الرئيسية / الثقافية / شاكر العاشور … ذكريات …همسات ؛ وسطور تعب السنين 

شاكر العاشور … ذكريات …همسات ؛ وسطور تعب السنين 

كتب : ناظم عبدالوهاب المناصير ـ العراق ـ البصرة 

شاعر يهيم في بساتين خضرٍ واســــعة ، أحتارت كيفَ ولِمنْ تعْطي ثمـارهـا ..! .. يتأنى بكل حرفٍ حينمـا يصوغ همســات لغتـه البديعــــة .. يندفع إلى أمام بهدوء .. لـهُ وقفات فيهـا ينتظر شــيئا” ما .. يبللُ كفيـه بندى أعراش السمو والبهاء .. يتعطر في زمن اللوعة والقسوة والجراح بعطر زهر الجوري والأقحوان .. تتقرّح فيه الجفون .. وجنتاه.. ما بهما ؟ لكن يندفع الدم إليهما حينما يتغزل بعيني الحبيبة .. يتأسى بتعب الأضلع ..!! .. وحينما ينام يستلذ بالأحلام ؛ أشباحهـا مفرحة أو حزينة أو حتى أنهــا مخيفـة .. تعيش لديه الكلمــــة ، ما بين حدقات العيون وقطرات المطر وهسهسة الرياح في قمم الشجر .. كنتُ أبحث عن قصيدة .. كنتُ أرددهـا مع نفسي ، وحينما شغلني العمل ، أضعتُ أحرفهــــا … بحثتُ عنهـا لم أجدْها .. غابت أيقاعاتهــا .. فينزفُ الدهر عليهـا أكاليلَ الورد ، لكني لم أجد أحلى منهــا بأمضى حروف ومعنى .. فكم عشقت ُ الشـــعر ، لكنهـا كانت القصيــدة الرائعـــــة .. تستنطق بألأمل ملء ذاتي .. فآلهة الشعر قد تودع الشعر في غياهب الدنيا علنـا” أو سرا” .. والشاعر يبقى ينظر فيما حولهُ دون اكتراث .. يتحسس الأشياء في كل منحنياتها وإضاءاتها . قصائد شاكر العاشور ، تبتل برؤى شـــفافـة مرئيـة أو أنهـا تتأطر وتنتعش بصور أيحائيـة ، نجدها حبلى بأنغام جميلة ، تنطلق حيَّـة .. بارعة .. هادرة في لمسات فنيـة دقيقــــة بوهج حذق الأبداع ومواءمة الصياغة في الأسلوب والموضوع .. ! … شاكر العاشور ؛ نمط شَدَّتْـهُ تجارب عديدة ، قـد يكون في شــعره حركـــــة رصينة ورنــة شــفيفـة في حلم حزين ، لن يستقيم فيها التأمل والأمل ، إلاّ بخصوصية فريــدة ، لا نجدهــا إلاّ في ماء سواقيه الصافية العذبة ..! ولد في البصرة سنة1947 … بدأ نظم الشعر سنة 1965 .. كتبَ قصيدة للوطن وقصيـدة الصدق والعشـــــق والمحبة … قصائده ، وكما يقول عنه الدكتور محمد صابر عبيد ( تستحق القراءة والتــأمل ، لما فيها من هدوء وتأمل وحس شعري عالٍ ونزعة أنسانية عميقــة ) .. في قصيدته ( ظمأ ) يوضح سـعير القلب في شــوقٍ وتأسٍ، وتكاد تأخذ مسار القصائـــــد التي تغلب عليهــا صفتها الذاتية والإنسانية ، لأنهُ في شــوقه تأمل وأمل في ملحمـة لم تكتمل

بعـد ..!

حَمَلتُ فوقَ شفاهي ألفَ ظامِئَةٍ ،

من الجرار ،

وفي كَفَّيَّ أشــواقي

مضنى” ،

يُخَضِّبُ ، في لَفْحِ الهجير دمي

شوكَ الطريق ،

ولَصّفَ الرَّمْل مِهراقي

وتحت كُلِّ نُجومِ الكونِ ما هَدَأتْ

تمتدُّ .. راعِشَةَ التَّطوافِ

أعراقـــي :

يا ساكني أرْضِنا الدُّنيا..

