كتب : خلف نعيم غياض الساير ـ العراق
يُعدّ القرآن الكريم هو المنهج الربانيّ و المنهج الصحيح لمعرفة النفس لأنّها من خلق الله -تعالى- وهو أعلم بما يُصلحها وبما يُفسدها، و بما فيها من طاقات وأسرار لقوله تعالى-: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)…
فالطريق السليم لمعرفة النفس هو القُرآن الكريم والسنّة النبويّة، والغاية من إنزال القُرآن هي هداية البشر، وتعليمهم، وتنظيم حياتهم ، وطُرق تربيتهم وتهذيبهم ، وقد كان للأنبياء وخاتمهم نبينا محمد صلى الله عليه واله وصحبه أجمعين اهتمام كبير لارشاد الناس وتبليغهم وتعليمهم ، وبيان لهم كيفيّة التعامل فيما بينهم كجماعات أو أفراد فيُخاطب العقل والقلب، ويُعطي التصوّر الحقيقيّ عن الحياة والوجود…
قوله تعالى-: (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ)… فالنفس البشرية تتكون من صفاة مختلفة وتمتلك حاجات ودوافع فطريّة وغريزيّة وروحية وهذا التكوّن يؤدّي بالإنسان إلى رفض المفاهيم والمُعتقدات الباطلة فيميل إلى الخير ويرتاح له بفطرته، ويبتعد عن الشرّ ولا يرضاه بفطرته؛ لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (استفتِ قلبكَ: البرُّ ما اطمأنتْ إليهِ النفسُ، واطمأنَ إليهِ القلبُ، والإثمُ ما حاكَ في النفسِ وترددَ في الصدرِ، وإن أفتاكَ الناسُ وأفتوكَ). وهنا تكمن حرّية الإنسان في الاختيار والإرادة، واستخدام العقل الذي وهبه الله -تعالى- إياه؛ لقوله -تعالى-: (وقُلِ الحَقُّ مِن رَبِّكُم فَمَن شاءَ فَليُؤمِن وَمَن شاءَ فَليَكفُر)،وبيان موقفه من المصائب ونوازع الإثم التي تعترضه في حياته، ومواقف الأنبياء والرُسل مع أقوامهم، تُبيّن من خلالها طبيعة النفس البشرية وأبعادها؛ مما يُثير في النفس حب الإطّلاع عليها. فالمنهج القُرآني يستخدم أسلوب التعلّم الخارج عن واقع المُتعلّم ومُحيطه؛ ليُتيح له فرصة التعلّم والإلمام بالكُلّيات.و يوظّف عناصر البيئة الموجودة؛ ليُبيّن المعاني ويُثير انتباه العقل. و يذكر النماذج والتجارب العملية في الكفاح والصبر؛ لتكوين القدوة. و يتعامل مع النفس كواقع بشريّ، ويُحيط بها من جميع جوانبها في مختلف مجالات الحياة، ويبتعد عن الحرج والمشقّة، ويعتمد أسلوب الرفق والتيسير. بما يصقل الذات الإنسانيّة ويهذبها ويعطيها صفاة خاصة و مراتب وأصول : قال -تعالى-: (فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّـهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً) وقوله تعالى-: (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ).. وقوله تعالى-: (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا). وتُعدّ صفة السكينة الصفة والسلوك التربوي التي يستطيع الإنسان من خلاله قيادة نفسه،وإرشادها والانسجام بين عناصرها، وخُضوعها لأمر صاحبها، وهي تعني الهدوء والتركيز مع وضوح الرؤية والتركيز نحو الأهداف الرسالية والتربية الاخلاقية السالكة لخط الأنبياء والمرسلين ، وممّا يجعل الإنسان مُتوازناً بين إشباع رغباته بما لا يتعارض مع حرية وحقوق الآخرين؛ يساعد الإنسان في ضبط سلوكه الأخلاقي والتربوي والتعايش السلمي وانسيابية السلوك المجتمعي وانصياعه وانقياده للقوانين المجتمعية والإنسانية بلا تفريط وبلا مغالاة فكرية او ثقافية او غيرها مما يعيق وبسيء للعيش والسلامة والاطمئنان والأمن والأمان والاستقرار والارتقاء إلى خدمة وصيانة النفس البشرية من الوقوع في الازمات التربوية والنفسية والمجتمعية المدمرة للحياة….
نسأل الله تعالى أن يحفظ الجميع ويمن علينا بالأمن والإمان والاستقرار……