمادة كلية الهندسة واساتذتها معروفين بالتشدد والدقة في الدرجات , واعطاء كل طالب حقه دون زيادة او نقصان ولا يتأثرون بالضغوط , لذلك رفضوا كل الضغوط لمساعدة رئيس الاتحاد الوطني لطلبة الجامعة , وتم الاعلان عن الامتحانات النهائية للعام الدراسي 1969-1970 , وكانت نتيجة (موسى عبد الحميد ) راسبا للسنة الثالثة , اذ عدته كلية الهندسة راسبا بجميع الدروس بسبب الغش في الامتحانات . قدم ( موسى عبد الحميد )شكوى لرئيس الجامعة وعمادة الطلبة ورعاية الشباب معترضا فيها على الامر الاداري في الكلية والقاضي برسوبه بسبب الغش , محاولا ومعتقدا تغير نتيجة رسوبه بعد تقديم الشكوى . رئيس الجامعة كلف عميد الكلية ورعاية الشباب لبحث الامر مع مجلس كلية الهندسة ولجنة الانضباط فيها , واجتمع معهم العميد وحاول ثنيهم عن قرارهم , الا انهم كانوا مصرين على رسوبه . بعد علم رئيس الجامعة بما جرى مع مجلس الكلية , عقد مجلس الجامعة اجتماعا واقر بما جاء به عميد كلية الهندسة برسوب الطالب بجميع الدروس بسبب الغش , وصدر الامر الجامعي بالرسوب والغش . تعرض عميد كلية الهندسة للتهديد بالقتل من الطالب ( موسى عبد الحميد ) بعد قرار الرسوب , وبعد ان فقد كل امل له مما دفعه لمقابلة رئيس الجامعة , فقام بالدخول عنوة الى مكتب رئيس الجامعة , وحدثت مشادة كلامية بينهما , وقد شهر (موسى ) بعد المشادة مسدسه بوجه رئيس الجامعة , الذي استطاع الافلات من مكتبه وكان ( موسى ) يتبعه داخل الممرات ويرمي الاطلاقات النارية وراءه , الى ان دخل رئيس الجامعة احدى الغرف في مبنى الرئاسة , اطلق القاتل على رئيس الجامعة في الغرفة اربعة اطلاقات نارية , اصابت احداها راسه ,والثانية صدره , والثالثة بطنه ,والرابعة يده اليمنى , وفارق الحياة على اثرها متأثرا بجروحه . الاستاذ في جامعة البصرة الدكتور علي الساعدي كان شاهد عيان ,وقد حاول التصدي للقاتل الشاب والاقوى منه بدنيا , بعد هروب جميع من كان في مبنى رئاسة الجامعة , وقد هربوا خوفا على حياتهم ولبشاعة الحادثة تم احالة المتهم في نفس اليوم الى محكمة الثورة المرسلة خصيصا من بغداد , والتي انعقدت في الساعة الثامنة والنصف من مساء نفس اليوم في قاعة التربية بمنطقة العشار في البصرة . صدر حكم الاعدام شنقا حتى الموت بحق القاتل في نفس يوم الجريمة ونفذ به الاعدام في اليوم الثاني , وامر رئيس الجمهورية بتعليق جثة القاتل بجانب باب رئاسة الجامعة , وبقيت حتى الظهر وبحضور جماهير غفيرة للمشاهدة . اوكلت رئاسة الجامعة بعدها للدكتور حسين عباس عميد كلية العلوم ,حتى استلام الدكتور نزار نظيف الشاوي , وقدم عميد الطلبة ورعاية الشباب استقالته لتأثره بمقتل رئيس الجامعة الدكتور (خليل ) حزنت جامعة البصرة بأساتذتها وموظفيها وطلبتها لفقد الدكتور ( خليل حميد الطالب ) الأستاذ والانسان , وخاصة في وقت كان الطلبة ينتظرون اقامة حفل تخرج طلبة المرحلة الاخيرة 1969-1970