كتب : زكي الديراوي ـ العراق ـ البصرة
يالها من كارثة اعان الله جيلا اصابته جائحتان واكثر في آن واحد ..وتغير الزمان اذ تغير الحكم من النظام الملكي عام 1958 الى الجمهوري .وبدأ الهبوط التدريجي والانحدار الى الوراء المظلم ..للاسف نحن البلد الوحيد بالعالم دائما ماضيه افضل من حاضره وحاضره افضل من مستقبله..ولم يستقر من عام 58ولليوم هو في حالة أشبه بالحجر كما هو اليوم
بالحجر الحربي الإجباري الحالي وكما يقول المثل العراقي ((اذا ضاك خلكك تذكري يوم عرسك) ونحن نتذكر الماضي بكل تفاصيله الجميلة حتى مع حالة العوز والفقر في زمن الملكية ..نتذكر كنا نقضي الايام بسعادة بين الدراسة أو العمل صباحا والامسيات بين السينمات والنوادي والملاعب الرياضية والملاهي والمقاهي والحفلات ومشاركة الناس أفراحهم بالاعراس فليس هنالك قاعة رجالية وقاعة نسائية ماكنا بحاجة إلى فيس بوك وواتساب كان التواصل مع الأحباب بالرسائل الصادقة ببطاقات ملونة بكارتات معايدة ..كانت أجمل هدية ((خصلة شعر من تسريحة الحبيبة.)).قطعة من ثوب ولو كانت صغيرة او منديل ملون وعليه أحرف حيكت مع صورة قلبين يتوسطهما سهم وذكر التاريخ. .جميعها كانت صادقة .رسالة من الحبيبة تضعها تحت الوسادة شهر وشهرين حتى تستلم اخرى ..وردة تحفظها بدفتر الدراسة أو تخبئها تحت الوسادة..او في جيب داخلي ..وتشمها كل حين ..صورة حتى وإن كانت شمسية او صورة ستوديو تحتفظ بها بالمحفظة وبين فترة واخرى تقبلها وتكلمها..
اه يااحفادنا اكيد لايعرفون ساعي البريد ولا صندوق البريد ..ولا السينما وفتى الاحلام وعشق الممثلين والممثلات والنجوم والاحتفاظ بصورهم.. كان التعارف يتم عن طريق مامنشور والمجلات من أسماء وصور واصحابها في مختلف البلدان العربية وننتظر الرسائل اياما طويلة..
يااحفادنا هل دخلتم لدور السينما واقتنيتم بطاقة فيها رقم المقعد وحرف ممر المقاعد .كنت احب الحرف ط ..لااعرف لماذا لكنه وسط الحروف. .وان جئت متاخرا يصطحبك العامل بهدوء مع مصباح يدوي حتى يوصلك الكرسي المخصص لك..لانه خلال العرض الظلام يسود المكان ..والحبيب يمد يده ليمسك يد حبيبته..او مكان اخر متاح ..تطفأ الأضواء لمدة ربع ساعة لعرض المقدمات من مقاطع الأفلام التي ستعرض في الأيام القادمة..وبعدها استراحة عشرة دقائق يتم خلالها جلب السندويش وقناني البيبسي كولا الزجاجية الباردة او السينالكو ..سندويش الروست او السمبوسة بالعنبة او الكباب والكبة والهمبركر.. واللسان والمخ وجليفراي ..
تتناول الطعام قبل بداية الفلم وحتى مع بدايته وتشرب البارد ..مع الكرزات ..وان صادف بالفلم لقطة بقبلة بين ممثل وممثلة تنطلق أصوات الصفير ..الصادرة من أفواه بعض المشاهدين اذ يضعون اصابعهم بافواههم وينفخون فتصدر صفيرا عاليا ..مازلت اتذكر قبلات عبدالحليم حافظ الساخنة لمريم فخر الدين .وكيف انسجم العشاق معها واشتروا صورة تلك اللقطة وتبادلوها هدايا ..وكذلك صور صوفيا لورين وسيقانها الطويلة .وجيننا لولو بروجيتا ومارلين مونرو كان الشباب يحلمون بهن ..والفتيات بالممثل الن دبلون. وجيمس بوند. عمر الشريف ومحمود ياسين وحسين فهمي .عشنا حياة فيها أنواع من السعادة والراحة النفسية يااحفادنا كيف ستكون حياتكم القادمة ..
هل تعرفون هواية جمع الطوابع ..
هل استعرتم كتابا ..وصورة لممثلة ليوم او يومين ..ورفض أحدهم إعادتها لانه وضعها معه في السرير..
هل اشتريتم قنينة عطر ..كانت من اجمل الهدايا..
هل تكلمتم مع القمر وراقبتم النجوم ..
أغلبنا ارسل رسائل لعبدالحليم وشادية ونجاة الصغيرة وام كلثوم وفريد ونجوى فؤاد وديع الصافي.وجميع النجوم وقتها.. وتلقى إجابة واحتفظ بالرسالة ..
هل اكلتم كماتيل (كرات سمسمية) من السمسم ..وكرات من التمر تسمى (هيس) مع الحبة الحلوة والهرش الحار… وحلاوة التمر. و كيك اسمه طابوق عمارة ..والحلقوم الذي يصنع من الفوح..
تلك كانت بعض حلويات الطفولة صناعة يدوية من نساء الزمن الطيب..
كنا نقف بالدور بصعود الباص ودخول النادي لم يزاحمنا شرطي او اي مسؤول..
ليس هنالك بيض بالبقالة او دجاج مجمد او اي قرمشات..
اللبن طبيعي ..وجميع المواد الأخرى. طازجة .
من الفجر تسمع صوت بائع الصمون من الافران الحجرية على دراجته الهوائية يدور بين البيوت.. طعمه لذيذ جدا .امرأة تطرق الابواب توصل الحليب الطازج والقيمر الزبد الحر ..ليس هنالك اي قنينة من البلاستيك ولا أكياس نايلون ابدا..
عندما عرض فلم برجو الهندي وام الهند اغلب العوائل البصرية حضرت لمشاهدته والذي استمر عرضة فترة طويلة وجميع العوائل تتذكره وتذرف الدموع على أحداثه..
وكانت هنالك سيارة تزور القرى لديها سينما عرض وشاشة تنصبها في مكان معلوم وتجلس الناس على الأرض تتابع الفلم .