كتب : زكي الديراوي ـ العراق ـ البصرة
تشديد الحجر لم يسمح لنا بزيارة أي صديق أو عائلة..لذا اتمنى من الجميع تفقد بعضهم البعض من الجيران بكرم أهلنا مما تيسر ..ففيها الكثير من رضا الله ..كيلو رز..كيلو طماطمة .كيلو طحين التواصل والمحبة.على الاقل بالسؤال. .. لذلك بدأت بنشر بعض قصص الذكريات ..اراها افضل من الاعلام الموجه والذي يسبب قلقا دائم ويخفض مناعة الناس ..الف سلامة للجميع .. خليك بالبيت وسولف على كيفك ..
قصة اليوم:-
الركن الهادئ وصديقة الهوى
…
اكتب اكتب قصة حقيقية ليس فيها أي سطر من الخيال كما رواها صديقي وهو بطلها:-
شارع الوطن أو الوطني في مركز مدينة البصرة ..هذا الشارع أيام زمان يعتبر كشارع الحمرا في بيروت أو القاهرة ..شارع لا يعرف النوم. شارع السحر والجمال والقصص الرائعة والفكاهة والنكات الخفيفة ..شارع يضج بالحياة بالحركة والانارة الملونة..صالات ..محلات للمشروبات الروحية ..مطاعم سينما الوطن الشتوية والصيفية .وكالات تجارية ..مكاتب طيران للخطوط الجوية لكافة دول العالم تقريبا .صالونات حلاقة نسائية ورجالية.خياطة للجنسين ..اسواق عالمية اورزدي باك ..الشركة الإفريقية والآلات الدقيقة ..ملاهي ليلية نوادي ليلية مخازن ..شارع يعتبر مدينة متكاملة تنبض بروح الحركة ..
القانون العراقي وقتها يسمح بفتح بار أو صالة أو إجازة استيراد وبيع المشروبات الروحية للاخوة بالديانة المسيحية فقط..
الركن الهادئ.. صالة مشروبات ومطعم في آن واحد ..مساحته كبيرة واجهته زجاجية جميلة أبوابه من الخشب الصاج الهندي المطعم بقماش القديفة الاحمر وكذلك الديكور الداخلي مع وجود غرف خاصة معزولة لبعض الزبائن وحسب الطلب للخصوصية..
يطل على شارع الوطن مباشرة وفوقه شقق خاصة ..وله بوابة أخرى تطل على الشارع الخدمي الخلفي للبناية..طبعا إجازة ممارسة العمل الخاصة بالركن الهادئ لرجل بصري من ديانة اخوتنا من الطائفة المسيحية لكبر سنه تنازل عنها بصورة سرية لصديقي المسلم مقابل مبلغ من المال تم الاتفاق عليه وهكذا سارت الأمور لفترة طويلة ..دون علم ومعرفة اي أحد من اهل الطرفين ..
من هنا ابتدأ صديقي حكايته ..قائلا الركن الهادئ ملكي بالحقيقة وبالاسم لصديقي المسيحي ..وعندما اعترضت عليه ضحك قائلا : وهل رأيت من اخوتنا مسيحيا يشرب خمرا ببار..أو يتمايل بشارع .ضحكنا واستمر بالحديث قائلا لاتقاطع حديثي ولاتعترض على الامور الغريبة…استيراد المشروبات لهم والسكر علينا…طيب..طيب .تفضل..
قال سيارتي وقتها آخر موديل شفروليت كشفي..السقف متحرك افتحه واغلقه حسب الظروف والحاجة..
لدي غرفة في الركن احتسي اغلب الليالي وحسب المزاج ..صحبة بعض الأصدقاء المقربين جدا..أو الصديقات من الراقصات الاجنبيات العاملات في الملاهي ..بعد منتصف الليل أتوجه بالقرب من الحدود الكويتية بالاتفاق مع بعض المهربين لشراء السيكائر الاجنبية مثل الروثمان والكينت والمارلوبورو والثري فايف والدنهل..والقيمر المعلب وبعض العطور مثل البروفسي والهافاك والجاسمين..ابادلها بالكعك والقرابيج والبخصم المصنع محليا وصمون الفرن الحجري والباميا والليف الخاصة بالاستحمام .و حنة الفاو .والخضروات..وغيرها حسب الطلب ..
توطدت علاقاتي باصحاب النوادي والبارات والمهربين…
ذات يوم طلب مني صديق أن أنقل أخيه الكبير وصاحبه للحدود مع الكويت .وقال انه يبحث عن عمل في الخليج ومعاملة جوازه تعرقلت كثيرا..
