كتب : ناظم عبدالوهاب المناصير
في نهاية خمسينات وبداية ستينات القرن الماضي ، كنتُ ألتقي مع أصدقائي في مقهى تقع يمين جسر المشاة المؤدي إلى سوق الصيادلة ( أو كما يُسمى سوق الهنود ) .. كانت تُسمى على ما أعتقـد مقهى سورين نسبة إلى ساعة سورين ـــ أتصلت ُ بالأديب جاسم عايف حول أسمهــا فظهر أنه لم تكن له معرفــة بهــا قدر ما كانت مقهى تقع في بدايــة شارع الصيادلة موقعها على نهر العشار ـ عندما كنتُ أجلس فيها مع بعض الأصدقاء لم تزغ عيناي أبدا” في النظر إلى الساعة ــ التي تهزم الوقت بدقاتها ــ متعجبا”… تم أنشاء برجها عام 1906 ، يقع على عتبة الجسر الخشبي المؤدي إلى سوق الصيادلة .. كان ينظر لها البصريون منذ ستة عقود من الزمن بعين الرضا والحب والأرتياح ، حيثُ كانت تُمثل لهم الرمز البصري لتاريخ البصرة المزدهر بالأنشطة التجارية ، لأنهــا المدينــة الكبيرة المعروفة بأرتباطها بالموانىء العالميــة يســتقر في حضنهــا هذا البرج ، يحمل في جوفه تلك الساعة المعروفة بساعة سورين .. جاء أسمها من أسم مصور بارع يدعى ( سورين ) وهو أرمني بدين كان يتخذ من فتحة الجسر مكانا” لكامرته الخشبية البدائية الشمسية ، وعلى ما يظهر كان دائم الأبتسامة البريئة ، ويرحب بالجميع في لهجته الساخرة ، مما وجد بالمقابل حب وتقدير الناس له والعطف عليه .. الساعة تتميز بجهاتها الأربع المستديرة يحمل برجها مؤشرا” ملاحيا” كبيرا” لتحديد أتجاهات الريح ، وأربعة أسهم مكتوب على أطرافهـا الحرف الأول للأتجاهات باللغة الأنكليزية : جنوب (s) غرب (w ) شرق ( E ) شمال (N ) .. تعمل بنظام ميكانيكي على ستة تروس مســننة ، بينما تعتمد الساعات الأخرى على ثلاثين ترسا” مسننا” أو أكثر .. صاحب المبنى الذي يحوي البرج والساعة ، كان تاجرا” يهوديا” من أصل روسي ، يعمل وكيلا” لشركة ألمانيــة متخصصة بأنتاج المحركات الميكانيكية والأدوات الكهربائيــة ، يضم المبنى مكاتب لأكبر تجار البصرة منهم : محمد الثنيان الغانم ــ محمد أحمد الغانم ــ ، وأشتمل القاطع الخلفي من المبنى على مكتب عبدالله الصقر وأخوانه ومكتب خالد العبداللطيف الحمد
وأخوانه قبل أنتقالهم وأستقرارهم في الكويت .. روى الدكتور المهندس وائل متي من مسيحيي البصرة المغتربين ، قصــة ساعة سورين الشهيرة لمن لم يعرفها ، كما بيّنـا لبعض النقاط فيما تقدم .. الدكتور وائل كان من سكنــة منطقة مناوي باشا القدماء ، لكنه هجر البصرة مع عائلته عام 2007 بسبب هجوم من جهة رهابية خطفت أخاه الأصغر .. ورغم الألحاح من قبل البصريين في عدم إزالة البرج ، لكنه أ ُزيل عام 1965 بأيعاز من ( متصرف اللواء حينذاك محمد الحياني ) ـــ ويقال حينها أن برجها كان آيلا” للسقوط ــ وقبل مضي شهور وأنا متوجه صوب العشار ، رأيتُ بناء” مرتفعا” على شكل برج ، ومنخلال أتصالاتي ، علمتُ أنّ هناك مهندسات مبتدئات ( كوثر جمال شهاب ــ أمنية أسحاق هاشم ـــ هبة عبدالجبار هادي ) سـِـرنَ على خطى المرأة الحديدية ( زها حديد ) فوجدن الرعاية الأبوية وحصلن على الدعم المطلق ، فتفجرت طاقاتهن الهندسية في مواجهة التحديات الصعبة ونجحن في وضع اللمسات النهائية لمشروع ساعة سورين … وزير النفط السابق جبار لعيبي أمر ببناء مبنى الساعة حسب التصاميم الموضوعة من قبل المهندسات ، كي تكون دقاتها تضفي في سماء البصرة بصوتها المبهر فتستفيق النفوس على وترية خالدة عند صباح كل يوم جديد ..
ـــ
ملاحظة : ومع كل الأسف رأينا كما وصلتنا أخبار نصب الساعة بأن المشروع قد توقف برمته وبقي البرج منتصبا” في تقاطع جسر منطقة الجزائر دون الساعة المنتظرة لتحل في مكانها الأنسب .. نأمل من السيد وزير النفط الحالي تلبية طلبنا ونصب الساعة لتكون رمزا” في تنبيه المواطنين في مواعيدهم .. ليت وعسى ..