الرئيسية / آراء حرة / على عتبة الرصيف

على عتبة الرصيف

كتب :  محمد أرزيقات ـ فلسطين

الساعة السابعة صباحا يقف بالقرب من الحاجز الحديدي الحاج نعمان غير مكترث بأعباء العمر حيث تجاوز الخمسين عاما.
يتمتع بشخصية قوية ذات خصال جميلة ، يقابلك بوجهه البشوش ، يقطع مسافة طويلة مشيا على الأقدام باتجاه بسطة يبيع عليها المشروبات الساخنة فوق عتبة الرصيف ، فجأة يرتفع بوق إحدى السيارات.
من الخلف يركض باتجاهه شخص ينادي :
حاسب حاسب يا حاج السيارة. السيارة

يتقدم نحوه ممسكا يده: أنت بخير يا رجل؟ كادت السيارة تصطدم بك.
الحمد لله يا بني ، بخير لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.

يشيح بوجهه عنه ، يتابع السير نحو الطرف الآخر بعيدا عن شلال السيارات المتدفق بكلا الاتجاهين إلى أن يصل
إلى عتبة الرصيف الذي يخيم فيه لعمل القهوة والشاي ، ينادي بصوت مرتفع لكى يقبل عليه الزبائن ، يتخلله بعض الأهازيج الشعبية القديمة الخاصة بوسط ازدحام الناس ، تندفع صبية في العشرين ربيعا ، تردد بابتسامة نفس الأغنية التي يصدح بها، يستغرب الحاج نعمان لأمرها. يرفع يده إليها بأن تقترب منه…
– مااسمك يا بنتي
زينب ياعمي الحاج نعمان،

أخذ يصفن قليلا ثم يسألها:
عجيب،عجيب كيف عرفت اسمى،وتغني نفس الأغنية

الغارقة منذ القدم؟! تكلمي…
أنا بنت عبد الله جابر ياعمي.

لمع الاسم في ذاكرة الحاج نعمان مثل البرق يسترجع الذكريات قبل ثلاثين سنة ، عبد الله جابر ذلك الصديق العزيز كان يبيع الخضار بجانبه، توفي بحادث السيارة يخرج الحاج نعمان تنهيدة من أعماق القلب ، يهز رأسه
آه يا عبد الله جابر ، كم أفتقدك يا صاحبي ، كنا نطوى الأيام بعزيمة ، نتقاسم الفرح والحزن. نضمد جراحنا بالآمال والأحلام، بالغد المشرق ، يدنو الحاج نعمان من زينب يمسح رأسها، يتبادلان الحديث قرابة نصف الساعة ثم تسلم عليه :
أراك بخير يا عمي
مع السلامة يا بنتي ..

يعاود النداء ثانية ، الحاج نعمان مسرور ، كأن العيد حط ركابه ، يستعيد شبابه من عبق الذكريات مع صديق عمره القديم ، لم يدم هذا الشعور الجميل طويلا ، تتوقف سيارة فارهة بالقرب منه ينزل شاب وسيم يضع نظارة شمسية يرتدي بدلة عصرية ، يباغته بالكلام :
لماذا انت عنيد يهديك ربي لو تجلس في البيت ، وكل ما تطلب مجاب لك ،إني أخشى عليك المرض والتعب .

يرد الحاج :
يا بني إن العمل عبادة وقد ورثت عن جدك هذه المهنة ،ليس الغنى يمنع العمل ولا الجلوس يريح النفس.

فقام الشاب بعرض شراء محل لوالده بدلا من البيع على عتبة الرصيف؛ لكن الحاج نعمان رفض العرض وقال له:
هذه العتبة هي سعادتي ، ذكرياتي…عمري كيف اتخلى عنها
وأتركها ببساطة؟! فأخذ الشاب يقبل رأس والده مغادرا ، يركب سيارته قائلا له :
– أنت لاتتغير كالعادة يا أبي على عتبة الرصيف

شاهد أيضاً

الذكرى الثامنة لبيعة ولي العهد: عهد متجدد ونور يقود المستقبل في ليلة مباركة

بقلم د / أحمد بن حمد البوعلي رئيس الهيئة العامة للأوقاف بالشرقية رئيس مجلس إدارة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.