يسترسل بالحديث كنت في نشوة السكر وتغلبت الطيبة والكرم فقلت له اهلا وسهلا الليلة انقله معي دون أي اجرة..صديقي كاد يطير من الفرح وأسرع للبيت واحضر أخيه مع صديقه بثياب البيت أي الدشداشة العراقية مع حقيبة يد صغيرة ..وبعد تبادل التحايا والترحيب..طلبنا قناني بيرة إضافية على شرف حضور صديقي وأخيه وصديقهم .. شارف الوقت على طلوع الفجر بين الساعة والساعتين..انطلقت بالسيارة بأقصى سرعتها نسمات الهواء البارد تضرب بوجوهنا ونحن نغني من نشوة ماشربنا..كيف وصلنا لمكان تبادل المواد لا اعرف ولم أشعر بالوقت ولم انتبه للشارع رغم انه فارغ تقريبا من السيارات وربما صادفتني سيارات كثيرة لكنني لم انتبه لها ..استلمت السيكائر دون حساب واوصيتهم بالشابين توصيلهم..وعدت ادراجي بعد توديعهم..وصلت الركن الهادي قبل شروق الشمس بقليل استلم العامل السيكائر وبعض الطلبات ادخلها المخزن ودخلت غرفتي الخاصة لأخذ قسطا من النوم ..كنت متعبا جدا إضافة لما شربت..
وجدت إحدى الصديقات الراقصات نائمة في كالعادة فراشي.. .اضطررت النوم قرب السرير..حتى الساعة الرابعة عصرا.. حمام خفيف ..وجبة إفطار وهي وجبة غداء .. بعد ساعة رن الهاتف الارضي الموجود لدى المحاسب ..عدة كلمات وحمل الهاتف وقال تفضل اتصال لحضرتك.. نعم تفضل ..بعد التحية .اهلا وسهلا .
أخبرني المتصل والذي اتعامل معه دائما بشراء السيكائر وغيرها ..قائلا لقد ألقت الشرطة القبض على الشخصين ..فقلت له عادي اكيد كم يوم ويفرج عنهم ..قال نعم احببت اخبارك بالأمر .. شكرا اخي..ممنون .مع السلامة..
اخذ قدح ماء وشرب قليلا من الشاي ..وأكمل حديثه قائلا : مر يوم ويومين نسيت الأمر.. جلست مساء مع إحدى الجميلات نشرب بعض الكؤوس طرق النادل الباب مستأذنا..استاذ جماعة من الأمن يسألون عن مالك الركن الهادئ..اها اكيد تفتيش فاليتفضلوا.. دخلا الاثنان ..السلام عليكم ..لا نريد نأخذ،من وقتك كثيرا ..
ابدا تفضلا ..قال أحدهم عندنا أمر إلقاء القبض على زبون يتردد على البار دائما واخرجوا امرالقبض وسلمه لي….
يقول قرأته وانا ارتجف لان أمر إلقاء القبض كان باسمي شخصيا والظاهر انهم يعتقدون اني صاحب البار ..ولولا الإنارة الحمراء الخافتة لكانا انتبها لاصفرار وجهي وتعرق يدي..
ماذا اقول ..هل اقوم معهم ..اقول لهم تفضلوا البسوني القيود ..قال أحدهم اكيد تعرفه أنه من زبائكم..نعم ..نعم ..
ثم قالوا خذ راحتك بأي وقت يأتي البار هذا رقم الهاتف اتصل عليه..ونخشى انه قد بهرب خارج البلد.. سلموني بزنس كارت ..ورحلا.. استنشقت الدخان وكأنه إطلاق سراح و حرية من السجن .. الحمد لله يعتقدون اني صاحب المكان.. لقد طار السكر من راسي ..اتصلت على الاهل بالهاتف الارضي اسالهم عن أي أحد جاء يسأل عني ..اخبروني لم يسأل عنك أحد.. تنفست بحرية اكثر..ورجعت للشرب مع الحذر وأخبرت مسؤول الصالة اي شخص يسأل علي قولوا له اني في بغداد للتسوق..أمضيت ليلتي بالمشروبات القليلة جدا ولكني نمت في بيت إحد الأصدقاء.. الليلة التالية زاد الاطمئنان ورجعت لغرفة عمليات السكر والشباب ..شربت ..وقلت النادل جميع المزة اليوم مجانا على حساب المحل ..دون اعلان.. بالحساب احذفوها من القائمة أي مقبلات ..باقلاء ..لبلبي .جاجيك. حمص بطحينة .. سلطات .. الساعة تعلن العاشرة ليلا الصالة مزدحمة بالزبائن..والأجواء تكاد تكون ظلام ألا من مصابيح حمراء لا يكاد يرى ضوءها الخافت العمال منشغلين تجهيز الطلبات. والكؤوس .والنكات مستمرة بين طاولة وأخرى والضحكات المتتالية صداها يتردد بين الزبائن ..
وأضاف خرجت للصالة اتلاطف ببعض الكلمات مع الزبائن لمحت من خلال الزجاج الخارجي وقوف سيارة الأمن الفيات الإيطالي ونزول نفس الأشخاص الذين زاروا الركن سابقا ..أسرعت الخطى للغرفة الخاصة تناولت مفتاح السيارة (السويج) وانطلقت مسرعا من الباب الخلفي باتجاه سيارتي وعندما فتحت باب السيارة الامامي وجدت رجلا يجلس على كرسي القيادة ويمسك المقود ومعه رجل آخر بالمقعد الامامي وآخر بالمقعد الخلفي شاهرا مسدسه قائلا اصعد بلا ضجة..طبعا ابواب سيارات الشفروليت وقتها ممكن فتحها بالعملة النقدية (الدرهم) وقتها.خمسون فلسا وحتى يمكن تشغيلها بأي مفتاح ..
