حوار / حامد الزيادي ـ المثنى
عندما تتعدد المهن وتتنوع أشكالها تبقى تحمل طابع معين تتحرك ضمن نطاق محدد حتى لو تفرض ظروف العمل أحياناً خصوصية ذلك وتقيده وتمنع صاحبه من الذهاب أبعد من قضاء الوقت للكسب المعيشي , لكن عندما يكسر هذا العامل الروتين المعتاد ويذهب الى أبعد من ذلك ليجعل من عمله عنوان إبداعي و ثقافي وأدبي هنا فقط تتحقق الخصوصية التي تجعله محط أنظار وإعجاب الجميع, فيدمج العمل بالهواية ويعيش الدور في وقت واحد من دون تقصير في تامين العيش الكريم أو تحقيق الهواية والمهارة التي تعيش معه ويعيش معها في وقت واحد من دون تعارض او تقاطع بل توظيف محكم وتوفيق منظم مما يجعل فعله علامة فارقة تستحق التوقف عندها والبحث فيها والتحقق منها , وقصة (مقهى أبو سعد) واحدة من التجارب الرائدة التي حضيت بشهرة كبيرة في مدينة السماوة وبات مقهى ابو سعد له خصوصية تختلف عن جميع المقاهي المتعارف عليها فعندما تدخل للمقهى انما تدخل للماضي الجميل السماوي المؤرشف بالصور والأنتيكات والتحف والمقتنيات التي توثق تاريخ مدينة السماوة ليتحول هذا المقهى الى مركز أرشيفي وثقافي يرتاده طلبة البحوث والدراسات التأريخية والشعراء والمثقفين وضيوف المحافظة ممن يبحث عن متعة الأطلاع والبحث عن واقع السماوة والأحداث التي مرت بها وشخوصها ورجالاتها البارزين فيصبح هذا المقهى لا يختار مرتاديه بل مرتاديه من يختارونه ومن أجل معرفة خصوصية (مقهى أبو سعد) التي يتحدث عنها أهالي السماوة حلت صحيفة الأضواء ضيفاً على المقهى لتلتقي بصاحب المقهى الشاعر والمؤرشف سامي نافع عليوي الخفاجي المشهور (ابو سعد الكهوجي).
*لماذا اختار (أبو سعد ) ان يكون هذا المقهى على هذا الشكل والنمط وليس كباقي المقاهي المعتادة؟
– منذ صغري وأنا أهوى إلتقاط الصور والأحتفاظ بها ونمت معي هذه الهواية حتى دفعتني أن أبحث عن توثيق الأحداث ومعرفة الأشياء وإزدياد حبي لمدينة السماوة واعتزازي باهلها أن اطور هذه الهواية فجمعت مبلغ من المال واشتريت (كامرة كوداك) صغيرة في فترة الخمسينات من القرن الماضي فصارت تلازمني هذه الكامرة أغلب الأحيان حتى عندما التحقت بالخدمة العسكرية كنت أخذها وأخبيها مع أغراضي على الرغم المخالفة والمخاطرة في هذا الجانب وفي أحد الأحيان كشف أمري الضابط المسؤول في وحدتي العسكرية وكاد ان يحيلني الى مجلس تحقيقي وأخذ تعهد مني أن لا اكررها.
*تحدث لنا عن سبب اختيارك لمهنة (الكهوجي) ؟
– كان عند أبي مقهى في سوق النجارين في منطقة الشرقي المحاذية لشط الفرات في السماوة وكانت عائلتي تهوى الشعر وينظمون الشعر فانا من عائلة يفوح الشعر في حوارها وشذاها تتذوقه صباحاً ومساء فجمعت هواية الشعر والأرشفة والعمل مع أبي في المقهى , بعدها عملت في كازينوا على شط الفرات التي لم تسمح لي أن اعمل فيها الأرشيف لإسباب عديدة فاحتفظت بالارشيف حتى فتحت هذا المحل عام 1970 كي أستطيع أن امارس عملي وهوايتي معاً حيث حرصت أن اضع بصمة خاصة تختلف عن عمل المقاهي فقمت بوضع ذكريات السماوة على جدار المقهى كي يتمتع رواد المدينة بصور وذكريات السماوة واكون موجود للاجابة كمرشد ومؤرخ لتاريخ السماوة ومن دواعي سروري ان ياتي الكثير من اهالي السماوة ويسالونني لم أرى والدي او جدي فاقول لهم هذه صورة والدك وصورة جدك لحبي الشديد لاهلي في السماوة وعندما يقفون عند صورة معينه ويقولن الله يرحم صاحب الصورة اشعر كنت السبب في إستذكار هذا الشخص من حرصي ان تطلع الاجيال على تاريخها والاحداث التي مرت عليها وليس كل شخص اضع صورته إلا من له تاثير اجتماعي وميزة خاصة, وعلى اثر ذلك اصبح المقهى مصدر لبحوث طلبة الجامعات والمختصين والمهتمين فاصبح لكوب الشاي عند ابو سعد نكهه مميزة يفوح منه شجن الذكريات عندما أجد رواد المقهى وهم يتمعنون ملياً بصور المدينة ويحصلوا على المعلومة والصورة بطعم شاي ابو سعد .
