كتب : علاء صابر الموسوي ـ العراق
إن ظاهرة الصراع البشري هي نتاج حركة الحياة بما تزخر به من نوازع نفسية وغرائزية وإرادات وعقول ، وما يحيط بالأنسان من خيرات الطبيعة والمصالح والمنافع ، ومايحمل من فكر وعقيدة .. لذا كان الاختلاف ظاهرة مشهودة في حياة الناس .. والقرآن يوضح هذه الحقيقة بقوله: ( كَانَ الناسُ أُمةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النبِيينَ مُبَشرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الكِتابَ بِالحَقَ لِيحكُمَ بَينَ الناسِ فيِما اختَلَفُوا فِيهِ وَمَا اختَلَفَ فيهِ إلا الَذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعدِ مَا جَائَتهُمُ البَينَاتُ بَغياً بَينَهُم فَهَدى اللهُ الَذِينَ آمنُوا لِمَا اختَلَفُوا فِيهِ مِنَ الحَق بِإِذنِهِ وَاللهً يَهدِي مَن يَشَاءُ إلى صِرَاطٍ مُستَقِيم ) البقرة/٢١٣ .
وطبيعي أيضا أن الخلاف في الفكر والمصالح والارادات ينتج صراعا ، يتخذ طابع العنف والحروب تارة ، وتارة أخرى يتخذ شكل الصراع الأقتصادي أو السياسي أو الإعلامي ، وينتج الصراع والتدافع بين الافراد والمجموعات البشرية والدول والمجتمعات تحولاً وتغييرأً نحو الأفضل تارة ، ونحو الأسوأ تارة أخرى .. والصراع والتدافع والتغيير قانون وسنة من سنن وقوانين الحياة الاجتماعية ..
والقرآن يسجل هذا القانون بقوله:(فَهَزَمُوهُم بِإِذنِ الله وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتاهُ اللهُ المُلكَ وَالحِكمَةَ وَعَلمَهُ مِما يَشَاءُ وَلَولَا دَفعُ اللهِ الناسَ بَعضَهُم بِبَعض لَفَسَدَتِ الارضُ وَلَكِنَ اللهَ ذُو فَضل عَلَى العَالَمينَ) البقرة/ ٢٥١ …
ويسجل القرآن قانون الاستبدال في الشعوب والأمم والدول والحكام .. عندما يصر الإنسان على الجريمة والكفر والظلم والطغيان .. وأنه مهما يبلغ من القوة والجبروت فلن ينفعه ذلك ..فإن تلك الحضارات والشعوب والحكام والدول محكوم عليها بانهاء الدور التاريخي ، واستبدالها بغيرها ، وتلك سنة من سنن الله تعالى ، وقانون تاريخي حتمي الحدوث .. قال تعالى: ( هَا أَنتُم هَؤُلَاءِ تُدعَونَ لِِتُنفقُوا فيِ سَبيلِ اللهِ فَمِنكُم مَن يَبخَلُ وَمَن يَبخَل فَإِنما يَبخَلُ عَن نَفسِهِ وَاللهُ الغَنِيُ وَأَنتُم الفُقَرَاءُ وَإن تَتَوَلوا يَستَبدِل قَوماً غَيرَكُم ثُمَ لَا يَكٌونُوا أَمثَالكُم) محمد/ ٣٨ …
(وَتِلكَ الايامُ نُدَاوِلُها بَينَ الناسِ وَلِيعلَمَ اللهُ الذِينَ آمَنُوا وَيَتخِذَ مِنكُم شُهَدَاءَ وَاللهُ لَا يُحِبُ الظالِمينَ) آل عمران/ ١٤٠ ..
ان ابرز مشكلة من المشاكل التي تعانيها الحياة الانسانية في مجالها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي .. هي مشكلة التوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع .. فإن التنازع بين المصلحتين هو المسبب الأساسي في المشاكل الانسانية … وتنازل الفرد عن بعض مصالحه لصالح الجماعة مسألة ضرورية لصياغة الحياة الاجتماعية بالشكل السوي المتوازن.
و من مظاهر التناقض هي الانانية والاحتكار السياسي والاقتصادي … وتسليط القوي على الضغيف والاستئثار … وعدم الاهتمام بمصلحة الآخرين مادام هذا الانسان قد حقق مصالحه، وأطمأن عليها .. حتى وإن كان غيره ضحية هذه المصالح .. بل ويتمادى البعض في السقوط الاخلاقي فيحقق لذاته ومصالحه الخاصة ، وما يشعر بأنه سعادة له حتى وإن كان يظلم الآخرين وشقائهم وعذابهم ومعاناتهم …
إن الاساس الأخلاقي في بناء المجتمع كما يدعوا له القرآن هو العدل والمحبة والرحمة والإيثار، والاهتمام بشؤون الاخرين ، والحفاظ على حقوقهم .. ويثبت الرسول الكريم القاعدة الأخلاقية القائمة على اسس عقائدية للحفاظ على مصلحة الفرد والاخرين بقوله صل الله عليه واله وسلم: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) .. ويصوغ الامام علي عليه السلام هذه القاعدة بقوله لأبنه الامام الحسن عليه السلام: ( أي بني تفهم وصيتي واجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك ، فأحببت لغيرك ما تحب لنفسك ، وأكره له ماتكره لنفسك ، ولاتَظلم كما لاتحب أن تُظلم ، وأحسن كما تحب أن يُحسن إليك ، واستقبح من نفسك ماتستقبح من غيرك ، وارضى من الناس لك ماترضى به لهم منك) ..
والتغيير الاجتماعي للحياة في حركة وانتقال .. والعالم بأسره في حركة دؤوبة .. سواء المادي منه أو الانساني .. فلا شيء يعرف الثبات والاستقرار غير قوانين الحركة والتغيير التي تتحرك وفقها المادة والنفس والفكر والمجتمع ..
وان من أهم قضايا المجتمع هو التغيير الاجتماعي .. وان المهمة الأساسية للرسالات الإلهية هي احداث التغيير والاصلاح في الحياة البشرية ، والانتقال بها من وضع إلى وضع أرقى وأفضل ، وقد عبر القرأن عن التغيير بتعابير مختلفة مثل النفس الانسانية .. ومرة يتحدث عن التغيير تحت عنوان الاصلاح..وثالثة تحت عنوان الاخراج من الظلمات إلى النور ومن الظلال إلى الهدى ، وتارة بالانابة والتوبة والرجوع ..
كل ذلك يعكس لنا حقيقة التغيير المطلوبة في القرآن بأنها الحركة والانتقال نحو الأفضل .. غير ان المسار التأريخي والاجتماعي للفرد والمجتمع يتحرك في جانبه الانساني في الاتجاهين معا .. فالتاريخ والحضارات والشعوب والامم والأفراد تتحرك نحو الرقي والتكامل، كما تتحرك نحو السقوط والانهيار في جانبها الانساني .. فيأتي قانون الاستخلاف والاستبدال والتداول…