.. لَفي وَهَجِ العُمْر الشَّــبابِ

نَعيتُ الكأسَ والسَّاقي

وعُدْتُ بالشَّــفَـةِ الغَبْراءِ ،

يلهثُ في

كُلِّ الدروبِ ، إليكُمْ عُمْريَ الباقي .

– من ( قصائد أولى )

نجد في شعره صورا” إبداعية ، متزنة خلاّقة .. تنهال منهــــا على مسامعنا دفقات لشهقاتٍ بعيـدة ، قـد تكون طارئة على النفس ، لكنها قريبـة تتنازع في ألوانهـا العديــــدة مدارج التلقي ، فيحركهـا القلب بانسجام  واداءٍ راقٍ .. ، وإذا ما تمعنّا في أحرفها لم نجد أي تصنع قد يغلفهــــا وإنّما تحدوها حرارة وهج الشمس في صباحات الأيام ودافئة في ليالينا المقمرة ، يستجيب لهــا التناغم الإبداعي في إيقاعات خالية من النشاز الوظيفي لجميع الكلمات ، عامرة في بهجتهـا … ساحرة في تسلقها صوامع الأماكن والأزمان ” من زنزانة الموت والصحراء والليالي والأسحار”

– قصيدة ( في حضرة .. المعشوق والعاشق )

من قبل أن آتيك

أشرعتث وجهي زهرة” لمطر الصُّبحِ ،

وناديتُكَ من زنزانةِ الموتِ

حياتي منكْ

سحبتُ أجزائي من العَتمةِ ،

والرُّوحَ من الغربةِ ،

والصَّوتَ من الصَّحْراءْ

أغريتُ قلبي بحنين الحُبّْ ،

وبدلال الرَّبْ ،

أسلمْتُـهُ للنـار ، للعنقاءِ ، للدَّهشـةِ ،

والمفاجأةْ ،

للضَّحْكِ والبكاءْ،

ورعشةِ النِّداءْ .

يا مَنْ على حُبّي لـهُ افتَرَيتْ ،

وصان  أسرارَ لياليّ وأسحاري

وأفشيتُ ،

وكابرتُ ،

وناداني ، وما أتيتْ .

يا ناصري

وهاجري 11/4/1972

ــــــــ

أرضُ شــاكر العاشـور تمور تحت قدميـه ، محملـة بالعطاء ، تتسع للقاء يغازل الشوق في وطن الروح .. فتتناغم ترانيم البلابــل بلحن ما عـــاد يضيق في مداراتـه ، لتشكل لديه مجموعـة من رؤى متحمســة تطيل التركيزَ في فضاء أرحب .. يداري سلســلـة من الأطياف تُعَبِّرَ عن زمان غير مستقر ، فيـه جرح العاشقين لا يندمل فحســــب ، وإنّمـا يعطل في كوامنـه تلهف الحيــارى

المطمئنين …

– الموت

توسَّدَ صخرة” عجْفاء ،

وضاجعهــا .. لعلَّ الماءْ

سيولدُ من ثناياها .

فلا عيناهُ ذاتُ رؤى” ،

ولا ليلاهُ عيناها

تبرُّ نداءَهُ المبحوحَ ..

تُرشـــدُهُ لنبعِ الماءْ .

ويبقى دونما عينين ــ يرشــفُ لفحةَ

الرَّمضاءْ ..

.. ( وأنتِ كذاك يا أمّي

مع اللّوامِ في ذمّي ؟

وياأوّاهُ يا وطني..

.. أحسُّ بأرضِكَ الموتا

على شفتين أيبسَ قيظهـا الصَّوتا ،

ويا ليلايَ ، يا دنيايَ .. حُمَّ الموتُ ،

يا أملي ،

وتاقتْ جبهةُ المحمومِ ، تنهشُ وحشةَ

القُبل،

شاكر العاشور ، يستلهم موهبته من خزين الزهد والتواضع ، ومن واقع قـد يكون عقيما ، لكن يمنحه تصورات أفقيــة وعموديـة في أشتباك دائمي مع الزمن ليؤدي رسالته في توطين النفس بأرفع شأن ومجال .. يثري في حركته خصوبـــة نادرة في الشـــعر الإنساني المتفاعل بجـدٍ وديمومة مع الحيـــاة ، لذا فأنّ مشـــــاعره تَحْتدم وأحاسيسهُ كأن تصرخ وتستنجد بآخر يـدٍ تمتـدُّ إليـه لتنقـذه مـن غرق محتوم … فالليــالي منـذ أنطفـأت أنوارهـا وصباحاتـه التي أشـــرقت مـن عيني ولده (علي ) قـد غامت وهو يركضُ من باب إلى باب ليستهدي إليـه ، لكـن دون أن يصل

– ( مرثية لأولِ العُمر ) ــ شاهدةٌ على قبر ولدي .. علي..

