الرئيسية / آراء حرة / نظرة على الاقتصاد الأوروبي في 2025

نظرة على الاقتصاد الأوروبي في 2025

الأضواء / فارس آل سلمان

رئيس الهيئة الادارية لمنتدى بغداد الاقتصادي

يحمل العام الجديد 2025 تحديات وجودية للاتحاد الأوروبي. ابتداءا بالتحديات الجيوسياسية، والتنافسية الاقتصادية، فضلا عن الاضطرابات السياسية في ألمانيا وفرنسا. يضاف الى ذلك صعود دونالد ترامب لسدة الحكم. كل ذلك يضع قدرة الاتحاد الأوروبي على الصمود على المحك. اذ تهدد جملة التحديات اقتصاد اوربا، و هذا بدوره ينعكس على استقرارها السياسي والاجتماعي. فالحرب الاوكرانية وتداعياتها، و ارتفاع مؤشرات التضخم ، و تباطوء النمو، و تهديدات الرئيس الامريكي المنتخب بفرض تعريفات جمركية تتراوح بين 10%-20% على جميع الواردات الأمريكية، اشاعت حالة من عدم اليقين بين الشركات الأوروبية وأدت إلى تساؤلات حول كيفية استجابة اقتصاد منطقة الاتحاد لهذه التحديات.

كان للحرب الاوكرانية الاثر الكبير على الاقتصاد الاوربي، فمن صدمات العرض الى ضعف الطلب، ثم ارتفاع اسعار الطاقة، الى هجرة الاستثمارات، و افلاس الشركات، و تسريح العمال، وغيرها من المشاكل التي بدات تتفاعل بشكل عنقودي، ضاربة اقتصادات دول الاتحاد، و ادت لاسقاط الحكومات في اكبر اقتصادين في الاتحاد وهما المانيا و فرنسا.

يعد التضخم في منطقة اليورو اهم مؤشر في نظر المواطن الذي يعيش تحت علم الاتحاد الاوربي. هذا المؤشر الذي انخفض لفترة محدودة إلى ما دون هدف البنك المركزي الأوروبي حيث وصل الى 1.8٪ في ايلول/سبتمر 2024، لكنه ارتفع مرة أخرى فوق هدف 2٪ في نوفمبر/تشرين الثاني 2024. ودفع ذلك البنك المركزي الأوروبي الى خفض توقعاته للنمو في منطقة الاتحاد لعام 2025 إلى 1.1٪.

من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.8٪ في منطقة اليورو في 2025 و يعتبر ذلك تحسن عن معدل النمو السنوي لعام 2023 البالغ 0.4٪، لكنه بعيد كثيرا عن 3.4٪ لعام 2022 ( قبل الحرب الاوكرانية).

و كان البنك المركزي الأوروبي قد خفض أسعار الفائدة للمرة الرابعة والأخيرة ل 2024. ومن المتوقع ان يكون هناك تخفيض آخر يبلغ 25 نقطة أساس عندما يتخذ مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي أول قرار له في عام 2025. في حين يرى مختصون انه ليس كافيا و يجب ان يكون التخفيض بمقدار 50 نقطة أساس.

ويتوقع الاقتصاديون أن يتم خفض سعر الفائدة الرئيسي للبنك المركزي الأوروبي والذي يبلغ حاليًا (2-3%) بحلول منتصف عام 2025، في حين يتوقع اكثرهم المزيد من التخفيضات في النصف الثاني من العام.

وفي اخر استبيان لثقة المستهلك، وجدت المفوضية الأوروبية أن ثقة المستهلك انخفضت بنسبة 1.2 نقطة مئوية على أساس سنوي في منطقة اليورو. و بذات الوقت ظل مؤشر الثقة الاقتصادية للمفوضية الأوروبية (وهو مؤشر ثقة مستمد من استطلاعات رأي الشركات والمستهلكين) مستقرًا، لكنه بقي أقل من متوسطه الطويل الأجل طوال العام، وهو حاليا أقل قليلاً من مستواه في نهاية عام 2023. و يرى المراقبون إن تغيير السياسة النقدية في أوروبا يمكن أن يساعد في تعزيز مستويات الثقة المتأخرة.

لسنين طويلة كانت المانيا هي قاطرة الاتحاد الاوربي و الركيزة الاقتصادية الصلبه لاغلب دول الاتحاد. بل كانت نموذج ناجح لدول الاتحاد في اوربا الشرقية في مرحلة التحول من الاقتصاد المركزي الى اقتصاد السوق. الى ان جاءت الضربة القاصمة في الحرب الاوكرانية حيث ارتفعت اسعار الطاقة، و تبين ان العملاق الالماني يقف على ارجل من صلصال، بل اصبحت ألمانيا “الرجل المريض في أوروبا”، في وقت تبدو فيه اقتصادات أخرى تنتعش مع الوقت في جنوب أوروبا. وهي اقتصادات البرتغال وإيطاليا وأيرلندا واليونان وإسبانيا، والتي كانت جميعها تعد تاريخياً عرضة للازمات المالية و لعدم الاستقرار الاقتصادي.

حيث تتنبأ منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن تشهد إسبانيا ثالث أقوى نمو بين جميع دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية هذا العام. ومن المتوقع أن يبلغ النمو الاقتصادي اليوناني 2.3% في عام 2025. بالعموم ستعاني الأسواق المالية في أوروبا في الأشهر الستة الأولى من عام 2025.

