حاورته : لينا إبراهيم
في زمن : العالم كله مشغول بفيروس كورونا .. كيف أثرت هذه الجائحة في الوضع الاقتصادي و السياسي الدوليين وأيضاً العسكري ؟! .
للإجابة على هذه الأسئلة وتحليل الأحداث يسعدنا أن يكون ضيف الحوار مع الباحث والمحلّل السّيّاسيّ نبيل أحمد صافية عضو المكتب السّياسيّ وعضو القيادة المركزيّة في الحزب الدّيمقراطيّ السّوريّ وعضو اللجنة الإعلاميّة لمؤتمر الحوار الوطنيّ في سورية وعضو الجمعيّة السّوريّة للعلوم النّفسيّة والتّربويّة أن يحل ضيفاً على ( الأضواء ) العراقية . اقتصاد العالم مرحلة جمود كبيرة ، دول تنهار ودول على وشك .
*كيف يمكن أن يكون نمو الاقتصاد محرّكاً لحروب جديدة برأيك أستاذ نبيل ؟
– من المعلوم أنّ مقوّمات نجاح أيّة دولة تأتي من قوّة اقتصادها ، ولعلّ الاقتصاد يعدّ محرّكاً أساسيّاً في رسم السّياسة الاقتصاديّة لأيّة دولة في العالم ، وكانت المعايير الاقتصاديّة عبر التّاريخ هي الخطوة الأولى نحو تحقيق الازدهار والنّمو الاقتصاديّ ، ومن الطّبيعيّ أنّ الاقتصاد ركيزة أساسيّة في مختلف مجالات الحياة سواء في السّلم أو الحرب ، ونمّوه سيكون مؤثّراً في نجاح أيّة خطوة ترسمها الدّول ، وقوّة الدّول تفرضها قوّة السّياسة الاقتصاديّة لها ، وبالتّالي فإنّ نمو الاقتصاد محرّك أساسيّ في مختلف مجالات الحياة ، ولكنّ الوضع الرّاهن وما يعانيه العالم الآن من وباء كورونا فرض واقعاً محدّدَاً على مختلف دول العالم ، وأعتقد أنّ ذلك الوباء الحالي هو السّلاح البيولوجيّ للحرب العالمية الثّالثة التي أعتقد أنّها بدأت من جهةٍ ، إضافة لسلاح آخر لها يتمثّل في الجانب الاقتصاديّ النّفطيّ من جهةٍ ثانيةٍ ، وقد ترافقا تقريباً في وقتٍ واحدٍ .
وأكد المحلل السياسي صافية :
ورغم أنّ السّلاح البيولوجيّ سلاح فتّاك وحصد الآلاف من النّاس للآن في مختلف دول العالم ، ويبقى سلاحاً رخيص الثّمن مقارنة بغيره من أسلحة نوويّة أو عسكريّة وغيرها ، وهو يتطلّب مليارات الدّولارات في حالات الاستشفاء ، وأمّا الجانب الاقتصاديّ النّفطيّ فهو سلاح أيضاً أساسيّ ، ولاحظنا أيضاً الحرب النّفطيّة الاقتصاديّة الحاليّة التي ترافقت مع وباء كورونا وربّما كانت سابقة لها ، وكنت قد أشرت إليها في الإعلام العربيّ السّوريّ بتاريخ 15/3/2020م ، وتلك الحرب تفرض ذاتها بين النّظام السّعوديّ وحلفائه وروسيا ، ولها أهدافها وآثارها وتداعياتها ومنعكساتها الخطيرة إقليميّاً ودوْليّاً ، وضمناً في الاقتصاد الأمريكيّ ، وهذا أيضاً سيكون له تأثيره عبر مواجهة اقتصاديّة قادمة بين روسيا والولايات المتّحدة الأمريكيّة ، وإن كان النّظام السّعوديّ هو الواجهة حاليّاً في حرب الأسعار ، وإن برز اتّفاق ثلاثيّ أوّليّ قبل أيّام بين الولايات المتّحدة الأمريكيّة وروسيا والنّظام السّعوديّ لإنقاذ الأسواق ، ولاحظنا أثر حرب الأسعار في الاقتصاد الأمريكيّ ، والولايات المتّحدة الأمريكيّة من الدّول المحرّكة للاقتصاد العالميّ ، وعملتها ( الدّولار ) ، وهي العملة المعتمدة في التّعامل الرّسمّي الدّوليّ ، ورغم ذلك فإنّ الرّئيس الأمريكيّ ترامب أوقف الدّعم الاقتصاديّ لمنظمّة الصّحّة العالميّة يوم الأربعاء الماضي نتيجة حالة الرّكود التي يعانيها الاقتصاد الأمريكيّ ، وإنّه كمثال يعاني من ركود اقتصاديّ ، وهذا ما صرّح به رئيس صندوق النّقد الدّوْليّ الجمعة الماضية ، ولعلّ ذلك ما يثبت الخسائر المتلاحقة للاقتصاد الأمريكيّ ، وأكّد روجر داو مدير تنفيذيّ لجمعية السّفر الأمريكيّة لشبكة ( c n n ) بتاريخ 18/3/2020 م أنّ الخسائر الأمريكيّة بلغت بفترة بسيطة ثمانمائة مليار دولار .