دائما” ينهضُ بي ليلي من النَّوم ،

ويُرسيني عليكْ .

آهٍ .. يا أجمل مَنْ نامَ ، ومَنْ

لمْ تغفُ ، من وجدٍ ، بليلِ الليلِ

أشواقي إليك .

آهِ ” علاوي “

الليالي أنطفأت

منذُ انطفأت ،

وصباحاتي التي تثشرقُ من عينيكَ غامت ،

وأنا أركضُ من باب إلى بابٍ

لأستهدي إليك.

آهِ ” علاوي “

قد ازدانت زهور البيتِ ،

والكُنتُ أراعيهــا

لأُلقيها عليك .

آهِ ..

كيفَ

اخترتَ أنْ تزرعَ أزهاري ،

ولا يقطفُها عطفُ يديكْ ،

فلسفته تنبع من مخاضاتٍ عســيرة ومن إرهاصات وجع ومأساة الأنســان ، لكنهــا قـد تكون ذات ســمات مليئــة بالمرارة والفرح في آن واحد ، إذ نجـده يغوص في العديـد من كتب التراث ، كما أنهُ يرفع من مقدرته في تماسك النفس وتماسك في البصيرة عندما يكون أسيرا” للموروث وأسيرا” للتجديد .. فقصيدة (أخرج من جوفي يا يونس ) تلزمنا أن نقرَّ لما مضى وفي عيوننــا

إلى ما نرى ..!

-( أخرج من جوفي .. يا يونس )

تتناثرُ في جوفي خُطواتُكَ يا يونسْ ،

تسحقُ أعصابي ، تمتدُّ على جرحي ،

تُؤذيني ،

وشراييني..

.. أشعرُ أنَّ يديكَ تُمزِّقُهـا ..

.. نظراتِ الحقدش بعينيكَ تُجَمِّـدُ فيهـا

الدَّمْ ،

وأنا في ليل البحر ن أجوبُ البحرَ ،

بليل الليل .. وما مرفأ .

نَمْ يا يونسْ ،

يا يونسُ نَمْ .

. .

يا يونسُ .. آهٍ يا يونسْ

أمس التمعتْ عيناكَ بماءِ الشَّمس

على ساحلْ ،

أطفالُكَ يمتضغونَ الصَّمتَ على

صخرهْ ،

وثيابُهُمُ تتسلقُ صاريّـا” راحَ يدورْ

حولَ الجرفِ ..

.. عليكَ يدورُ ..

.. لعلَّكَ جئتْ ،

ونظل نتابع ونســتقصي شعرا” يأسـرنا في شــدوٍ مفرح مرة ، وكما يحزننا نحيب الذات منه مرة أخرى ..!! وفي خطٍ متوازٍ ســــــمحنا لأنفسنا أن ندخل في صومعته لنجد أن له الباع العتيــد في جمع وتحقيق

دواوين وكتب لشعراء وكتاب منهم :

ديوان عُمارة بن عقيل 1973

ديوان محمد بن حازم الباهلي 1977

كتاب ( المسائل والأجوبة ) لأبن قتيبة 1974

تحسين القبيح وتقبيح الحَسن ــ للثعالبي 1981

المذاكرة في ألقاب الشعراء ـ للمجد النشّابي الإربلي ــ 1989

ديوان أبي الفتح البستي ــ النسخة الكاملة 2006

– القصائد الواردة في هذه المقالة مستلة من كتاب الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر

شاكر العاشور ( تلاوة في ما قالته ريما للشمس ) الجزء الأول ..

ناظم ع. المناصير 26/7/2017

شاهد أيضاً

قـراءة فـي روايـة فـرانكشتاين  في بغـداد )) للروائي احمـد سـعـداوي

كتب : جمـال  عـابـد فتـاح ـ العراق هذه الرواية من طباعة منشورات الجمل / بيروت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.