تقرير / كانتانيا هوفيك سيزان
نتذكر الماضي، نواجه الحاضر، نمضي نحو المستقبل، ونسافر مع الزمان ويبقى السؤال هل نستطيع أن نعود بحياتنا نحو الخلف؟ هل نستطيع أن نصنع مستقبلا مليئاً بالحياة والسعادة بينما نحن نعيش الحاضر؟ إن هذا الامر مرهون بنظرتنا للزمن، فقد نميل نحو التعلق بسجن الماضي، أو العيش في لحظات الحاضر، وقد نوجه أنظارنا نحو طموحات المستقبل، وبين هذا وذلك يؤثر كل بعد زمني على نجاحاتنا التعليمية والمهنية، وعلى مدى شعورنا بالصحة والسعادة بشكل عام .وهذا ما توصل إليه عالم النفس زيمباردو من جامعة ستانفورد بشأن نظريته حول أبعاد الزمن، فبعد بحث دام أكثر من عشر سنوات، استنتج زيمباردو ان اتجاهاتنا نحو الزمن تعد المفتاح الرئيسي للتعرف على سمات الشخص مثل التفاؤل أو الألفة أوالتشاؤم … وغيرها، كما وجد أن منظورات الزمن تؤثر على أحكامنا وقراراتنا وتصرفاتنا بدرجة كبيرة، وخلص إلى أن منظور زمن المستقبل يمكن أن يساعد الطلبة على الدراسة والحصول على تقديرات دراسية مرتفعة.
يعتقد الباحثون أن منظور الزمن يمكن تعلمه في مرحلة الطفولة، وأن للثقافة أثرا في التوجه نحو منظور زمني معين أكثر من المنظورات الاخرى فنلاحظ أن الأفراد في المجتمعات التي تؤكد على استقلالية الفرد (مثل امريكا الشمالية والدول الاوروبية) تميل الى التركيز على المستقبل، في حين نرى الأفراد في المجتمعات التي تشجع على الارتباط الاجتماعي (مثل الشرق الأوسط وامريكا الجنوبية) تميل الى التركيز على الماضي، كما وجد الباحثون أن للحالة الاقتصادية أو مستوى الرفاهية لدى الأفراد أثراً على التوجه الزمني، إذ أن الافراد الذين يعيشون في بيئات فقيرة يميلون الى العيش في الحاضر أكثر من المستقبل في حين يتوجه الأفراد الذين يعيشون في بيئات مرفهة نحو المستقبل.
وقد يتساءل البعض هل يمكن أن نغير أبعادنا الزمنية بدل من الانطواء على احداها دون الاخرى؟؟.. وللإجابة على ذلك يقول زيمباردو: يمكننا أن نتعلم بشكل مثالي تغيير انتباهنا بسهولة بين الماضي والحاضر والمستقبل، وأن نكيف عقولنا بصورة واعية في أي موقف نواجهه ، فإذا تعلمنا كيف نغير وجهة نظرنا نحو الزمن وفق هذه المواقف فإن ذلك سيسمح لنا بأن نعيش حياتنا بشكل كامل وممتع، كأن نسترخي في المساء ونستمتع بالطعام (في الحاضر) أو أن نتذكر بعض الأحداث الجميلة التي وقعت منذ زمن قديم مع أحد الاصدقاء (في الماضي)، ورغم ذلك فإن تعلم مهارة تكييف أبعاد الزمن وفق المواقف التي نواجهها تحتاج الى جهود كبيرة من أجل اتقانها.
لقد وضع زيمباردو خمسة أبعاد زمنية يمكن أن تحدد شخصية الفرد وسلوكه، وهذه الأبعاد هي:
- الماضي السلبي: يتمثل في توجيه انتباه الفرد نحو الخبرات السلبية التي حدثت في الماضي، والتي لايزال لبعضها قوة كبيرة في اثارة ازعاجه وقلقه ، وشعوره بالمرارة والأسف.
- الماضي الايجابي: يتمثل في حنين الفرد الى خبرات الماضي الطيبة، والبقاء متعلقاً بها بدرجة كبيرة، وغالباً ما تدور هذه الخبرات حول امتلاك الفرد للعلاقات السعيدة التي تشكل دعماًله.
- الحاضر الممتع: يتمثل بتوجه الفرد المندفع نحو الحصول على اللذة والخبرات الممتعة، ورفض تأجيل الاشياء التي تجلب له الشعور بالراحة إلى وقت آخر من أجل الحصول على مكاسب كبيرة، ورغم أن هذا النمط محبوب من قبل الأفراد عموماً إلا أنه يتبع أسلوب حياة غير صحي لا يكترث بالمخاطر التي يمكن أن يقع بها الفرد.
الحاضر الحتمي: يتمثل بشعور الفرد بأنهم قيد في الزمن الحاضر، ليس لديه القدرة على التحكم والتأثير فيه، لذا يكون اتجاهه نحو المستقبل والحياة يائساً ومتشائماً ،مما يؤدي الشعورة بالقلق والاكتئاب.
- التركيز على المستقبل: يتسم الفرد هنا بالطموح والتوجه نحو تحقيق الأهداف ومقاومة المغريات في سبيل انجاز الواجبات، وأن أي عرقلة أو تأخر عن تحقيق الفرد لأهدافه ومشاريعه المستقبلية تجعله يشعر بالانزعاج وزيادة التحدي والاصرار، ورغم مميزات هذا البعد إلا أنها تأتي على حساب العلاقات الاجتماعية للفرد وشعوره بالراحة.
إن جميع الابعاد الزمنية السابقة تركت أثارا هامة في حياتنا فيما مضى، إذ من المحتمل أن نكون قد توجهنا نحو بعد زمني واحد او أكثر بدرجة كبيرة، لكن عملية التحكم بهذه الابعاد وتطويرها على نحو مرن تبقى أكثر أهمية من معرفتها فقط .ويكمن الهدف في التعرف على منظور الزمن أن نكون أكثر دراية باحتياجاتنا النفسية وقيمنا الشخصية لتحقيق التوازن والإيجابية في ضوء الاستعمال الجيد للماضي، والعثور على الطرق الصحية للاستمتاع بالحاضر، ورسم الخطط لتحسين ذواتنا وحياتنا المستقبلية .إذ يمكننا تحويل الشعور بالندم من الاخطاء التي حدثت في الماضي الى خبرات ايجابية، وذلك عن طريق توظيف هذه المشاعر المؤلمة لتغذية دوافعنا نحو عدم تكرار هذه الاخطاء، وأن نُشغل أنفسنا ببعض المكافآت والأنشطة التي تُحَول انتباهنا عن مشاعر الندم مثل ممارسة الهوايات، الاستمتاع بالطبيعة، وزيارة الاصدقاء، الأمر الذي يؤدي الى شعورنا بالمتعة، وخلق الذكريات السعيدة، والاعتقاد بإمكانية السيطرة على أنفسنا وتغيير المستقبل نحو الأحسن وتجنب المشاعر السلبية مثل الحيرة والشك، وبهذا نستنتج أن للزمن أثراً كبيراً على أفكارنا ومشاعرنا وتصرفاتنا، وأن علينا أن نهتم به من الآن فصاعداً أكثر من أي وقت مضى .