الرئيسية / الثقافية / مملكة القطط

مملكة القطط

كتب : محسن محمد تقي العراقي ـ العراق 

 


قطتي جميلة , وجهها فاحم مثل ليل ازلي , عيناها صفراوين يتفجران بالنور كقمر وهّاج , شاربيها الاسودين يمتدان على صفحتي وجهها كجناحي طائر خرافي , انفها ألأفنص يعتلى شفتين غليظتين . الانف يتشمم الارض والجدران , بحثا عن هرّ تركِ بخة بول . قطتي لا تصدر مواء حين يداهمها خطر بل تأنّ بوتيرة متصلة كنوع من التحذير ثم الهجوم ان فشل التحذير. خلاف شعورها بالجوع اذ تتوسل بصوت انيس وتتودد بشغف وتتسحب او تتقافز في اوج شغفها باللعب فتضرب كل ما يتحرك . بؤبؤ عينيها يتسعان كلما لمحت شيئا غير معتاد ويستدقان لحظة الاسترخاء . ذات مرة اخذت تموء قرب باب مقفل وحالما فتحته انسربت مثل جن . كانت الاشجار تتمايل اثر نسمات عطرة كللت منتصف نيسان. جلست ارقب الشمس اذ تنسل خلف جبل كثيف مودعة يومها . القطة رابضة هناك تحت شجرة تنوب كثيفة تتطلع بولع الى غياهب البعد الشاسع في الفلاة. وبحركة سريعة انتصبت ثم مائت كأن روحا تلبستها ثم ولت مسرعة تأكل الارض جريا. توقفت نظرت بحذر لشيء كأنه يناديها شيء عدمي لم الحظه لكنني استشعرت وجوده من خلال حركة ذيلها الذي اتخذ طابعا مترددا بين الاقدام والاحجام . احنت قوائمها تموضعت للهجوم زحفت بحذر حتى ابتلعتها ظلمة الغابة.. يا لهذا البعد الذي اخذتني اليه! سوادها والظلام تساوى , وصدى موائها الغريب ساقني الى عوالم لم تطأها قدماي , الظلام موحش لم ارِ فيه ابعد من كف يدي لقد فقدت اثرها….. (شنكل)وهذا اسمها اين انت ؟( تعالي ابتعدنا كثيرا…..) تفننتُ بتقليد مواء طويل . تحركتٌ يمينا ويسارا رجعتٌ للخلف ثم تقدمتٌ مسرعا لكني هويت في جوف سحيق ابتلعني كما يبتلع البحر حبة رمل , كان جسدي مثل جرم صغير في فضاء فسيح , وفجأة برزت شنكل من ثقب اسود لم تكن تموء بل تتكلم بلغة البشر! قائلة: تعال معي, سرت خلفها منوما فأذا بالافق ينفتح كبابٍ عظيم دلفنا خلاله الى عالم قططي تعددت الوانها واشكالها واصولها .انها مملكة عظيمة .
شنكل تتمسّح مخففة ذهولي , وشوشت بأذني: احذر فجميع القطط تحسبك مثلها, بعضهم ينظر اليك شزرا, وبعض يتآكله الفضول.
هاج الجمع وتراصفت طوابير القطط بأنتظار القائد . القائد يدعى عبدول رئيس مملكة القطط , هرٌ برأس كبير شارباه منفلتان وانفه شاخص مثل دبّور فوق شفتيه المنتفختان, اذناه منتصبتان راجفتان تبصقان الوعد والوعيد على وجوه الرعية, قوائمه ناهزت بطولها قوائم كلب سلوقي. وما كانتا بهذا الطول الا لتفرضا على الرعية خنوعا تاما وخضوعا قسريا مريعا. لون عبدول الغريب مزيج من الالوان التي شكلت فصائل رعيته. تمسحت شنكل بجسدي مرة اخرى وقربت راسها من الية اذني لتنبهني: احذر فحاشية عبدول تتصيد كل غريب وكلانا غريبان فهلٌم بنا ننسحب من هذا الهرج الصاخب.
(ميو ميو بالروح بالدم نفديك ياعبدول ميو ميو) وعبدول هذا لا يرتوي من دماء القطط ولا يستطيب الفرح الا على احزانها . حيث بدأ بتصفية رفاق الدرب حتى استحال الى نمط قهري امتدت جذوره في بنية المملكة . كان يتطلع للسيطرة على الممالك المجاورة . فتحالفت اقرب الممالك المفترض اغتصابها مع جيوش من الذئاب الفتاكة, استباقا لنية مبيتة بدأها عبدول بالوعيد . وذات ليلة هجمت الذئاب على مملكة عبدول بغية تحريرها من الطغيان لكن المملكة وكالبرق دخلت في