بقلم : د، مزهر حسن الكعبي
هو يحيى بن الحكم، و يلقب بالغزال لِوسامَتِهِ،و ظرفه، ولد سنة 156هج
عاش معظم حياته في إمارة قرطبة ، وقد قام الغزال بسفارة قرطبة لدى امبراطور البيزنطينيين المسمَّى توفلس
الذي كان قد أرسل سفارة إلى الأمير الأموي يعرض معها صداقته، و يطلب من عبد الرحمٰن مودته، و يبدي رغبة في عقد معاهدة بين القسطنطينيَّة
وقرطبة .
وقد قام الغزال بسفارة قرطبة لدى امبراطور البيزنطيين خير قيام وكان يصحبه في تلك المهمة السياسية أندلسي عالم، يسمى يحيى بن حبيب، ولكن شخصية الغزال القويّة جعلته كلّ شيء في تلك السّفارة التي خلفت شعراً من خير ما جادت به قريحة الشّاعر .
ووصلا إلى حيث أُرسِلا
وتهيّأ الإمبراطور البيزنطي لآستقبال سفير عبد الرحمن الأوسط، و أخبر الغزال بتقاليد بلاط بيزنطة ، التي تقضى بأن يدخل الزّائر إلى الإمبراطور ساجداً،فرفض الغزال ذلك و اشترط الّاَ يخرج هو و صاحبه عن شىء من سنتهما، فوافق على ذلك، لكن ّ المسؤولين في بلاط القسطنطينيَّة تحايلوا، فجعلوا المدخل المؤدى إلى الإمبراطور منخفضاً حتى لا يدخله داخل إلّا راكعاً . فلما جاء الغزال للدّخول على الإمبراطور و رأى الباب كذلك؛ جلس على إليتيه و مَدَّ قدميه و زحف حتى دخل من الباب ثم استوى قائماً . ثم حيّا الأمبراطور بكلمة ترجمت له، فأعجب
بها، وقال هذا حكيم من حكماء القوم ، و داهية من دهاتهم أردنا ان ْ نذلّه،
فقابل َ وجوهنا بنعليه .
قالوا : ولم يلبث الغزال ان ظفَر َ بإعجاب الامبراطورة ” ثيودورا
البيزنطيّة..
وقد امرت له بهدية فامتنع عن قبولها . ولما طلبت من ترجمانها سؤاله عن سبب الرّفض، أجاب الغزال : إن صلتها لجزيله، وإن الأخذ منها لتشريف ..
ولكن كفانى من الصّلة نظرى إليها و إقبالها عليَّ … فقالت لترجمانها: متى أحب َّ أن ياتينى زائراً فلا يُحجب” *” و هكذا كسب الغزال مودة الملكة كما كسب َ إعجاب الملك، وظل على صلة حسنة بها طيلة مقامه بالقسطنطينيَّة.
وقد خلّفت تلك الصلة بين الغزال و الإمبراطورة {ثيودورا} بعض الشّعر الغزلي الممزوج بالدّعابة.
وحسَّنت له يوماً ” خضاب شَعره ، فقال :
بَكَرَت ْ تخضّب ُ لي سواد َ
خضابي
فكأن َّ ذاك أعادني لشبابي
ماالشيب ُ عندي والخضاب
لواصِف
إلّا كشمس ٍ جُلّلت بضباب ِ
تَخفَى قليلاً ، ثُمَّ يقشعها
الصَّبا
فيصير ما سُتَرت به لِذهاب
لا تنكري و ضَحَ المشيب فإنما
هو زهرة الأفهام و الالبابِ
فلدى ما تَهوين من شأن الصِّبا
وطلاوة الأخلاق ِ ، والآداب ِ
_______
*أنظر : المطرب لآبن دحية ص 142 _ 143
والإسلام في المغرب والاندلس ص 107_108