شعر :محمد مهدي الجواهري
ذوى شبابيَ لم يَنْعَم بسرّاءِ
كما ذوى الغصنُ ممنوعاً عن الماءِ…
سَدَّتْ عليَّ مجاري العيشِ صافيةً
كفُّ الليالي وأجرتها بأقذاءِ…
فمِنْ عناءِ بَلَّياتٍ نُهكتُ بها
إلى عناءٍ، ومن داءٍ إلى داءِ…
ستٌ وعشرونَ ما كانت خُلاصتُها وهي الشبابُ طريّاً غيرَ غمَّاءِ…
وما الحياةُ سوى حسناء فارِكة مخطوبة من أحبَّاءٍ وأعداءِ…
قد تمنعُ النفس أكفاءً ذوي شغفٍ
ورّبما وهبتها غيرَ أكفاءِ…
ولا يزالُ على الحالينِ صاحبُها
معذَّب النفسِ فيها بيِّن الداءِ…
فإنْ عجِبتَ لشكوى شاعرٍ طرِبٍ
طولَ الليالي يُرى في زِيِّ بّكاءِ…
فلستُ أجهلُ ما في العيش من نِعمٍ انا الخبيرُ بأشياءٍ وأشياءِ…
وإنَّما أنا والدُّنيا ومحنتُها
كطالبِ الماء لمَّا غَصَّ بالماءِ…
أُريدُها لمسرّاتٍ ، فتعكِسُها
وللهناءِ ، فَتثنيهِ لايذاءِ…
وقد تتبَّعتُ أسلافي فما وقعتْ
عيني على غير مشغوفٍ بدُنياءِ…
فانْ أتتكَ أحاديثٌ مُزخرَفةٌ
عن الذينَ رَوَوْها أو عن اللائي…
فلا تصدّقْ فما في العيشِ منقصةٌ لولا أضاليلُ غوغاءٍ،ودهماءِ…
ولو بدَتْ لهمُ الدُّنيا بزيِنتها
لقابلوها بتبجيلٍ وإطراءِ…
لم تكفِني نكباتٌ قد أُخذتُ بها
حَتى نُكبتُ بأفكاري وآرائي….
لي في الحياة أمانٍ لو جَهَرتُ بها قُوبلتُ من سَفْسطيَّاتٍ بضوضاءِ…
ولو أتاني بِبُرهانٍ يجادلُني
لقلتُ: أهلاً على العينين مولائي…
حُرِّيةُ الفكر ما زالتْ مهدَّدةً
في ” الرَّافدين ” بهمَّازٍ ومشَّاءِ…
وبالنواميسِ ما كانتْ مُفسَّرةً
إلا لِصالحِ هيأتٍ وأسماءِ…