الرئيسية / آراء حرة / الفنانة الشحرورة صباح وماسح الاحذية

الفنانة الشحرورة صباح وماسح الاحذية

كتب : زكي الديراوي ـ العراق

(لاني احبكم جميعا خليكم بالبيت ولن اقل لاي إنسان أخرج من البيت ..رجاء رجاء رجاء )البصرة مدينة التاريخ والأدب والشعر والجمال والتسامح والعيش الحر الكريم للجميع مدينة الجمال والطيبة ..البصرة وطن ومااحلاه من وطن .. تعتبر ساحة أم البروم في العشار المركز التجاري للبصره دينمو الحركة للمدينة وهي المستقبل لجميع السيارات التي تنقل الناس من جميع اقضية ونواحي البصره وتودعهم في الكراج(المرآب) الموحد الرئيسي كافة سيارات النقل بانواعها الخاصة أو الحكومية والأهلية.
ساحة أم البروم شكلها دائري محصورة بين نهري العشار الرئيسي ونهر الرباط الكبير.. يحرس ساحة دوران السيارات تمثال العامل الشهير باطلالته التي تؤشر الاتجاهات الأربعة تقابله سينما الكرنك. .ومن جوانبه تتفرع جميع الطرق للمشاة .طريق باتجاه الجنوب يصل لنهر العشار والذي يأخذك لتقابل الفراهيدي مباشرة وثانوية العشار ثانوية الأجيال المهمة ومزار عبدالله بن علي كما يقول البعض ويسارا باتجاه المجمع التسويقي وسوق حنا الشيخ واسد بابل الذي يأخذ بيدك لتسمع السياب وترى شط العرب والنخيل وكورنيش والبصره…
وعلى يسار تمثال العامل للقادم من المعقل خلال شارع دينار عدة منافذ أحدها يوصلك مباشرة للخضارة وسوق السمك الرئيسي والخندق .
منفذ بجانبه ضيق لأصحاب زجاج الشبابيك والأبواب وتزجيج الصور ومحلات التسجيلات الصوتية وبعض المحلات الكهربائية تتخللها طرق ضيقة لاصحاب المخللات والطرشي
. وهناك محلات حلاقة رجالية ومطاعم صغيرة تقدم الكبة الشهيرة لصاحبها صباح…ومطاعم الكباب
وتكة الغنم والجلفراي..ومكاتب الخطاطين والطباعة ومحلات متنوعة ..
الفرع الاهم يدخلك لمركز الازدحام والحركة والذي يوصلك مباشرة إلى سوق المغايز بعد اختراق شارع الكويت عرضيا ..
بداية هذا الشارع مواجهة مع التمثال يمينه كانت هنالك ملهى ليلي ومكاتب لبيع الصحف والمجلات. ومطاعم الباجة والدجاج الشوي والكباب والتشريب والقوزي وفيها أيضا مقاهي ومطعم ابوستار الشهير وحسينيته والجامع ومكان لشرب الخمور…انها منطقة البجاري الرائعة بتاريخها واختلاف أسواقها وتراثها القديم ومكانتها الطيبة والتي تستحق دراسة كاملة ..
في هذه المنطقة ساحة أم البروم التي لا تنام ابدا عربات الشربت واللبن والطعام من البيض المقلي وشوربة العدس مع قرب المخبز الذي يقدم خبزه ساخنا ..
تدخل يستقبلك بعض الأطفال أو الشباب الذين يحملون صناديق خشبية مزخرفة بالألوان وبما تحمله من اصباغ سوداء وحمراء وبيضاء.. انهم ماسحي الاحذية هذه المهنة التي انقرضت تقريبا مع بقاء القلة من محلات الاسكافية ..هنالك محل في ساحة أم البروم يديره رجل كبير يتناوب مع ابنائه وفيه ستة كراسي لعمال ماسحي الاحذية..يجلس الزبون على مصطبة خشبية وتحته فراش قطني وامامه مرآة كبيرة ينشغل بالنظر إليها أو يقرأ ما تيسر من مجلات الف باء أو الموعد أو مجلة العالم وقتها اوصحف محلية ..هنالك ثرمز ماء بارد وشاي ساخن حين الطلب إذ قد يتأخر للذي يريد إصلاح حذائه أو يضيف للأسفل حدوة حديدية تثبت بثلاثة أركان للحذاء من الأسفل وعندها تطلق خطوات احذية الرجال نغمة أو صوت يعتقد أنه يظهر وثوق الخطوات الرجالية للتباهي بخطواته لأن صوتها يكون مسموعا بوضوح .
اغلب الرجال كانوا يحملون بجيوبهم منديلا من قماش،لمسح الحذاء كلما شعر أنه اتسخ من الأتربة..
كما يقول المثل الفرنسي ..الاناقة الرجالية تبدأ من الحذاء..لذلك الرجال يعتنون بالحذاء الجلدي ويلمعونه دائما . ..
