كتب : جمال عابد فتاح ـ العراق
ان الأمراض المعدية وسرعة انتشارها تخيفنا، تمامًا كما يمكن للأخبار الخاطئة أن تنتشر بسرعة وتولد الشك بسهولة. و تعتبر دراسة العواطف في الصحافة الجديدة الآن مادةً لا يمكن تجاوزها لفهم طبيعة تأثير العمل الصحفي على الناس، فصناعة الإعلام تحدث تأثيرًا وتغييرًا في كل وقت، وفي حين أن المشاعر أشياء نحسّها كأفراد فإنها يمكن أيضًا أن تكون مشتركة وجماعية تنتشر عبر المجموعات والمجتمعات وتشكل ردود الفعل تجاه حدث ما. فالخوف مثل المرض ومثل الأخبار الزائفة، معدٍ ويمكن أن ينتشر بسرعة، بينما تزداد مسؤولية الإعلام، الوسيلة الأقوى والأسرع في نشر وإيصال الخبر والمعلومة، في ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فكيف لو كانت هذه الأزمة تلعب فيها العاطفة والحالة النفسية التحدي الأصعب في التخطي بأقل قدر من الخسائر. وقد نال تفشي فيروس كورونا (كوفيد-19) التغطية الإعلامية الأكبر من بين كل الأوبئة التي اجتاحت العالم على مرّ العصور، بما في ذلك تفشي إيبولا الأخير، إذ تظهر دراسة أجرتها مجلة التايمز الأمريكية أن عدد الصحف التي تناولت خبر انتشار الفيروس كان أكثر بـ23 مرةً مقارنةً بالفترة الزمنية نفسها لوباء إيبولا في 2018 وخلال الشهر الأول فقط من تفشي الفيروس. وقد حاول الإعلام العربي منذ بدء انتشار فيروس كورونا حول العالم نقل الأخبار وتعقب سير الفيروس وانتشاره ومدى جدية تهديده، في الوقت الذي كان لا يزال انتشاره أكبر خارج حدود المنطقة، في الصين وأوروبا ومناطق أخرى، فكان نشاطه ـ حينها – مقتصرًا على نقل أخبار الدول التي تفشى فيها الفيروس والخطط التي تسعى الحكومات لتطبيقها أو فرضها للسيطرة على الوضع. كما استمرت التغطيات بمتابعة ماهية الفيروس وكيف وصل إلى مرحلة “الجائحة”، مستعينًا بنقل الأخبار عن مصادر موثوقة أو غير موثوقة أحيانًا، الأمر الذي ساهم لاحقًا في انتشار كميةٍ مهولة من المعلومات غير الصحيحة مثل أن انتشار الفيروس نشأ من ((شوربة خفافيش)) في الوقت الذي ما زال مصدر هذا الفيروس غير معروف حتى الآن، كما تبيّن منظمة الصحة العالمية على موقعها بالإنترنت. ويقول المختصون إنه يمكن أن يكون المرض قد نشأ في مكان آخر إنما اكتشف في الصين. إذ لم تشر المنظمة حتى الآن إلى أي مصدر للفيروس وبالأخص كونه آتيًا من حيوان الخفاش، بل اقتصر تعريفها على أنه تم تحديد منشأه من سوق اللحوم البرية في مدينة (ووهان )الصينية، وهو المكان الذي لوحظ فيه الفيروس لأول مرة، بينما يقول المختصون إنه يمكن أن يكون المرض قد نشأ في مكان آخر إنما اكتشف في الصين. وقد أنتج انتشار وتفشي هذه المعلومات الخاطئة في كل مواقع التواصل الاجتماعي وتناقل الناس لها بالشك مرة والتهكم مرات، عنصريةً تجاه ثقافة الأكل الصينية بل والآسيوية بشكل عام، حتى وصل الأمر إلى التعامل بحدة أو الرفض مع الآسيوين المقيمين في بعض الدول العربية . بينما كان من المفترض بالكثير من المنصات الاعتماد فقط على تصريحات منظمات الصحة العالمية والمحلية الموثوقة، وأداء المهمة الكبرى التي تقع