وبرأيي : فإنّ الاقتصاد يبقى محرّكاً أساسيّاً لسياسات الدّول ويرسم خريطة سياستها الدّاخليّة لتحقيق ازدهارها وتطوّرها ، لتعدّ الخطط الاستراتيجيّة التي تؤدّي إلى الاكتفاء الذّاتي ورسم سياستها الاقتصاديّة سواء وقت السّلم أو الحرب ، ومن المعلوم أنّ الدّول ذات الاقتصاد القويّ تستطيع أن تعمل على صناعة الأسلحة الاستراتيجيّة المختلفة لتفرض ما تريد على محيطها إقليميّاً ودَوليّاً ، وبالتّالي فإنّ نمو الاقتصاد له أهمّيّته ، ومن الممكن أن يكون محرّكاً لحروب جديدة ، ولاحظنا أنّ النّموّ الاقتصاديّ للصّين جعل الولايات المتّحدة تشعر بالقلق من ذلك النّموّ خشية أن تكون الصّين القوّة الاقتصاديّة الأولى عالميّاً ، وإن كنت أعتقد أنّ الحرب البيولوجيّة والنّفطيّة الحاليّة لن تؤدّي لحرب بأسلحة نوويّة بينهما رغم امتلاك دول عدّة تلك الأسلحة .
و في الانتقال إلى المحور الثاني من الحوار :
*معظم الخبراء والمحلّلِين يتحدّثون عن عالم جديد بين أمريكا والصّين ، هل نحن متّجهون فعلاً لتشكُّل عالم جديد ؟ ومن سيكون زعيمه برأيك ؟! .
– يمكننا أن نتساءل هنا أيضاً : هل يمكن للعالم أن يواجه نشوب أزمة اقتصاديّة عالميّة في ظلّ الرّكود الاقتصاديّ الأمريكيّ وتراجع الدّولار ممّا يشكّل بداية الانهيار لذلك الاقتصاد ، وتشكّل حالة ركود اقتصاديّ عالميّ يؤدّي بطبيعة الحال لتشكّل بنية اقتصاديّة عالميّة جديدة ؟.
و نوه الكاتب إلى
أنّ جائحة كورونا ستغيّر النّظام العالميّ للأبد ، وسيكون لها تأثيرها في مختلف الجوانب الاقتصاديّة والسّياسيّة على العالم برمّته ، وهذا يمكن أن يؤدّي إلى إشعال دول العالم وخصوصاً في ظلّ حالة الانقسام الأمريكيّ حاليّاً ، ولا بدّ من وضع رؤية وبرنامج لتعاونٍ دَوْليّ في مواجهة الأزمة ، وبالتّالي : فإنّي أرى أنّ ذلك الوباء سيكون مؤشّراً حقيقيّاً لبداية حقبة عالميّة جديدة ينتهي فيها النّظام العالميّ الحالي ذو القطب الواحد الموحَّد الرُّؤى بزعامة الولايات المتّحدة الأمريكيّة ، وهذا ما يدعو لتشكّل نظامٍ متعدّد الأقطاب ، وتكون الصّين وروسيا قوّتين بارزتين في مواجهة الولايات المتّحدة الأمريكيّة وحلفائها اقتصاديّاً وسياسيّاً وعسكريّاً ، وبرأيي:
إنّ وباء الكورونا الحالي الذي يحصد آلاف النّاس في العالم هو حجر الشّطرنج واللاعب الأكبر في دور سياسيّ مرعب لم يصل إلى مفهومه أحد حتّى تاريخه ، ومازال الحصاد قائماً للآن ، وهو أحد الاستراتيجيّات في الحرب الباردة بين الولايات المتّحدة والصّين ، وإنّي أستبعد مواجهة عسكريّةً أمريكيّةً روسيّةً صينيّةً _ وقد أشرت لذلك في الإعلام العربيّ السّوريّ في 16/2/2020م _وإلى أنّ حرباً باردة قد نشبت بين الصّين والولايات المتّحدة الأمريكيّة بأسلوب تجاريّ بداية ، وانتقلت بعدها لتأخذ بعداً عسكريّاً عندما تمّ تزويد تايوان بأسلحة متطوّرة ، وخشيت الولايات المتّحدة من النّموّ الاقتصاديّ للصّين ، وأن تحتلّ المرتبة الأولى عالميّاً ، وأعتقد أنّ هذا سيخلق إشكاليّة حقيقيّة للولايات المتّحدة الأمريكيّة في نزوع روسيا والصّين لتزعّم قوى إقليميّة وعالميّة جديدة ، ويكون دورهما استراتيجيّاً ومؤثّراً في العالم في مرحلة لاحقة ، ولا أعتقد أنّ هذا يطول ، وسيظهر بوضوح وجلاء خصوصاً بعد حالات الفشل الأمريكيّ والانقسام والرّكود الاقتصاديّ ، ولاحظنا أنّ دورهما برز بوضوح مع الفوضى الخلّاقة ، وخصوصاً في الحرب على سورية ومحاربة الإرهاب ، ولعلّ الفيتو الصّينيّ الرّوسيّ المشترك كان ضربة مؤلمة للولايات المتّحدة الأمريكيّة وحلفائها أكثر من مرّة ، ولا بدّ أنّ الرّكود الاقتصاديّ الأمريكيّ سيلقي بظلاله على العالم أيضاً ، وسيكون للحرب الباردة أثرها الإقليميّ والدّوليّ العالميّ .
* و ختم المحلل السياسي صافية الحوار بقوله :
– ربّما نشهد ويشهد العالم أفول نجم الدّولار الأمريكيّ وبزوغ اليوان الصّينيّ وقد نشهد العملات الرّقميّة بديلةً للورقية المعمول بها حاليّاً ، وعلينا أن نتابع مرحلة ما بعد كورونا ونترقّب القادم .