كتب : جمال عابد فتاح ـ العراق
هذه الرواية قد تم نشرها من قبل دار المكتبة الاهلية في البصرة ( الطبعة الثانية ) وبـ202 صفحة من القطع المتوسط ,وهي تحمي قصة امرأة حالمة في زمن متوحش ,ونجد ان الكاتب مهدي الصقر في روايته هذه يتميز ببساطة الاسلوب ونبض الحوار وعنصر التشويق والاثارة مما يشير من تمكن الكاتب من ادواته وقدرته على التصوير والايصال . وهذه الرواية هي حكاية بسيطة جدا بل تكاد تقترب من أي حكاية عاديه اخرى ولكن الكاتب مهدي الصقر ناولها بعبقرية فذه وجعل السرد فيها يعطيك انطباع بان تكملها للأخر لتعرف نهايتها . والرواية هي قصة فتاة تدعى (( نجاة )) شابة جميلة جدا ورائعة ,زوج من رجل كبير في السن ,وبعد فترة قصيرة من زواجها تقيم علاقة بجارها ( ابراهيم ) ابن الخبازة ,وابراهيم ياخذ نجاة الى المزرعه , وهي اشارة تاريخية ان ما حدث في البصرة لنجاة هو في زمن الاحتلال الامريكي للعراق والذي كتب عنه مهدي الصقر عام 1988 , وهذه الحكاية هي عن الامريكان اللذين احتلوا العراق وذهبوا الى البصرة بجنودهم السود ,وكانت نجاة وابراهيم يتناغمان في المزرعة ويتبادلان احاديث العشق والهوى , فيظهر لهم الجنود السود , وقد اخذ احد الجنود السود نجاة ,اما ابراهيم فقد نجا بنفسه عندما هرب ,وقام الجندي الاسود بالاعتداء على نجاة ,وبذلك نجد ان بنية السواد قد تشكلت هنا , فهنالك ليل وظلمة ,وهناك جندي اسود وبهذا فقد اختلط الظلام بالسواد ,ثم جاء مفتش امريكي وعندما شاهد هذه الحادثة وهي اغتصاب الجندي الامريكي لنجاة فما كان منه في تلك الليلية الا ان يسحب مسدسه ويقتل ذلك الجندي الاسود , وهي حكاية عاديه لا يوجد بها شيء , ولكن الروائي مهدي الصقر قد ادخل القاري في قصة جديدة على ما يبدوا ,فالأمريكان ارادوا ان يتحققوا من شخصية القاتل ,فما كان منهم الا ان يأتوا بنجاة ويعملوا طوابير من الجنود السود ويقولون لنجاة ان تحدد من هو القاتل ,ولكن نجاة لم تقل او تشير الى القاتل الى حد موتها لأنها كانت تعرف من هو ,لكنها لم تشير اليه لأنها الشاهدة الوحيدة في هذه الحادث والتي كانت هي الضحية فيها ايضا . بعد ذلك بدأت علامات الحمل تظهر على نجاة ولكن من أي واحد قد حملت نجاة , من الجندي الاسود , ام من المترجم ( توفيق ) والذي اقامت معه علاقه ظنا منها انه سوف يساعدها في محنتها هذه ,بعد ان كان يطمئنها بان الامريكان لا يريدون منها شيئا ,وهي فقط شاهد على واقعة القتل ,وبدا المترجم يشرح لها الموقف ويقول لها بان الامريكان سوف يضعون طابورا من الجنود السود وهي سوف تمر عليهم واحدا واحدا وتستخرج منهم القاتل ,ولكنها كانت تقول للمترجم : هي بصراحة الدنيا كانت ليلا , في منتصف الليل , ولا اعرف الوقت بالضبط , وكان المكان مظلم ….انا صحيح سمعت طلقة , لكني لم ارى الرجل , قصدي الرجل الذي كان بيده المسدس لم ارى وجيه ابدا , فكيف اتعرف عليه , هل هذا معقول . ثم تتوالى الاحداث ويظهر عمق السرد عند مهدي الصقر في الرواية الى درجة المتاهة , الى درجة الموت الاخير لنجاة , فنجاة كما يصفها مهدي الصقر ,هي ( الحقيقة والعذاب ), فهي امرأة شابة ,قد اعتدي عليها وقد تم قتل المعتدي , وقد راته ولكنها لم تقل من القاتل كي لاتتهم غيرها , وهنا تظهر الخافية الفكرية والخلفية الثقافية للروائي مهدي الصقر . وارى ان الرواية قد حددت اهدافها ,في الوصول الى درجة الغموض بين الايهام والتلميح دون التصريح وهذا يجعل الرواية غنية بالتساؤلات المشروطة ضمن دلالاتها واشاراتها ,والراوية بها جمالية ايضا عبر نظام موحد يعاضد القراءة الادبية بإيجاد افتراض ومشاركة في حدود واسعة , والحكاية خسي روية الكاتب مهدي الصقر فأنها تقع بين عالمين ,هما عالم متحقق واخر به صراع مادي وروحي حيث نجدهما حاضران في اغلب شخصيات الرواية ماعدا الشخصية الرئيسة ( نجاة ) لانها خصية محورية تتسع تحولاتها الى مزيج من الثيمات , ومثل هذه الشخصيات محددة ضمن وظيفة معينة داخل صراع الجزئيات ,وهذه الشخصيات هي ام نجاة , وحميد المعتوه , وسيد مجيد , وحسون النجار طليق نجاة , وشرطي المحلة , وتوفيق المترجم , وابراهيم ابن الخبازة , وسعيد اخ حسون , والحاج سلمان مختار المحلة هذا هو الجانب المحلي في الرواية , اما الجانب الاخر والذي يكمل الرواية فهو المتمثل في شخصيات امر البوليس العسكري الكولونيل ( اسوندرزا ) وضبط ابيض وضابط صغير السن وضابط اسود وجندي ابيض من البوليس العسكري ,وجنود مشاة بيض وزنوج . وبذلك نجد ان رؤية عملية الاغتصاب لم تأتي جزافا , والوجود العسكري للأمريكان قد برر ضمنا , وان الكاتب مهدي الصقر لم يقدم لنا الطريقة التي اختارتها (نجاة ) للخلاص من كلا العالمين ,وما لحق بها وبسمعتها ,فقد ترك الكاتب مهدي الصقر خيارات الخلاص للقاري , وليس فقط لنجاة , وبهذا فهو يحمل الانسانية ما وقع عليها ,ضمن اشارات مفادها بان كل ارض محتله ستقع على ترابها نفس الجريمة التي حصلت لنجاة والكولونيل والضباط والجنود البيض والسود والنجار والحمال والسيد والمختار قد ساهموا في فض بكارة بستان النخيل الذي وقعت به الجريمة , والخدر والخيانة التي جاءت من احد ابناء المحلى وهو ابراهيم ابن الخبازة وان أي فعل سوف لن يبراه لذلك نجده ملازما للحانة وهذا ما جعل الرواية غنية بالتساؤلات ضمن دلالاتها واشاراتها بتشغيل اغلب وظائف الرواية الحديثة .