الرئيسية / آراء حرة / آفة الغضب

آفة الغضب

كتب :  كرار حيدر الشرموخي ـ العراق 

 

الغضب شعلة نار أُقتبست من نار الله الموقدة ، إلا أنها لا تطّلع الا على الاّفئدة ، وإنّها لمكنونة في طيِّ الفؤاد كأستكنان الجمر تحت الرماد ، ويستخرجها الكِبر والحقد الدفين من قلب كل جبار عنيد ، كما يستخرجُ الحجرُ النار من الحديد . وقد انكشف للناظرين بنور اليقين أن الإنسان ينزعُ منه عِرقُ الى الشيطان اللعين فمن أستفزتهُ نار الغضب ، فقد قويت فيه قرابة الشيطان حيث قال : ( خلقتني من نار وخلقته من طين ) فمن شأن الطين السكون والوقار . وشأن النار التلظّي والأستعار والحركة والإضطراب والإصطهار ( الذوبان ) ومنه قوله تعالى ( يُصهرُ به ما في بطونِهم والجلود ) . من نتائج الغضب : الحقد والحسد وبهم هلك من هلك وفسدَ من فسد ، وإذا كان الحقد والحسد والغضب مما يسوقُ العبد الى مواطن الهلكة ، فما أحوجهُ الى معرفة مواطن هلكتهِ ومساوئهِ ليحذرها ويتقيها ويزيلها عن القلب إن كانت موجودة فيه ، ويعالجها بأن يلحَّ في قلبه ويداويه ، فإن من لا يعرف الشر يقعُ فيه ، ومن عرفه فالمعرفة لا تكفيه ، مالم يعرف الطريق الذي به يدفعُ الشر ويقصيه . أعلم أن الله لما خلق الإنسان معرضاً للفساد والموت بأسباب في داخل بدنه وأسباب خارجةٍ منه ، أنعم عليه بما يصونهُ من الفساد ويدفع عنه الهلاك الى أجلٌ معلوم في كتابه . أما السبب الداخلي ، فهو أن الله تعالى ركّب الإنسان من الرطوبة والحرارة ، وجعل بين الحرارة والرطوبة عداوة وتضاداً ، فلا تزالُ الحرارة تحللُ الرطوبة وتجففها وتبخرُها حتى تنتشر أجزائها على شكل بخار متصاعد ، بحيث لو لم يتصل بالرطوبة مددٌ من الغذاء يجبرُ ما انحلّ وتبخّر من اجزائها ، لِفسد الإنسان . فخلق الله الغذاء المناسب لبدن الإنسان ، وخلق في الإنسان شهوة تبعثهُ على تناول الغذاء ، كشخص مُوكّلُ به يعمل على جبر ما انكسر ، وسدِّ ما أنثلم ليكون ذاك حافظاً له من الهلاك . وأما الاسباب الخارجية التي يتعرض لها الإنسان كالسيف وسائر المؤذيات التي يُتعرضُ له بها ، ولهذا أفتقر الى قوة وحميّة تثور من باطنه ، تدفع عنه المهلكات ، فخلق الله نار الغضب وغرَزها في الإنسان وعجنها بطينتهِ ، فكلما تعرض له أحد في أي شأن من شؤونه ، اشتعلت نار الغضب وثارت ثوراناً يغلي بها دم القلب وينتشرُ في العروق ويرتفع الى أعالي البدن كما ترتفعُ النار وكما يرتفع النار الذي يغلي في القِدر ، ولذلك ينصب الى الوجه فيحّمرُ ، وتُحمّرُ معه العين والبشرة بصفائِها ، تحكي لون ما ورائها من حمرة الدم كما تحكي الزجاجة لون ما فيها . وبالجملة ، فقوة الغضب محلُّها القلب ومعناها غليان دم القلب لطلب الانتقام ، أنما تتوجه هذه القوة عند ثورانها لدفع المؤذيات إن لم تكن قد وقعت ، والى التشفي والانتقام إن وقعت ، والانتقام غذاءهُ هذه القوة وشهوتها وفيه لذتها ولا تسكن الا به . والناس في هذه القوة على درجات ثلاث من التفريط والافراط والاعتدال . أما التفريط : هذا يعني فقد الغضب أو ضعفه ، وذلك مذموم ومثل هذا الشخص هو الذي يُقال فيه : إنه لا حميّة له ، ولذلك قيل ؛ من أُستُغضِب فلم يغضب فهو حمار . فمن فقدَ قوة الحمية والغضب أصلاً ، فهو ناقص جداً . وقد وصف الله تعالى الصحابة بالشدة والحميّة فقال سبحانه ( أُشِداءُ على الكفار ) وقال تعالى ( يا أيها النبيُّ جاهد الكفار والمنافقين واغلِظ عليهم ) . إنما القوة والشدة من آثار قوة الحميّة وهو الغضب . أما الإفراط : فهو أن تغلب هذه الصفة (الغضب ) حتى تخرجُ من سياسة العقل والدين وطاعتهما ، فلا يبقى للمرء معها بصيرة ونظر ولا فكر ولا اختيار ، بل يصير الإنسان