هستيريا السلب والنهب !. لم تكتف الذئاب العظيمة من افتراس الهررة الموالية لعبدول بل راحت تتحكم بأرادة الامة حتى اعلنت نفسها محررة وانها لن تبقى دقيقة واحدة اكثر مما يتطلبه استقرار المملكة المظلومة وانها بصدد تشكيل نظام عادل!. شنكل تترقب بحذر فهي لا تعرف مايعنيه ان يكون لمملكة القطط حاكم عادل . الاجواء ملبدة بالغمام الاسود والهدوء الحذر ينبيء بالعاصفة. بعض القطط المنفلتة لا تريد التصديق ان عبدول قد انهار وان مملكته العظيمة قد اندثرت وان نظامه الذي ارق العالم صار كورقة في مهب الريح , فشكلت مجموعات مقاومة من عشرة هرررة تنقض على ذئب لتفتك به تعددت الهجمات وفي كل منطقة تترصد لذئب اخر وتفعل به كما فعلت بالذي قبله لكن ذلك قوبل بتعزيزات من الاف الذئاب التي روعت كل من يقف قبالتها .وفي حالة الهياج العام اضعت شنكل خفت عليها مما سيجري وهي البريئة الوديعة التي لم يكن يهمها سوى الدفء وملء البطن اين اجدها في اي الدهاليز المظلمة العاجة بالذئاب المتوحشة والقطط المنفلتة التي تتقاتل .وفي هدأة الليل الثقيل استطاعت الذئاب ان تؤلب القطط على بعض , فاشتد اوار الفتنة واستحالت الاجساد وقودا يغذي ديمومة الكراهية. وبذلك انشغلت القطط في قتال بعضها فتحولت المملكة الى ساحة صراع لايدانيه دموية وقسوة اي مكان على الارض . القطط تقاتل بعضها بشراسة دفاعا عن مناطق نفوذها وما زاد الطين بلة موجات تهجير قسري فالمملكة ماعادت قاسما مشتركا بين الرعية. بعد ان حرثت معاول الغرباء ارضا دفن الزمن فيها موروثا مشتبك الانتماءات .عمت الكراهية والنقمة وصار التمثيل بالجثث سبيلا للتشفي و لازلت ابحث عن شنكل بين الجثث المرمية على قارعة الطريق والمعلقة من ذيولها على اعمدة الكهرباء. في المزابل وجدت عشرين رأسا مقطوعا لقطط من كلا الطرفين ولأن شنكل تشبه كل القطط خشيت ان يكون راسها بين هذه الروؤس المضرجة بالدماء.في كينونة القطط حسٌ داهم يدفعها للحركة فهي تتشمم الاماكن وتتحسس الحركات على بعد غير قريب . وفي سر غريزتها تكمن الرغبات في الاستحواذ على مناطق النفوذ حتى خارج حدود المملكة . في خضم هذا الاحتراب المميت لا تجد في شوارع المملكة وازقتها ذئبا واحدا, اما شنكل التي ادخلتني عالمها لازالت رهن الغياب القاتم عاد النظام وتسيدت القطط مناطقها وتوزعت المغانم والحصص ثم دخلت المملكة في دوامة جديدة من الانتماءات المبعثرة انتماءات ورثتها عن اسلافها بمسميات تتناغم وميولها البسيطة ولازال مريدو عبدول ينتهزون الفرص مستغلين اجواء السلام الهش كي يتسيدوا الموقف باسماء جديدة وعناوين رنانة مستغلين اجواء الحرية ! بعض الهررة التي اقصاها عبدول منذ عشرات السنين الى الامم البعيدة عادت الى المملكة مطالبة باكبر الحصص في ادارة المملكة وفي يوم ربيعي مبهج اعلن عن بداية عهد جديد وسلطة جديدة برئاسة جديدة لاتفقه فن الادارة , فنهبت خزائن المملكة. ساد القتل وتناهبتها الفتن لكن الغريب ان النظام الانتخابي كان فاصلا اذ اختار قطتي (شنكل) لرئاسة الحكومة وقطتي التي عنيت بها في اجواء من الدلال لصة ولولا ذاك لما كانت قطة ! .

شاهد أيضاً

قـراءة فـي روايـة فـرانكشتاين  في بغـداد )) للروائي احمـد سـعـداوي

كتب : جمـال  عـابـد فتـاح ـ العراق هذه الرواية من طباعة منشورات الجمل / بيروت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.