على بعد مئة متر تقريبا من بداية الشارع هنالك محل كبير لتصليح الاحذية وتبديل القاعدة الأرضية لها لصاحبه إسماعيل الكوردي الشاب الطويل الجميل ذو العينين الزرق مجموع عماله عشرة بالمحل لمسح الاحذية وضع ماكنة خياطة الجلود في بوابة المحل يرتدي صدرية جلدية كل صباح مع بداية عمله خوفا على ثيابه من الاتساخ أو أن تضربه الشفرة الحادة التي يقتطع بها الجلد الزائد أثناء ترقيع الاحذية بإضافة قطعة جلدية جديدة.
وقفت شابة جميلة ترتدي الكعب العالي جدا وتنورة الميني جوب وسيقانها كالسيوف واثقة الخطوات ..اكيد بهذه المواصفات تستهلك الف حذاء….صدرها ينطق أمامها وكأنه درع للقتال ..سلمت على إسماعيل فرد مبتسما استريحي..جلست على كرسي بجانبه قرب مدخل المحل ..قدم لها قدح ماء ..صاح للعامل هات لنا استكانة شاي..قالت شكرا.وقت الغداء قريب..
قال أطلب لك طعام من مطعم زينب الملاصق لمحله تقريبا ذلك المطعم العريق .وصاحبه الرجل الكريم يرتدي الكوفية والعقال العراقي ..والعامل ذو الصوت الجهوري الذي بعدما يسمع طلب الزبون يصيح بصوت مرتفع يسمعونه الطباخين ماعون كص على تمن والمرق فاصوليا وجك ماء بارد وطاسة لبن وماعون زلاطة..وخضرة .يرد الطباخ حاضر عمي..
دجاج على تمن..تشريب لحم وبصل اخضر..وهكذا ..قالت شكرا الظاهر انها تعرف إسماعيل جيدا . دار حوار بينهم غير واضح الصوت ..
اعطاها كيسا كبيرا أرادت تقدم له ثمن التصليح لم يقبل ..شكرته وعندما نهضت رفعت الكيس مستغربة من ثقله ..التفت إليه إسماعيل الكيس فيه طابوق اخذه منها فتح الكيس ضحك بصوت عال اسف أنه بسطال عسكري جاء به جندي لاصلاحه..توهمت به باستبدال الاكياس..ضحكت وقالت له هل انا عسكري ؟ قال أنت سيدي الآمر..
كان الشباب يهتم وقتها بالاناقة وخصوصا الاحذية ..
جميع محلات الاحذية المنتشرة وقتها تستخدم قناني اصباغ صغيرة تحمل علامة التمساحين الإيطالية وكذلك علبة صغيرة للدهان والتلميع ..محلات في سوق المغايز وسوق حنا الشيخ وشارع الوطن إضافة للعمال المنتشرين أمام دور السينما وامام المطاعم ..يمسح حذاءك العامل وعندما تنتهي من الوجبة تستلمه كانه جديد. وكذلك أمام سوق اورزدي باك في نهاية شارع الوطن قرب أسد بابل وملاصق لسينما أطلس الشتوي.. هذا السوق الذي كان من أرقى الأسواق وجميع بضاعته اصلية ومن ماركات اجنبية انكليزية وفرنسية وايطاليه.وامريكية وغيرها ..
وكما حدثني صديقي عبد القادر الروضان .هنالك مجموعة من العمال الصغار وصناديقهم يجلسون قرب الجسر الرابط بين سوق حنا الشيخ وسوق المغايز وهنا قمة الازدحام والغزل خلال فترة العصر وخلال الغروب .دائما كان يأتي شاب طويل القامة يرتدي بدلة سوداء وربطة عنق حمراء ويدهن شعر رأسه بدهن نيفيا يلمع من بعيد عندما يأتي يبرز شكله من مسافة يلمحه عمال المسح الذين أطلقوا عليه تسمية عكروك(ضفدع) وهو ينزعج منهم ذات يوم لم يحتمل عندما صاحوا عكروك بصوت واحد ركض عليهم هربوا فالقى بجميع صناديقهم بنهر العشار مما اضطرهم السباحة لانقاذ الصناديق من التلف وهم يضحكون وكذلك جميع الناس .
تذكرت وقتها أعلنت مسابقة.خصص ريعها للفقراء والفائز جائزته ليلة سهر ورقص وعشاء مع الفنانة صباح ..
صاحب رقم البطاقة الفائزة صادف انه كان ماسح احذية. اقتنى هذه البطاقة .. وقتها يسمونه صباغ احذيه ..استقبلته السيدة صباح وعرضت عليه مبلغا كبيرا يغير حياته ومهنته بدل سهر تلك الليلة التي تنتهي وتنسى بساعاتها القصيرة ..وافق الرجل وتغيرت حياته وأصبح مشهورا وقتها وبعدها أيضا التقى الفنانة صباح وحضر حفلاتها..
للأسف لم تبق هذه المهنة وكذلك الاسكافية ألا من محل واحد أو أكثر بقليل في المنطقة بين سوق البنات نهاية شارع الهنود ..قرب جامع الخضيري.

شاهد أيضاً

عـلمـاء غيـروا وجـــه العـالــم (( فيثاغورس ))

 كتب : جمــال عـابـد فتـاح ـ العراق المعروف عن الحياة الخاصة لعالم الرياضيات والفيلسوف الاغريقي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.