كتب : جمال عابد فتاح ـ العراق
في صبيحة ذلك اليوم المشؤوم من عام 1958 ,العناية الالهية في لحظات ذلك الحدث الحزين , ختمت على عيون مرتكبي هذه الجريمة الاثمة غشاوة , فجعلتهم لا يبصرون على اثنين من سكان ذلك القصر لتنقذا جسديهما من اصابة مباشرة وموت محقق كبقية ساكني القصر , هما امراتان ,واحدة من العائلة الملكة وهي الاميرة هيام بنت امير ربيعة , زوجة الامير عبد الاله , والثانية هي رازقية , المرأة المملوكة لهذه العائلة وربيبتها منذ ولادتها .
الامير هيام اصيبت بطلق ناري في ساقها ونقلت الى المستشفى ومن ثم غادرت الى مقر عائلتها في منطقة الحسينية , وبعد فترة تزوجت من ابن عمها قيس ربيعة ,وانجبت منه طفلين , وتوفيت في مدينة عمان عام 2001 ودفنت في مقبرتها الملكية .
اما رازقية فقد اصيبت بطلقين ناريين في ساقها الايمن , نقلت على اثرها بسيارة مجهولة الى المستشفى الملكي وخرجت منه متعافية , ولازالت على قيد الحياة حتى اليوم .
هي رازقية بنت صالح بن هاشم , حجازية الاصل امها ايضا حجازية واسمها زرافيت , كانت جارية او عبدة للملك علي بن الحسين واولاده , اما والدها فهو مواطن حر مغربي الجنسية وجاء بهما الملك الى العراق مع حاشيته بعد خروجه من ارض الحجاز .
اما الاب فكان يعمل كعسكري مع العائلة , ولظروف غامضه ومجهولة قام بشنق نفسه منتحرا , بينما رازقية كانت في بطن امها , وبعد فترة من وفاة زوجها وتحديدا في عام 1936 انجبت الام زرافيت ابنتها اليتيمة رازقية , فأخذت الملكة عالية والاميرة عبدية ابنتي الملك علي على عاتقهما كفالة هذه الطفلة ونقلاها الى قصر الرحاب مع ستة اطفال اخرين , كانت العائلة المالكة قد تعهدت بتربيتهم معها .
لرازقيه اخ يكبرها سنا اسمه عبد الرزاق كان يعمل خارس في قصر الزهور حتى 14 تموز 1958 عندما سمع في فجر ذلك اليوم اطلاق نار من قصر الرحاب , فهب مسرعا الى القصر لنجدة اهله , لكنه وجد نفسه مع العائلة والحاشية امام مهاجمي القصر فاردي قتيلا واصبح شهيدا من الشهداء ولم يعرف اين نقل واين دفن ولم يعرف له قبر حتى الان .
نشأت رازقية واشتد عودها في احضان هذه العائلة كأي طفلة بريئة مدلله تعيش حياتها الطبيعية في بيت امير دون ان تشعر او تشعر بانها جارية او مملوكة كوالدتها , بل حرة ابية كمثيلاتها المتكفلات من قبل النساء الاميرات , ولم تكن في يوم من الايام خادمة او جارية او وصيفة كما يعتقد البعض .
في السادسه من عمرها التحقت بالمدرسة كبقية الاطفال , حيت تذهب صباح كل يوم بسيارة القصر التي تحمل الرقم ( 6-بلاط ) الى مدرسة السعدون الابتدائية الكائنة في منطقة البتاوين , تنهل من الدروس مع اقرانها من التلاميذ وتتعلم معهم , وكان من بين زملائها في نفس الصف الامير رعد بن زيد بن الحسين .ابلت رازقية في المدرسة بلاءا حسنا واكملت تدرجها العلمي في المتوسطة والثانوية وحصلت على الجنسية العراقية , رغم كل الظروف القاسية التي مرت بها
وبعد احداث 14 تموز بعد اصابتها البليغة في صبيحة ذلك اليوم ظلت رازقية عدة ايام في المستشفى الملكي تحت طبابة ورعاية الدكتور غانم عقراوي الذي عالجها وضمد جراحها واخفاها عن اعين الغوغائيين او ما سمي بـ( المقاومة الشعبية ) اللذين ما برحوا يبحثون في كل مكان عن من تبقى من العائلة المالكة وحاشيتها , حتى غادرت المستشفى سرا بنصيحة من الطبيب نفسه , ولكنها ظلت تراجع عيادته لتضميد جراحها ولحين شفائها تماما من الإصابة .
بعد ان تركت رازقية المستشفى على حين غرة توجهت مباشرة الى بيت صديقة والدتها وبمثابة خالتها المدعوة رمزية والتي هي ايضا من جواري الملك علي بن الحسين , وتسكن منطقة الكسرة و في دار مستأجرة , فاحتضنتها رمزية في بيتها لتبا راقية بعدها حياة جديدة تختلف عن اجواء قصر الرحاب , وبعيدة عن احضان العائلة المالكة .