على عائق الإعلام في هذا النوع من الأزمات، وهي الحدّ من انتشار المعلومة الخاطئة أو تصحيحها على أقل تقدير باستخدام كل أنماط صناعة المحتوى البسيط والمؤثر، بل وتوجيه الناس للاستماع إلى ما تصدره الجهات الطبية والرسمية في الدولة، ففي حالات كثيرة يكون الناس بحاجة ماسة للتوجيه والإرشاد وسط تخبط الكثير من المنصات. أما عند اقتراب الفيروس من الدول العربية وانتشاره لاحقًا على نطاق أوسع في باقي الدول العربية، كان الجمهور العربي قد شكّل بالفعل صورةً مغلوطة عن ماهية الفيروس، وغاب كليًّا عن الطريقة التي يجب بها التعامل مع هذا الوضع من حجر صحي أو تطبيق تقنية المسافة الآمنة وغيرها من طرق التباعد، نتيجة غياب الاهتمام بالمعلومات المتعلقة بالصحة الجسدية والنفسية أيضًا. فالمحتوى المنشور صنعه صانعو المحتوى وهواة وليس المختصين، فنتج عنه محتوى مكررًا ولا يصب في هدف ما، وبالتالي انتشر الفيروس أسرع داخل دولنا العربية التي يفتقر أغلبها لنظام صحي قادر على مجابهة وباء كهذا. و يعزى قصور الإعلام العربي في تقديم أفضل ما لديه بالحالة التي عليها الإعلام والصحافة في وطننا العربي. و مهمة وسائل الإعلام تكمن في التوعية بالوباء والحد من التهويل والتهوين الذي يسهم في تصاعد حالة الخوف والهلع، ومن الأجدر الاستعانة بأهل التخصص وإعطائهم المجال للمشاركة في تصحيح وتقديم المعلومة الطبية، من خلال تسخير الشاشات والصفحات لهم كونهم خط دفاعنا الأول أمام هذا الوباء. وتلعب الكثير من الأمور دورًا في الشكل الذي تختاره المنصة الإعلامية للمشاركة في أزمات كهذه، بدايةً من مراقبة القرارات الحكومية ونقدها سعيًا لتحقيق المصلحة العليا أو انتقاء الأخبار والحقائق والإحاطة المطلوبة في التعاطي مع الأخبار السلبية واستعراض الإيجابية منه والمشاركة في صنع التسلية والترفيه بهدف خلق نوع من التوازن بتقديم الحلول والبدائل، إلى جانب نقطةٍ تكاد تكون الأهم في عالم التلفاز الذي شهد عودة جمهوره إليه بعد فرض الحجر المنزلي وحظر التجول في الكثير من الدول حول العالم وهي أسلوب المقدّم أو المذيع في استعراض الأخبار السلبية أو المحزنة، إذ استطاع الإعلام الغربي من خلال مقدّمي الأخبار تقديم صورة أقرب لرباطة الجأش منها للشك أو الحيرة. فكيف لو كان هذا المذيع يساهم في نشر الهلع أو الخوف عبر حساباته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي في الوقت الذي يتابعه الآلاف متخذين منه مثالًا مؤثرًا. وفي نفس الوقت، يعزى قصور الإعلام العربي في تقديم أفضل ما لديه بالحالة التي عليها الإعلام والصحافة في وطننا العربي، إذ إن الكثير من الحكومات العربية لا تتعامل ـ حتى الآن ـ بشفافية ووضوح مع منصات الإعلام والتليفزيون فيما يخص أعداد المصابين أو توضيح خططها لوسائل الإعلام للتعامل مع الجائحة. على عكس المتوقع، لم يسجل الإعلام الأجنبي موقفًا أفضل بكثير من العربي في تقديم هذه الأزمة لجمهوره، فرغم أنه يصعب رصد تعامل مختلف وسائل الإعلام الغربية وطريقتها في معالجة الأزمة، فإن الأرقام كفيلة بتوضيح بعض زوايا الإخفاق