في صورة المضطر . وسببُ غلبة الغضب أمور غريزية وأمور اعتيادية . فَرُبَّ إنسانٍ هو بالفطرة مستعدٌ لسرعة الغضب ، حتى كأن صورته في الفطرة صورة غضبان ويعين على ذلك حرارة مزاج القلب لأن الغضب من النار ، كما قال رسول الله ص ( فبرودة المزاج تُطفيه وتكسر سورتهِ (الحدة ) وأما الأسباب الاعتيادية فهي أن يخالط قوماً يتفاخرون بتشفي الغيظ وطاعة الغضب ، ويسمّون ذلك شجاعة و رجولة فيقول الواحد منهم أنا الذي لا أصبرُ على المستحيل ، ولا أحتملُ من أحدٍ أمراً . ومعناه لا عقل لي ولا حلم . ويذكر هذا الكلام في معرض الفخر بجهله ، فمن سمعه رسَّخ ذلك في نفسه حُسن الغضب وحبُّ التشبه بالقوم فيقوى به الغضب . وهذا من نتائج التربية والمبادئ التي يرسخها الاهل في نفوس أبنائهم ويساعدهم على ذلك الجو العائلي المشحون بالالفاظ البذيئة والعصبية والحقد وعدم أبعاد الاطفال من مكان الصراع وجعلهم في منتصف الدائرة دائما . كذلك عدم وعي الاهل بالبعد النفسي وتأثيره على حياة الطفل في المستقبل . وكلما اشتدت نار الغضب أعمت صاحبها و أصمتهُ عن كل موعظة فإذا وُعِظ لم يسمع ، بل تزيده. الموعظة غضباً ، و إن اراد ان يستضيئ بنور عقله وراجع نفسه لم يقدر على ذلك ، إذ يُطفي الغضب نور العقل وينمحي بالحال بدخان الغضب فإن مصدر الفكر الدماغ ، ويتصاعد عند شدة الغضب من غليان دم القلب دخانٌ مظلم الى الدماغ يستولي على مصادر الفكر وربما يتصدى الى مصادر الحس فتُظلم عينه حتى لا يرى فيها ، وتسودُّ عليه الدنيا بأسرها ويكون دماغه على مثال ؛ كهفٍ أُضرِمت فيه نار فاسودَّ جوُّهُ وحَمِىَ مكان سكنه وثباته وامتلأت بالدخان جوانبه . وكان فيه سراجٌ ضعيف فانطفى وانمحى نوره ، فلا تثبت فيه قدم ولا يُسمع فيه كلام ، ولا تُرى فيه صورة ولا يُقدرُ على أطفائه لا من داخل ولا من خارج كذلك يفعل الغضب بالقلب والدماغ . وربما تقوى نار الغضب فتُنفى الرطوبة التي بها حياةُ القلب ، فيموت صاحبه غيظاً ، تماماً كما تقوى النار في الكهف ، فينشقُّ وتنهدُّ أعاليه على أسافله ؛ وذلك لإبطال النار ما في جوانبه من القوة الممسكة الجامعة لأجزائه ؛ فهكذا حال القلب مع الغضب . والحقيقة فالسفينة في ملتطم الامواج عند اضطراب الرياح في لجّة البحر أحسنُ حالاً وأرجى سلامة من النفس المضطربة غيظاً ، إذ في السفينة من يحتالُ لتسكينها وتدبيرها ، وينظر في شؤونها ، وما يسوسها . أما القلب فهو صاحبُ السفينة وقد سقطت حيلته ، إذ أعماهُ الغضب و أصمهُ . هناك نوعان من الغضب ١- الغضب المذموم : الذي يكون نتيجة العصبية والتسرع ومخالفة أوامر الله تعالى فيما أمر من الصبر وذم العجلة في السلوك ويجب على الإنسان أن يستحكم عقله ولا يدع الغضب يسيطر عليه وأن يعود نفسه التعقل في مختلف المواقف فالإنسان عندما يفتح للغضب طريقاً فإنه يفعل الاشياء ويندم عليها سرعان ما يهدأ . الغضب باب من ابواب الشيطان الذي يسعى من خلاله لهلاك الانسان . الغضب الذي يكون بدافع الأنانية والحقد هو حرام وظلم والله لا يهدي الظالمين . ٢ – الغضب الممدوح : وهو الغضب الذي يكون بدافع الدفاع عن النفس والعرض والمال والوطن والدين والعقيدة ونصرة المظلوم و أحقاق الحق والوقوف بوجه الظالم فهذه كلها صفات ممدوحة وحسنة وأكد عليها الإسلام . يجب على الانسان أن يكون متواضعاً عادلاً عقلانياً ومنطقياً في تفكيره وتصرفاته ويحاول قدر الإمكان تجنب التسرع والغضب .

شاهد أيضاً

عـلمـاء غيـروا وجـــه العـالــم (( فيثاغورس ))

 كتب : جمــال عـابـد فتـاح ـ العراق المعروف عن الحياة الخاصة لعالم الرياضيات والفيلسوف الاغريقي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.