كتب : عبدالسادة البصري ـ العراق
لو لم يكن هناك مَنْ كتب ملحمة كلكامش ، لما عرفنا بعضاً من تاريخنا القديم ؟!
ولو لم يكن هناك مَنْ كتب ملحمة الخليقة ، لما عرفنا كيف بدأ الخلق ؟!
ولو لم يكن هناك مَنْ كتب ملحمة المهابهاراتا ، لما عرفنا بعض تاريخ الشعب الهندي ؟!
ولو لم يكن هناك مَنْ كتب ملحمة الشاهنامة ، لما عرفنا بعض تاريخ الشعب الفارسي ؟!!
ولو لم يكن هناك مدونون للألواح والتعاليم والكتب السماوية ، لما عرفنا الأديان وتواريخ الأمم والشعوب منذ بدء الخليقة ولحد هذه اللحظة ؟!!
ولو لم يكن هناك شعراء وكتّاب وموثقو سِيَر الشعوب ، لما عرفنا أي شيء أبدا ؟!
لأن الشعوب والأمم لن تظل حيّة إلاّ بتدوين تاريخها وسيرة أبنائها ، وما تتركه من أدب وفن وموسيقى ، لهذا بقينا نتداول الحكايات ونستأنس بما يُذكر من بطولات وقصص حب وغرام وأساطير هنا وهناك !!
فالأولوية وقصب السبق لمن يبدع في تدوين هذه القصص والحكايات والأساطير والبطولات شعرا أو نثرا أو كتابات تاريخية وروايات أو منحوتات وتماثيل ورسومات ومعزوفات موسيقية !!
إذاً هؤلاء المدونون ــ الشعراء والكتّاب والفنانون ــ هم الثروة الحقيقية للبلدان والشعوب وستبقى بعد أن تنضب كل الثروات الأخرى من نفط وصناعة وزراعة ، لأن الثروات النفطية وغيرها عامل مساعد لتقدّم الشعوب والأمم وتطورها ، بينما الأدباء والفنانون عامل أساس في خلودها عبر كل الأزمان والحقب!!
لهذا علينا الاهتمام بهذه الثروة الحقيقية من خلال الوقوف على متطلباتهم واحتياجاتهم ودعمهم وتشجيعهم كي يبدعوا أكثر فأكثر ، لا أن نتركهم في مهب الريح تتلاطم عليهم الأزمات يمينا وشمالا ، ثم يسقطوا لا ناصر ولا معين ، وتظل كتاباتهم ترثيهم ، لأنهم قدّموا عصارة أفكارهم وزهرة أعمارهم لمجتمع لم يعرف قيمتهم وثمنهم ، بل تركهم يواجهون مصائرهم فرادى !!
ولن يكون الاهتمام حقيقيا ونابعا من صميم ضمائرنا ونفوسنا إذا لم نقف بشكل جديّ على كل ما يديم إبداعهم وحلّ أزماتهم من سكنٍ يليق بهم ومصدر عيش وطبع نتاجاتهم وترويجها والاهتمام بهم صحيا ومعالجتهم والسؤال عنهم بين آونة وأخرى ، لا أن نتركهم جسرا واهزوءة لمن هبّ ودبّ ممن ليس لديهم من الخلق الإبداعي شيء ، ليتسلقوا على أسمائهم و إبداعهم بطرق واهية اغلبها مكشوفة القصد ومزدراة من خلال الادّعاء بتكريمهم والاحتفاء بهم ، لكنهم في الحقيقة والواقع يكرمون أنفسهم ويلمّعون صورهم وأسماءهم النكرة من خلال هذه الاحتفائيات ، متناسين أنهم سيرحلون وستُنسى أسماؤهم ويذهب كل ما قاموا به من ترتيب وتلميع وادّعاء في مهب الريح لأنهم لم يتركوا أثراً إبداعياً يدل عليهم ، بل ستبقى أسماء المبدعين من الأدباء والفنانين خالدة يتداولها الناس كلما قرءوا كتابا أو استمعوا إلى أغنية أو شاهدوا فيلما أو لوحة ما !!
المبدعون من كل الأصناف والأجناس والأجيال هم الثروة الحقيقية والخالدة للوطن والناس جميعا ، على المسؤولين أن يعوا هذه الحقيقة ويلتفتوا إليهم ، لأنهم ــ اقصد المسؤولين ــ ذاهبون وسيبقى المبدعون ، فما عليهم سوى أن يتركوا أثرا أو بعض ذكرى من خلال اهتمامهم بثروتنا الحقيقية بشكل حقيقي وصادق بعيدا عن الفساد الذي أكل الأخضر واليابس وأضاع البلاد والعباد !!