والنجاح. إذ يشير بحث صغير لكارين وال جورجينسين، وهي مديرة تطوير البحوث والبيئة في كلية الصحافة بجامعة كارديف البريطانية، أن الخوف كان السمة الأبرز في كل وسائل الإعلام الأجنبية في تقديمها لجائحة كورونا المستجد، فمنذ أن نُشر الخبر للمرة الأولى في 12 من يناير، وحتى 13 من فبراير الماضي تم نشر 9387 مقالًا عن تفشي الفيروس، من بينها 1066 مقالًا تطغى عليه سمة “الخوف” أو كلمات ذات صلة بالهلع والتهويل. وعلى سبيل المثال، استخدم 50 مقالاً عبارة “فيروس قاتل”، ملحق بصور من مدينة ووهان الصينية، فيما تداولها الناس على مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت أغلب التعليقات عنصرية تجاه ثقافة الطعام الآسيوي، أما باقي القصص فكانت تنقل صورةً عن أناس يرتدون الأقنعة الواقية بينما يفقدون وعيهم في الشارع، مما أدى لاحقًا إلى تشكك المئات من المواطنين الخائفين الذي يسكنون نفس المنطقة التي تم تداول الصور منها بأنهم مصابون بالفيروس. وفي مدينتا البصرة الحبيبة كانت خلية الازمة وعلى راسها السيد محافظ البصرة الاستاذ اسعد العيداني خير دليل على الاعلام الموجه في الازمات فقد كنا نلاحظه من خلال التسجيلات الصوتيه او المؤتمرات الصفية والتي يعقدها مع فريقه في خلية الازمة يوجه بشكل ملوحظ وكبير خوفه على حياة ابناء مدينته متمنيا منهم اخذ قرارات خلية الازمة على محمل الجد خوفا على حياتهم وحياة عوائلهم ومعربا عن اسفه لازياد حالات الاصابات بسبب عدم التزام البعض بهذه القرارات .وكلنا نتذكر الشخص الذي اراد ان يحرق سيارة الاسعاف بسبب ان احد افراد اسرته مصاب بهذا المرض الحطير وقد جاء وفد من صحة البصرة لاخذه للحجر الصحي وبعدها تم القبض عليه ,ولكن الاستاذ العيداني قد افرج عنه وهنا تكمن الابوة التي يتمتع بها العيداني في الحفاظ على اهل مدينته البصرة فعندما عرف الاسباب اعفى عنه . اذن فان الوعي الصحي والمجتمعي هو الكفيل باخذ الحيطة والحذر للتخلص من هذا الوباء والالتزام بقرارات خلية الازمة لانقول يقضي على المرض ولكنه يخفف منه . وفهمنا الخاطي قد زاد من سرعة انتشاره فالكثير من الناس ومن اصحاب المهن الحرة كسواقي التكسي واصحاب المحلات والعمال والحلاقيين قد تضرروا كثيرا من هذا الوباء بسبب غلق محلاتهم التي يكتسبون منها رزقهم اليومي فعليهم دفع الايجارات وتوفير سبل العيش لعوائلهم وكنا نامل من الحكومة ان تعوض هؤلاء كبقية الدول ولكن ذلك لم يحصل . والذي حصل في البصرة وغيرها من محافظات العراق هو قيام البعض من ميسوري الحال بتوفير سلات غذائية وبعض الادويه والمستلزمات المهمة وتوفيرها على العوائل المتعففه وهذا قد نتتج عنه شكر هؤلاء المتعففين وايمانهم بان الخير مازال موجودا وحتى السيد محافظ البصرة قد تبرع بمبلغ 200 مليون دينار من جيبه الخاص لمثل هذه الحالات . ونحن اليوم نعيش بالحظر الجزئي نتمنى من كل مواطنيننا ومجبينا الالتزام بالوعي الصحي ومقررات خلية الازمة للحد من هذا الوباء الخطير والقضاء عليه مستقبلا . نتمنى للجميع السلامة وان تعود حياتنا طبيعية كما كانت في السابق .