و جاءت تهديدات الرئيس المنتخب ترامب بفرض تعريفات جمركية على الصادرات الاوربية لتشكل ضغطا فاعلا على الاقتصاد الاوربي. فالتعريفات الجمركية بنسبة 10% ستخفض الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي بنسبة 0.3% بحلول عام 2026، في حين أن حربًا تجارية جديدة بين الولايات المتحدة والصين قد تضاعف الضرر في البلدان المعرضة للخطر مثل ألمانيا. وهذا سيؤدي الى تفكك الاقتصاد العالمي و الذي بدوره سيضر بأوروبا على المدى البعيد حيث انها تعتمد على التجارة .

وتواجه أوروبا أيضا حالة من عدم اليقين السياسي داخل حدودها، مع وجود اثنين من أكبر اقتصادات المنطقة، فرنسا وألمانيا، في خضم الاضطرابات السياسية. حيث أن فرنسا وألمانيا في وضع اقتصادي وسياسي سيئ للغاية وهذا سينعكس على الأسواق و سيؤدي ذلك الى هزات ديماغوجيه عنيفة.

بالمقابل هناك متطلبات سياسية مطلوبة من الاتحاد الاوربي منها مواصلة الدعم المالي والعسكري والدبلوماسي لأوكرانيا، وفي ذات الوقت تعزيز قدراته الدفاعية الخاصة وتلبية متطلبات الرئيس المنتخب ترامب بتخصيص على الاقل 5% من الموازنات الاوربية لدعم تسلح حلف شمال الاطلسي (الناتو). و اكثر ما يقلق قادة الاتحاد الاوربي هو ان ينسحب الرئيس ترامب من حلف الناتو وهذا قد يقلب الأمن الأوروبي رأسا على عقب، ويوقف الدعم لأوكرانيا، وفي الوقت نفسه يطلق العنان لحرب تجارية مع فرض رسوم جمركية باهظة على السلع الأوروبية الواردة للولايات المتحدة.

من المتوقع أن تنشر المفوضية الأوروبية ما تعرف ب (بوصلة التنافسية) في 15 كانون2/يناير الجاري، اعتمادا على ثلاث ركائز تضمنها تقرير دراجي (تقرير أصدره الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي ورئيس الوزراء الإيطالي السابق ماريو دراجي في شهر ايلول/ سبتمبر الماضي) وتتمثل:

1- سد فجوة الابتكار مع الولايات المتحدة والصين.

2- وإزالة الكربون.

3- تعزيز الأمن الاقتصادي مع تقليص التبعية للآخرين.

و من المتوقع أن تكشف المفوضية الأوروبية في شباط/ فبراير عن خطة تهدف إلى دمج ملف حماية المناخ مع السياسة الصناعية.

و كي يتمكن الاقتصاد الأوروبي من منافسة الصين والولايات المتحدة، يحتاج إلى استثمارات إضافية بقيمة تتراوح بين 750-800 مليار يورو سنويا، بحسب تقرير دراجي. وتمثل كيفية توفير هذه الأموال قضية رئيسية، فلم تعد الشعوب الاوربية تتحمل المزيد من الضرائب حيث اصبحت اوربا بيئة طاردة للاستثمارات.

ومن المقرر عقد أول قمة رسمية للاتحاد الأوروبي خلال العام الجديد، يومي 20 و21 آذار/مارس المقبل، في بروكسل. في وقت تواجه الاتحاد عواصف سياسية. فهناك انتخابات مبكرة في المانيا في 23 شباط/فبراير المقبل. وتعاني فرنسا من حالة عدم الاستقرار السياسي ففي 13 كانون1/ديسمبر الماضي تم تعيين فرانسوا بايرو (وسطي) رئيسا للوزراء، وكلفه الرئيس ماكرون بمهمة شبه مستحيلة، تتمثل في إخراج فرنسا من الأزمة السياسية التي استمرت شهورا. وبيرو هو سادس رئيس وزراء في ولاية ماكرون، والرابع خلال عام 2024.

و تواجه باقي دول الاتحاد مشاكل سياسية جمه، فبلغاريا تحاول تشكيل حكومة مستقرة، بعد انتخابات برلمانية مبكرة لمرتين في 2024 وأدلى الناخبون البلغار بأصواتهم 7 مرات في انتخابات عامة منذ عام 2021.

أما رومانيا التي تواجه عواصف من المشاكل الانتخابية، إثر إلغاء الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي شهدتها البلاد في تشرين2/ نوفمبر 2024، وسط تقارير عن تدخل روسي، ما أدى إلى إلغاء نتائج النجاح المفاجئ الذي كان حققه المرشح اليميني الموالي لموسكو كالين جورجيسكو. ويتوقع الآن إجراء انتخابات جديدة في شباط فبراير أو آذار/مارس 2024. وهناك ايضا انتخابات رئاسية في بولندا في آيار/مايو المقبل، في خضم رئاسة البلاد للاتحاد الأوروبي.

في النهاية يعد تعزيز القدرة التنافسية لاقتصاد الاتحاد الأوروبي قضية ملحة في جدول اعمال الاتحاد خلال 2025، إذ يتخلف الاتحاد على نحو متزايد عن الولايات المتحدة والصين، خاصة في مجالات التكنولوجيا المتطورة والابتكار.

شاهد أيضاً

مقترح الى من يهمهُ الأمر ويهمهم التعليم في العراق المدارس الأهلية والحكومية

بقلم:د. فاروق عبدالزهره      بما أن وزارة التربية مسؤولة عن المدارس الحكومية والمدارس الأهلية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.