*متى أنطلقت بمشروع أرشفة تاريخ السماوة؟
– بعد أن نمت عندي هواية الأرشفة قررت أن يكون محل عملي معرض لهذا الأرشيف كي يكون في متناول الجميع وعلى مدار الوقت ففرغت نفسي لتوثيق الأحداث المهمة التي مرت على السماوة وأخترت البداية من تاريخ أول موكب عزاء حسيني للسماوة عام 1835 (موكب الكرافة) حتى يومنا الحاضر وصدر كتاب في هذا المجال وتوالت نشاطاتي الأرشيفية والأدبية ولي مؤلفات ومعارض كثيرة حصلت على أثرها على شهادات وجوائز اعتز بها . وعندي لقاءات مع القنوات العربية والمحلية كما أشير ان المكان هنا لا يتسع لعدد الصور والمقتنيات المجودة عندي وفي بيتي اكثر من 1700 صورة أخرى غير عدد الهدايا والجوائز والشهادات.
*طيلة عملك في المقهى ووجود هذه الصور المتنوعه هل صادفك موقف محرج معها؟
– نعم أذكر يوما من ايام حقبة النظام السابق دخل رجل بقيافة رسمية فطلب شرب الشاي وراح يحدق بالصور ثم نظر لي وقال ما صلتك بهذه الصورة وهي صورة لإهالي السماوة في موكب حسون الدفاعي في كربلاء والأشخاص الموجودين فيها قد غادروا العراق في تلك المدة فهمس باذني احد الاشخاص الواقفين في الباب ان السائل هو (مدير امن السماوة) انا بدوري تمالكت أعصابي وهو يكرر عليه السؤال هؤلاء الأشخاص الان في إيران وينتمون لإحزاب هل يبعثون لك المال؟! وما علاقتك بهم ؟! فقلت له نعم صورة معزين من اهل السماوة ولا تربطني بها سوى أنهم من مدينتي وانا أعيش على هذا المقهى فقط سكت مدير الأمن وطلب حضوري في اليوم التالي لمديرية الأمن وقدم لي إعتذاره, اما الموقف المحرج الأخر وقفت سيارة امام المقهى وطلب صاحبها الشاي فقلت له انزل من سياتك وأستريح فقال لي شخص يقف بجانبي (موو هذا كامل الدباغ ) مقدم برنامج العلم للجميع قلت له أهلا وسهلا به لماذا لا ياتي للمقهى وعندما جائني قال لماذا لم تاتي لي بالشاي؟ ثم نظر بوجهي وقال انت (مو عندك مقهى بسينما اطلس ببغداد)؟ قلت نعم وانت كنت احد روادها ولكنني اريدك ان تدخل المقهى وترى الارشيف الذي جمعته فاثار ذلك اعجاب الاستاذ الدباغ وقال سابعث لك بهدية عندما ارجع الى بغداد وفعلاً بعثها وهي ساعة يدوية.