صعدت وليتني ماصعدت نزلت في دائرة الأمن وليتني ما نزلت..لم ارى الضوء وقتها والنور وكم هي كبيرة شمس الله اختفت عن ناظري… لا اعرف الوقت الذي يمر ليلا أو نهارا ..ولاارغب بذكر طريقة الترحيب لاني لااتمناها حتى للعدو.. فتحت النافذة السواد وجاء صوت عمي باكيا ..ماذا فعلت بنا وبنفسك يا غبي..عمي الغالي ..رجل كبير وقور مؤمن يخاف الله يمتلك مكبسا للتمور و (جرداغ)وبستان كبير من أرقى أنواع النخيل وبيوت وله جاه ووجاهة محترمة بين الناس .. قال طلبت مقابلة مدير الأمن لا يمكن إخراجك من هنا حتى بكفالة وسترحل للامن العامة الأدلة ثابتة عليك وموثقة انك حاولت نقل وتهريب سياسيين مطلوبين للعدالة وقد اعترفا بذلك ..عرضت عليهم التنازل عن جميع مااملك مقابل إطلاق سراحك..لا مجال لذلك وبكى قائلا ماذا اقول لامك وابيك واهلك ..كيف رميت بنفسك للتهلكة. وحتى المحامي رفض استلام الدعوة الخاصة بك.. شعر بالياس وانا كذلك..
وتذكرت منقذا للموقف.. فقلت له يا عمي ممكن تخبر فلانة وهي تتولى القضية ..فقال عمي هي محامية..
يا عمي فقط أخبرها..صاح الحرس يا حاج انتهت الزيارة ..همست له من خلال شباك النافذة اسم المرأة وعنوانها ..ودعني باكيا.. ولا امل لي بالخروج كما ظننت .. لا اعرف كم مر من الوقت على وجودي هنا.. ولكن الآن الساعة تعلن الحادية عشر ليلا كما أخبرني الحارس عندما فتح البوابة وطلب مني الذهاب للحمام قائلا اغتسل ..سألته هل سيتم ترحيلي للامن العامة الليلة ..فلم يجب دخلت الحمام لإزالة التراكم من الاوساخ والتعرق والاتربة ورائحة اليوريا التي التصقت بجسمي من النوم على الأرض الكونكريتية..
اعطاني صابونه وعندما انتهيت كان ينتظرني أمام الباب المفتوح اصلا وسلمني دشداشة لالون لها فجاء حرس آخر اوصلني لسيارتي وقال أخرج امك تريدك..من؟ لم يعد الجملة..امي ..امي ملكة ..وزيرة..قاضية ..امي امرأة فقيرة سلاحها السجادة والتربة والصلاة..وترفع يديها لله وربما لاتكمل جملة بصورة صحيحة ولكن قلبها فيه مافيه من حب لايوصفه كاتبا أو شاعرا.. ادرت محرك سيارتي تأخرت بعض الوقت لكنها انطلقت أخيرا ..البوابة مفتوحة برحابة صدر.. فكرت بعد الخروج الذهاب إلى صديقتي التي احتفظ بثياب كثيرة في بيتها ..والتي أعطيت اسمها لعمي..
عندما أوقفت السيارة أمام بيتها انطلقت الزغاريد الراقصة من الأجساد العارية ورشت فوق راسي الجكليت والكرزات وفتحت قناني الشمبانيا وقالت اشربن بسلامة ابننا..؟؟؟ عرفت ماهو قصد الحارس..من كلمة (امك )
وبعد القبلات والاحضان وزحمة الصدور والسيقان.. قالت: جاء رجل وقور يسال عن اسمي وعندما رأى الحبايب خجل وكنا نظنه يحتاج ليلة أو قضاء وقت هوى ..واحتبست الكلمات في حنجرته..
وعندما رددت عليه اسمي كما طلب قال قد اكون متوهما..فقلت له ياحاج تكلم ..فقال انا لااعرفك وإنما ابننا طلب أن اوصل لك رسالة .. ماهي حجي..بصعوبة قال انك مسجون بالأمن..قالت من ؟ من؟ فلان ..
تقول والقول لها ..هذا ابننا شكرا حجي .وصلت حجي الرسالة ..عندما قلت ابننا عمك الحاج بدأ جبينه يتصبب عرقا..وامامه اتصلت هاتفيا وانت الآن معنا اهلا وسهلا ..الحمد لله على سلامتك .. بنات حضرن الحمام والشراب والفراش لنقم لحفلة سلامة الحبيب… اكثر من شهر أخجل من رؤية عمي واتهرب من البيت وخصوصا بعدما عرف ان الركن الهادئ انا من يملكه عندما قال كنت أظن انك ستبني جامعا ..وترفع راسنا عاليا.. مات عمي وهو غير راض عني ...وغدا سأخبرك بحكاية أخرى..