الرئيسية / الثقافية / قراءة في ديوان ” على تخوم البرية .. أجمع الكمأ ” للشاعر كاظم اللايذ

قراءة في ديوان ” على تخوم البرية .. أجمع الكمأ ” للشاعر كاظم اللايذ

بقلم : توفيق الشيخ حسين

هنا كان جسر المغايز

جسر ُ الخشب

ومن تحتهٍ الماء ُ

مزدحما ً بالزوارق

وفي جنبه البرج

يرفع خوذته في الفضاء

يؤشر للسفن القادمة

وما زلت أسمعُ

عبر ركام من العمر

دقات ساعته

يحمل هما ً للمدينة التي رافقته مدى العمر، وخلفه ركام من الورق المتساقط تحت شحوب الغسق، يحُدّق من كل الجهات فلا يرى غير عتمة السكون المتبدّد في الدروب والقلوب، ذكريات تطوي آخر ورقة في دفتر أحزانه المليئة بمواجع الزمن الماضي والتي تنبض بالحياة لما لها من رونق خاص يبعث بالنفس شوقا ً لمشاعر كادت أن تنسى.

عن دار أمل الجديدة للطباعة والنشر والتوزيع في سورية صدرت المجموعة الشعرية السادسة للشاعر كاظم اللايذ ” على تخوم البرية .. أجمع لها الكمأ ” / 2017 وتضم ” 26 ” قصيدة باحثة عن قناديل موقدة تبعث أغاني الحنين وأشواق باتت واضحة بكلماتها خلف جدران الأسى، يذكر الأمس ليزيل الصمت أصداء الأنين، مرت الأيام وأخذت معها أحلامه الى دروب أطفأ الماضي مداها، وأمواج تكسرها صخرة غابت في ضباب عينيه، تقسو على ربيع يزهر في أعماقه ..

ليس لديّ من العمر كثير

وليس لديّ من الصبر.

أنى أنزل ُمثل الصخرة من جبل ٍ

نحو السبعين ..

وأحمل في رأسي خبزا ً يأكل منه الطير ..!

ماذا تأمل من شيخ ٍ

يأكل منه الطير؟

شكلت المدينة عند الشاعر كاظم اللايذ الثيمة التي أستلهمها في أعماله الشعرية وذلك لأنها مهد الحضارات ورمز تقدم الأمة ويقرأ فيها أخلاق أهلها ومثلها وقيمها، ووقف عند الرموز التي أستخدمها للتعبير عن قضية المعاناة.

يقول الكاتب ” جمان حلاّوي ” :

” كاظم اللايذ شاعر سوّاح يحمل جعبته ويخترق الأسوار، يعبر الأنهار، يغور في الأرض ويطير فوق سماء المدن لتمتلئ جعبته بالحكايات ورمال الشواطئ وتعاويذ شعوب عاشت وتنفست وتحركت بسحرها خلال طواطم أجدادها الخبيئيين أدراج الكهوف ” .

في بقعة تختفي عندها الشمس، يحمل الامه أينما رحل، يصرخ بآهات كمغترب ينادي أسم وطنه مع كل نبضة قلب يخفق بالام جراحه المفتوحة كل يوم، يتوارى عن أنظار الزمن ويحيا الواقع عميقا، صافيا دون غبار بين طيات الذكريات ..

نسيم ُ البحر

يدفع ُ الستارة

على وجه الشبح الواقف في النافذة

يصلي للوطن البعيد صلاة الليل

الستارة تقسم ُ وجه الشبح ٍ الى نصفين

نصف الى الوطن

ونصف الى النافذة

يسكب الليل ظلام الكون الساكن ويتوارى خلفه حزن مكنون، عندها يتوقف الزمن وينفصل العالم عن الوجود، كم هي شاقة تلك اللحظات التي يبحث فيها عن دفء القلوب وهمسات الريح ومواويل الشعر، ينصت الى قلبه المتألم بصمت، تمزقه ذكريات مؤلمة تسيطر على أحاسيسه.

في الهزيع الأخير من الليل

أفتح ُ النافذة ..

العالم ُ ما يزال غاطسا ً في النوم

أمد ّ بخيشومي الى الظلام

ومثل مدخّن الأركيلة

أخذ نفسا ً عميقا ً

أغسل ُ بماء الظلمات عروقي

من هنا رسم الشاعر كاظم اللايذ الصورة الكاملة للحقيقة الصافية التي يعانيها بمفاهيم الجمال والمحبة والطبيعة، وينتهي الى اللحظة التي تتدفق منه نغمات الشعر الصادق الحي ، والتي نكتشف فيها أن المعاناة مصدر الابداع ، وأن شعره ينساب في يسر كما ينساب الماء من ينبوعه وينبثق في طلاقة كما تنبثق من الشمس أشعتها ومن الزهر أريجه ..

 

شاهد أيضاً

قـراءة فـي روايـة فـرانكشتاين  في بغـداد )) للروائي احمـد سـعـداوي

كتب : جمـال  عـابـد فتـاح ـ العراق هذه الرواية من طباعة منشورات الجمل / بيروت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.