*ممكن نعرف بعض الأمور التي تخص التعليم كاول مدرسة واول معلم بالسماوة؟
– أول مدرسة تم فتحها هي مدرسة أسمها (الاولى) في خان عباس ال حذاف في سوق (النجاجير) عبارة عن خان فيه ست غرف كون الحكومة في ذلك الوقت ما تملك تبني مدارس فاخذت الخان وحولته الى مدرسة, والمعلم الأول الذي درس فيها هو استاذ رشيد من الحلة سنة 1947 فكان يدرس ومدير للمدرسة في آن واحد واستمرت خمس سنوات حتى انتقلت الى مدرسة الرشيد ثم المنصور ثم سومر وازدادت المدارس بعدها ومن شدة اعتزازي بمعلمي السماوة علقت الكثير من صورهم هنا في المقهى كي تطلع الأجيال وتتذكر فضلهم وقيافتهم التي تثير الاعجاب.
*كونك شاعر واديب ومؤرشف واخ الشاعر ناظم السماوي ماذا يعني لك هذا؟
– اولا أنا لي خصوصيتي بالشعر وشخصيتي المستقلة واذكر مرة في جلسة خاصة قدمني احد الضيوف كاخ للشاعر ناظم السماوي قلت له مع أعتزازي باخي ناظم السماوي ولكن لي خصوصيتي الشعرية والادبية وانا عندي دواووين شعر وأكثر من احدى عشر بحث عن المثنى احد البحوث اخذ من عندي اكثر من سنتين.
* ناتي الان عن سر طعم شاي ابو سعد هل بالطعم ام غير ذلك؟
– نقول ليس بالطعم بل لان ابو سعد من يعمل الشاي انا حريص جدا على سمعتي وشديد الأنتباه جدا على شكل وحركة رواد المقهى واني بامكاني ان اوسع مساحة المقهى ولكن لا اريد فالتوسعة يعني كراسي وطبلات ودومنو وصوت عال وغيرها وانا لا اريد إلا ان يكون مقهى ابو سعد على هذه الهيئة فالقضية نفسية , اما بخصوص طعم الشاي مرة حدث كلام مع ابني سعد واحد الرواد فقال لابني الشاي الذي تعمله ليس مثل والدك ابو سعد انا كنت واقف خلف هذا الشخص فانتبه لي وجلس فقدم ابني سعد الشاي لي وقال انا من عمل الشاي وليس ابي اذن القضية نفسية لا اكثر. كون عمري كله لا اعرف الزعل بل أحب الطرفة والنكته احب الحديث الجميل والمناغات الشعرية حتى اني انقي عن الشباب الواعي المثقف وانصحهم بالابتعاد عن التشاؤم .
*هل دعم او شجع ابو سعد مقهى آخر في إستنساخ تجربته؟
– نعم اني أفرح ولا أتضايق ابداً عندما يطلب مني أحد أن يستنسخ تجربتي بل وقفت مع الكثير من التجارب لكن للاسف لم ترى النور ومازلت أنتظر من يطلب مني العون كوننا أبناء مدينة واحدة ويبدو ان تحقيق اي شي لاياتي بالصدفة او الرغبة العابرة بل بالصبر والانتماء الاصيل للهواية التي تعيش مع روحك .
في الختام نتمنى للعزيز ابو سعد الصحة والعافية والعطاء ومن دواعي سرورنا أن نحضى بهذا اللقاء معكم وتحملك لنا وإننا في صحيفة الأضواء نبحث عن المعلومة والغرابة والطرفة بشكل شفاف ومهذب .
* كونك مؤرخ خاض في تاريخ السماوة عبر كتابات عديدة ممكن تذكر لنا اهم الأحداث التي غيرت الواقع العمراني للسماوة؟
-اذكر لكم مبنى قائمقامية قضاء السماوة التابعه (للواء الديوانية سابقا) الإدارة المحلية حاليا كان مقرها القديم (كورنيش السماوة) مبنى الأسواق المركزية الحالي ومن أجل توسيع المدينة انتقلت البناية الى القشلة (الخناق) حيث كانت المؤسسات الحكومية تعمل، كما كان لي رأي في المطالبة بتسويع المدينة شرق وغرب (سوق المسكوف) الذي توسع غربا أكثر من الشرق وهذا الأمر يشكل ضعف في التخطيط العمراني أنذاك.
وفي نهاية اللقاء الممتع الذي اضاف الكثير من الامور على جوانب هذا المقهى واسراره كي نضعها بين يدي القارئ الكريم في تغطيتنا الإعلامية المستمرة تجاه المواقع والشخصيات والمناسبات لتكون الأضواء حاضرة متحضرة لكل حدث.